الديبلوماسية المغربية بين الأمس واليوم

مريم القبش

شهد المغرب، منذ مطلع القرن 20، مخاضا عسكريا عسيرا وتحولا سياسيا كبيرا. وإن لم يكن هذا التحول لصالحه، فإنه مع ذلك قد وضع المغرب على خارطة العالم الغربي الإمبريالي. وقطعت الديبلوماسية المغربية أشواطا طويلة حققت فيها اليوم مكانة غدت تمتلك المؤهلات الديبلوماسية التي تجعلها رائدة وقوية داخل إفريقيا بحكم العلاقات الخفية التي تنسجها مع دول العالم وقدرتها على خلق استثمارات اقتصادية في عدد من الدول، كما أن للمشاكل السياسية كقضية الصحراء وسبتة ومليلية تأثيرا مهما على ديبلوماسية البلد، بالإضافة إلى أن النظرة الداخلية للمغرب تغيرت بفعل التطورات الداخلية والخارجية بما في ذلك اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، وكذا تصريحات دونالد ترامب ومدى تأثيرها على الديبلوماسية المغربية مع فتح النافذة لاستكشاف عوامل أخرى لها تأثير في نفس السياق.
وعرفت الديبلوماسية المغربية من خلال كل هذا تطورات عديدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها؛ بحيث أضحت الديبلوماسية الناعمة لها ما لها من أدوار طلائعية في تمثيل المغرب خير تمثيل في المحافل الدولية، وتحولت من كونها ديبلوماسية أشخاص إلى مؤسسة ديبلوماسية واحدة. وفي هذا الإطار تعزز سعي المغرب للتواجد ضمن الدواليب المتحكمة في صناعة القرار داخل المنظمات الدولية الاستراتيجية بغاية تأكيد السيادة الشرعية للمغرب على أقاليمه الصحراوية، وتجلى ذلك في مبادرات احتضان المغرب لعدد من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، منها فتح المجال أمام الفرقاء المتصارعين في ليبيا ليتحاوروا في سلسلة اجتماعات متوالية في الصخيرات وبوزنيقة، وهي المبادرة التي حظيت بإشادة دولية واسعة نوهت بجهود المغرب في إيجاد حل سياسي للأزمة في البلد المغاربي. كذلك الدور الفعال لديبلوماسية المغرب في حل مشاكل الجيران الأفارقة جنوب الصحراء، وخلق شراكات تجارية و سياسية معهم (خط الغاز مع نيجيريا نموذجا) ، والأهم تقييد علاقات ثبت أنها تضر بمصالح المملكة، كالتجميد المؤقت للعلاقات الديبلوماسية مع ألمانيا وفتح مواجهة مع هولندا، وكذا سحب السفيرة المغربية المعتمدة لدى اسبانيا، والحرب السياسية الباردة بين المغرب والجزائر، وهو الأمر الذي تتضح فيه جليا قوة شخصية بيت السياسة المغربي الداخلي.
وكان وقع مختلف الأحداث على المجتمع المغربي قويا لكون المغرب لم يكن من طبيعته الديبلوماسية المواجهة، بل الاحتفاظ بحق الرد والصمت، حيث كانت المؤسسة الملكية تقوم بالدور الريادي في اتخاذ القرارات باعتبارها مركز ثقل الدولة، وللملك محمد السادس اختصاصات إدارية محصورة وغير محصورة في تعيين الوزارات السيادية كوزارة الداخلية والخارجية (حكومة التكنوقراط بدءا من بنعيسى إلى بوريطة). وكان أغلب الوزراء المغاربة للخارجية لهم أسلوب سياسي ديبلوماسي واحد وهو الصمت والاحتفاظ بحق الرد، وغالبا كان يأتي الرد من القصر الملكي في شكل بلاغ صادر عن الديوان. ولكن هذه الملامح تغيرت بعد دستور 2011 والتطورات التي شهدتها المملكة بعد الربيع العربي. فمنذ صعود قوى التيار الإسلامي المعتدل، شهدت وزارة الخارجية تغييرات في طريقة التعامل مع القضايا، وتغييرات في الموظفين الذين استلموها وصولا إلى ناصر بوريطة والذي يشغل حاليا منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين في الخارج والذي ساهم بشكل كبير بمواقفه المثيرة للجدل بتحول الديبلوماسية المغربية من أسلوب الصمت والدفاع إلى الهجوم، وزيادة على ما ذكر سابقا فقد شهد المشهد السياسي المغربي تحولات و ديناميكية غير مسبوقة. فبالإضافة إلى أن المغرب يحتل الرتبة 15 دوليا و 2 عربيا 14 إفريقيا من حيث القوات المشاركة في حفظ السلام على أساس سياسي و قانوني أهمه ميثاق الأمم المتحدة، فقد كان للمغرب دور الوساطة في حل أزمة مالي ومناطق نزاعات أخرى جنوب الصحراء والساحل الإفريقي.
أما في القضايا الوطنية، فقد شهد المغرب تحركات مهمة منذ سنة 2014 بعد الأزمة الدولية بين المغرب و فرنسا، وفي سنة 2022 أعاد المغرب معبر الكركرات للتراب الوطني وطرد ميليشيات البوليساريو منه إلى الحدود الجزائرية، ثم فتح القنصليات الأجنبية والعربية في مدينتي العيون والداخلة وأهمها قنصلية الولايات المتحدة بعد اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه.
وكان لتغيير السياسية الخارجية المغربية وكيفية تعاطيها مع القضايا عدة أسباب منها انقطاع زمن التبعية للقوى التقليدية والحلفاء التاريخيين، والتأسيس لأسلوب يقوم على جعل معيار المصلحة ضابطا يحكم القرار الديبلوماسي الخارجي للمملكة، كعودة المغرب للاتحاد الإفريقي والزيارة الملكية الأولى لروسيا، وأيضا انفتاح المغرب على شركاء اقتصاديين وسياسيين جدد في إفريقيا، وأهم حدث هو إعادة العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإسرائيل اقتصاديا واجتماعيا.
من المعروف أن المغرب دائما يعمل بصمت ودون ضجيج، حتى يخلق نوعا ممن التغيير المفاجئ، وهذا ما حصل بالضبط في الديبلوماسية المغربية بين الأمس واليوم، بفضل التجارب المتراكمة التي جناها المغرب من عديد القضايا التي مر بها منذ خمسينيات القرن الماضي في عهد الاستعمارين الإسباني والفرنسي مرورا بحرب الرمال، وصولا إلى حرب الصحراء وما تلاها من أحداث سياسية أخرى، وحتى التجارب على المستوى الدولي التي يستحضر المغرب نتائجها ويحلل عواملها أدت إلى خلق نوع من التيسير والتدبير المعقلن لمستجدات ما يدور في دهاليز البلاد.

الكاتب : مريم القبش - بتاريخ : 21/02/2024

التعليقات مغلقة.