تسامحه معي كان هدية خاصة لي

عباس بيضون

أتاني نبأ وفاة طلال سلمان. هذه المرة لم أعده في مستشفاه، حسبت أنّ لي بعد مهلة وأنه سيخرج سالماً منها، لم يخطر لي أنها النهاية. بقيت في «السفير» في جيرة طلال وتحت بصره أعواماً طويلة، عقوداً من شبابي وكهولتي. وخرجتُ منها حين خرجتْ من نفسها. أظنّ أن «السفير» الجريدة التي صحبتْ وخاضت مرحلة كاملة من التاريخ اللبناني توقفت في وقتها، وكان توقفها علامة لانتهاء عهد. لست في وارد أن أجادل في ذلك، لكنها الجريدة التي حملت منذ مطلعها بوادر دخول يسار ودخول طائفة تحت هذا العنوان إلى الثقافة اللبنانية. كان للسفير ما كان لكل الصحافة اللبنانية داعم خارجي. مسألة كهذه تدمغ كل الصحافة اللبنانية، لكنها لا تختصر دورها ولا تكفي لتقديمها. كان هناك مع ذلك الشيء اللبناني الذي يفعل في البلد ويتفاعل مع محيطه وأحداثه ويتطلّع إلى مساره. لم يكن الشيء اللبناني غريباً عن الداعم أو منفصلاً عنه لكنها، أكاد أقول، خاصية لبنانية، أن يزدوج الداخل والخارج إلى حدّ التطابق، وحيث يمكن للخارج، ليس فقط أن تكون له كلمته في الشأن اللبناني، لكن بدون أن ينفصل عن ذلك، يمكن للناطق باسمه أن يجد ما يمكن اعتباره أيضاً كلمة لبنانية. هذه الكلمة تشترك في صياغة ما يمكن اعتباره لبنانياً. بدأت «السفير» بداعم ليبي لم يكن له رؤية لبنانية. لم يكن أقطاب «السفير» المنتمين أو الخارجين من منظمة العمل الشيوعي ملتحقين به. لم يكن الأمر نفسه في مدى الزمن الذي تلا ذلك، إذ إن الداعمين كان لهم كلمتهم في هذا الشأن، ولهم مطالبهم فيه. هكذا تحوّل ذلك إلى شأن ثقافي بحت بل إلى شأن أدبي. كان يمكن أن نجد تنظيرات ماركسية ونقداً أدبياً وشعراً حديثاً. أما الكلام في السياسة فقد كان يتم قذف المختلف منه إلى الصفحات الداخلية. كان السماح به مع ذلك ظاهرة بحد ذاتها، فالصحف المدعومة لم تكن في الغالب تسمح بهذا الاختلاف أو تطيقه. كان لي شخصياً نصيب من ذلك. إذ لم يخف عن سلمان أنني كنتُ مخالفاً لسياسة الجريدة، في كل شيء. سمح لي أن أجاهر بذلك وأن أكتب فيه مقالات في صفحتي الثقافية… تم هذا على مدى سنوات طوال. مقالاتي في هذه الصفحة لقيت قراء ولا بدّ أن اختلافها كان ظاهراً. لا أذكر أنه فاتحني بذلك أو أنكره عليّ. كان في ذلك فريداً ولا أظنّ أنه كان من السهل أن تحوي جريدة لبنانية معارضاً لها في داخلها. لم يكن طلال هكذا مع الجميع. أسمع الآن أشخاصاً يشكون من أنه لم يتسامح معهم في ذلك وصرف بعضهم لأجله. هكذا يمكنني القول إن صمته عني وتسامحه معي كان هدية خاصة لي، يستحق من أجلها شكري الآن وتعزيتي لأسرته وأبنائه وأصدقائه الكثيرين. بل يمكنني أنا الذي صحبته كل هذا الوقت، أن أكون بين أهل العزاء.

الكاتب : عباس بيضون - بتاريخ : 02/09/2023

التعليقات مغلقة.