عودة الإرهاب والمغرب: الثابت والمتحول..

عبد الحميد جماهري

في محاربة الإرهاب، صنع المغرب لنفسه مكانة خاصة وقوية في أجندة التعاون الدولي، وسواء تعلق الأمر بالجوار البعيد (الولايات المتحدة‫)‬ أو في الجوار القريب الاتحاد الأوروبي، دول الساحل وجنوب الصحراء أو في المنطقة المتوسطية، فقد تأكد بالملموس بأن هناك استراتيجية رزينة، متواصلة ومتصلة الحلقات، مبنية على أسس وقواعد ناجعة‫..‬
في الداخل كما في الخارج يملك المغرب نموذجا وخبرة وسياسيين، تمكنه أن «ينجح باستمرار عند الامتحان وعند استعراض النتيجة».
والأهم من ذلك هو أنه بإلاضافة إلى القواعد التي طورتها أجهزته داخليا وخارجيا وفي تنويع أسلوب عمله وتطويرها ‫(‬خلق البيسيج منذ 2015 ‫)‬، أكد بأنه ممر إجباري دوليا لمحاربة الإرهاب.
في الشهر الذي ودع أسبوعه الثالث، ترأس المغرب، بصفته الرئيس المشارك للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، بشكل مشترك مع الاتحاد الأوروبي، الدورة الخامسة للحوار بين المنتدى ومؤسساته المتخصصة، والاجتماع الاستشاري التاسع حول الشراكة مع ميثاق الأمم المتحدة العالمي لتنسيق مكافحة الإرهاب‫..‬ وهو آخر خبر في جدول أعمال طويل وعريض كما يقول أهل الأسلوب، ولم يعد المغرب في حاجة إلى تسجيل كل نشاطاته الدولية أو الداخلية في هذا الباب، بل ما أصبح موضوعيا غير قابل للقياس أو المقارنة هو نجاح أجهزته في أن تصير المخاطب المركزي، كلما تعلق الأمر بسلامة العالم‫.‬
مع الاتحاد الأوروبي هناك تعاون مع كل دولة على حدة، كما هو حال إسبانيا مثلا، علاوة على التعاون المؤسساتي مع «العائلة الأوروبية « من خلال الاتحاد القاري الذي يضم 27 دولة‫.‬
يتعدى التعاون تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتفكير المشترك في سبل العمل التقني، إلى العمل على إفشال مخططات الجريمة قبل أن تقع‫..‬.
ومن مظاهر التعاون التي تجعل المغرب ممرا إجباريا للسلام، أنه ترأس المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب لثلاث ولايات، مع هولندا وكندا، وحاليا إلى جانب الاتحاد الأوروبي، «فضلا عن جميع الشركاء المتعاونين مع المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، لتعزيز التنسيق والشراكات في مجال استباق ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف»…
بالنسبة لأوروبا لا يمكن أن يخرج الاجتماع الأخير عن سياق محدد، فيه عرض مغربي للسلام مقابل طلب أوروبي على توسيع الحوار السياسي الأمني ومؤسسته.‬
وما زلنا نكرر  ما أعلن عنه جوزيب بوريل بخصوص إطلاق مبادرات « تروم تقوية أكبر للشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وفي قلبها الحوار رفيع المستوى حول الأمن»..
ما هو مطروح ليس تعداد مظاهر التعاون العميق‫ (‬زيارات الحموشي ولقاءاته مع قادة الأجهزة الأمنية في أمريكا وفي أوروبا، ولا الحجم الهائل من التصريحات حول فعالية الأجهزة المغربية الداخلية والخارجية‫)‬ بقدر ما يحيلنا اللقاء الحالي على «عودة» الهاجس الإرهابي في المناطق الأقرب إلى أوروبا، وكيف تعول القارة العجوز على المغرب في هذا الباب‫.‬
ليس بسيطا أن تتناسل الدعوات إلى الإرهاب، من داخل الدوائر الأوروبية الغاضبة من تفرد المغرب، عبر نشر دعوات الانفصاليين الإرهابية على صفحات وشاشات القنوات الفرنسية مثلا، وليس بسيطا أبدا ولا عابرا إفساح المجال للإرهابيين في جنوب الصحراء للحديث على قناة فرانس 24، ولا تزامن ذلك مع المناخ المناهض لفرنسا في القارة، وإبرام اتفاقيات معلنة، أعلنها رسميا زعيم القاعدة في القارة نفسه أبو عبيدة العنابي على شاشة فرانس 24 بأنه لن يهاجم فرنسا وسيكتفي بالدول الإفريقية وطبعا الدول غير الإفريقية التي توجد في القارة في منافسة مع فرنسا ‫..‬ والمعطيات كثيرة للغاية‫(‬ مسؤول مالي يعلن أن الحكومة الفرنسية دفعت ملايين اليوروهات في شكل فدية للإرهابيين من جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» المرتبطة بـتنظيم القاعدة الإرهابي للإفراج عن الصحافي الفرنسي أوليفييه دوبوا، والناشط الأمريكي جيفري وودكي.
كشف المؤشر العالمي للإرهاب(GTI)، وفق تقرير نشره معهد الاقتصاد والسلام، (IEP) أن بوركينا فاسو هي أول بلد في إفريقيا والثاني عالميا ضمن البلدان الأكثر تضررا من الإرهاب في عام 2022، بتسجيلها 310 حوادث إرهابية خلفت 1135 قتيلا و496 جريحا. بالصومال.. مقتل 30 عنصرا من حركة الشباب على يد قوات الجيش الوطني، مقتل9 رعايا صينيين في هجوم نفذه رجال مسلحون على موقع للذهب في إفريقيا الوسطى‫)‬.
في المقابل هناك تركيز على الدور المحوري للمغرب في محاربة الإرهاب دوليا، وأيضا في ضمان البعد الاستراتيجي للحدود الأوروبية عبر تأمين المنطقة.
وقد كان لافتا أن الكشف عن تفاصيل جريمة اغتيال الشرطي المغربي من طرف داعشيين، قد أعاد شبح الفلسفة الإرهابية الإجرامية عبر مقولتي التعزير والاستحلال‫:‬ أي القتل لتبرير السرقة‬¡ أن الإديولوجية الارهابية ما زالت حية، وأن العالم في حاجة إلى تمثل المقاربة المغربية التي جعلت من سحب البساط العقائدي من تحت منامات الإرهابيين هو العلاج‫.‬
وكان لافتا أيضا أن المتحدثين باسم المؤسسة الأمنية في الأسبوع الذي ودعناه، الشرقاوي حبوب، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية والناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، بوبكر سابيك، قد قاربا الإسقاط الإرهابي ببعديه الثابت ‫(‬ الإيديولوجيا ‫)‬ و(المتحول ‫)‬ الانتقال من الوسيلة الكلاسيكية إلى الأنترنيت والتغرير السريع( كما قالا ‫)‬، هو ما يجعل المؤسسة ذات عقيدة أمنية فيها المرتكزات الدائمة والمتغيرات التي تنكشف عن التطور‫..‬
نحن أمام سياق قد ينذر بتطور الحمى الإرهابية، مع مختلف التقلبات التي تعرفها الساحة الشرق أوسطية والإفريقية ، والتي تجعل الدول المغرورة أو الغريرة تغامر باللعب بالنار.
ولنا عودة للموضوع‫.‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 23/03/2023

التعليقات مغلقة.