الدرس السنغالي

عبد الحميد جماهري

كانت السنغال محظوظة، من بين الكثير من الدول الإفريقية، أن قاد شاعر حبْوها الديموقراطي منذ بداية استقلالها، وكان رئيسها الذي عمر ديموقراطيا ما يكفي ليترك بصمته في الصورة التي كونتها البلاد عن نفسها، والتي كونتها عموم شعوب القارة عنها. الأب الشاعر ليوبولد سيدار سنغور، مغني نشيد الزنوجة الذي غادر الجمهورية، كما شاء له أفلاطون في كتاب مدينته الفاضلة، كان حكيما عندما غادر وترك خلفه عبدو ضيوف الذي غادر وترك وراءه عبدالله واد والذي غادر. وترك وراءه ماكي صال.. والذي غادر ولم يرم بشكوك على بلاده.
وغادر بعد أن أنهى ولايتيه، بقوة ما تحقق له فيهما، ولم يستطع أن يغير من الطبيعة التعددية للبلاد، ولا أن يضعف قوة مؤسساتها، بالرغم من الموقع القوي لرئيس الدولة في الجمهورية! فهو خسر الرهان أمام المجلس الدستوري، عندما لم يسايره في تأجيل الانتخابات، والبلاد تستعد لوضع حملتها الانتخابية، ولم يسل الدم، كما خسرت الجمعية الوطنية الرهان بعد أن قررت قرارا رفضه المجلس الدستوري، واستمرت الحياة بدون أن تتوقف المؤسسات عن العمل..
وانتصرت الحكمة بعد حوار وطني مصغر، أفضى إلى إجراء الانتخابات في وقت غير الوقت ..لا هي مؤجلة ولا هي ملغاة.
واستطاع المنافس الأكثر شراسة لامادو با الذي يحتضنه الرئيس المغادر، السجين السابق ديوماي فاي، الذي غادر المعتقل قبل الحملة الانتخابية بعشر أيام، أن يفرض نفسه في السباق تحت أنظار العالم.
كان كل الذين يحبون السنغال يضعون أياديهم على قلوبهم وهم يرون الأزمة تأخذ أشكالا غير مسبوقة، واعتقدنا في لحظة تشبه اليأس، بأن عدوى الدول في الغرب الإفريقي قد تصيب سكان داكار فيستسلمون لما في الانقلاب من إغراء القوة.
ولم يحدث ذلك، ولن يصلها قوس الأزمة التي أثبتت جدارتها الديموقراطية وصلابتها المؤسساتية..
الدرس السنغالي هو في هذا التدبير الرزين المؤسساتي لمعضلة توقع الكثيرون منا بأنها قد تعود بها إلى المسار الإفريقي المحبب للنخب، أي الوصول إلى السلطة بحيل دستورية غاية في التأويل القانونجي لكن ذلك لم يحدث من حسن الحظ.
نتابع، بكل أمل، هذا الدرس، ونتمنى ألا تكون بذور أزمة ما بعد الانتخابات قد زرعت في بعض تفاصيله قبل الأحد الماضي..
للمغاربة اهتمام خاص للغاية بمجريات الحياة السياسية السنغالية. بل لهم انشغال يكاد يكون عائليا بما يعرفه هذا البلد الإفريقي الصديق. ويشعرون وكأن الأفارقة في السنغال إخوة لهم بالوكالة الأسرية، إخوة من صميم الروح التجارية كما من صميم الصداقة الحديثة بين بلدين اختارا مبكرا دورا للتعددية السياسية في بناء الاستقلال. للمغاربة أيضا تقدير لمواقف هذا البلد الرزين والقوي، والذي لم يختر ملك البلاد سواه لتوجيه خطاب إلى شعبه وأمته بمناسبة وطنية مصيرية هي مناسبة عيد المسيرة..
وحده ذلك الخطاب يكفي لتلخيص هذا الانشغال المغربي والاعتزاز بالسنغال.. ولا يجاريه في الواقع سوى احترام سيادة بلاد ناضجة قادرة على حماية مسارها الديموقراطي باعتزاز وسلاسة وطمأنينة.. في انتظار انتقال اقتصادي يقودها إلى مصطبة الدول المنتجة للنفط والغاز، والدخول في دينامية غرب الإسلامي بكل قوة وعنفوان …

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 26/03/2024

التعليقات مغلقة.