لفهم ما جرى ويجري .. 2 -الربح والخسارة في ضربة إيران..!

عبد الحميد جماهري

شنت إسرائيل عشرات الغارات الجوية على غزة خلال الليل، وفق ما أعلنت عنه حركة حماس الاثنين، فيما أكدت الدولة العبرية أن الهجوم الإيراني الذي تعرضت له، في نهاية الأسبوع، وأثار مخاوف من تصعيد إقليمي، لن يصرف اهتمامها عن الحرب التي تخوضها في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وهو ما يعني أن ثمن السكوت وعدم التصعيد الإسرائيليين يتطلبان» المواصلة في طريق الألم الفلسطيني.
الغارة الإيرانية لعلها الغارة الأولى التي لا تقاس أهميتها بحجم النتائج التي خلفتها، بل بتفاعلاتها ومنطلقاتها: المحللون الموضوعيون لا يترددون في القول إن »إيران تجاوزت العتبة التاريخية«، التي كانت تحدد الخطوط الحمراء.. وإذا كان من السابق لأوانه احتساب الربح والخسارة الآن، فإن أمريكا تريد أن تجعل من صد الضربات، عربون نصر، والاكتفاء بالنجاعة في .. الرد على الهجمات وحده انتصار. وهو ما يتبين من التصريحات الواردة على لسان الناطق الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي متوجها إلى بنيامين نتانياهو : عليكم الافتخار بما قمتم به!.. وبس! وإذا كانت تسعى إلى تعويض ضرب العمق الإيراني ( بسبب مخاطر حرب جهوية، وهو ما ترفضه واشنطن وتسعى إلى إقناع حليفها به). بعملية »مؤلمة« بدون حرب واسعة، فإن ذلك يعني استمرار الأجندة الإسرائيلية الإيرانية حاضرة في المستقبل القريب والمتوسط إن لم نقل البعيد..
1ـ إسرائيل لم تعوِّد حلفاءها الانضباط للتعليمات ولا الإنصات لما تريده واشنطن( منذ سابع أكتوبر على الأقل ) ، تتصرف بحمق تلمودي يلغي منطق التحالفات الحديثة، ولكنها لا يمكن أن تغفل الإرادة المعبر عنها غربا وشرقا بمحاولة تحجيم النيران في منطقة ملتهبة منذ قرن من الزمان!
لهذا ستنتظر مرغمة التحرك الديبلوماسي الذي بدأ »باليه« بالسبعة الكبار ثم مجلس الأمن، وملخص أهدافه عند واشنطن هو عزل طهران من جديد دوليا.. وفي الوقت ذاته، تعرف أكثر من غيرها أن استراتيجية منع التصعيد معادلتها صعبة وخطيرة، لا سيما بعد ما ثبت أن أمريكا لم تردع حليفها منذ سابع أكتوبر، وإذا كانت عاجزة عن ذلك في حرب صغيرة كيف إذا اتسعت رقعه النار في المنطقة ؟
2ـ تبدو إسرائيل بدون استراتيجية سياسية واضحة.وتكتفي بالتقتيل، ورئيس حكومتها نتانياهو ليست له رؤية واضحة ومقنعة، هو الذي انفتحت في وجهه جبهات عديدة بدون أن يملك أفقا سياسيا للحل، وتغيير قواعد الاشتباك كما كان يسعى منذ بداية أكتوبر. وهو كما يقول العديد من المحللين، يوجد على طريق الاندحار..
3ـ لم يعد أصدقاء إسرائيل الغربيون يخفون قناعاتهم بوجود تل أبيب في حالة هشاشة وسط الرأي العام، وانضافت إلى هشاشة أخلاقية وسياسية سببتها الإبادة الجماعية .. وهو ما عمق العزلة التي تحاصر دولة الاحتلال والدولة الراعية لها معا في المنطقة.
والخلاصة التي يريد المحللون الغربيون إقناع إسرائيل بها هي أن الدولة مع نتانياهو تبدو بدون استراتيجية بعد كل آيات الصمود الفلسطيني وما تحقق من واقع مر يسائل كل العالم.
4ـ العقيدة الإسرائيلية التي تبلورت عند قيادة اليمين وصناع الحرب فيه، تتمحور حول مركزية القوة مع ميل نحو الجنون العسكري مما يجعل الحرب دينامية مركزية في تقوية السلطة السياسية للتحالف الحاكم، وهو ما لم يعد مبررا لدى قطاعات واسعة من الرأي العام الدولي.. ..
والمفارقة هي أن تل أبيب لم تعد تستدرك، بسهولة، قدرتها الردعية ولا كيفية إعادة بناء هذه القدرة بعد شهور من التقتيل الوحشي الجماعي في غزة، وبعد مواجهات عديدة مع الأذرع الإيرانية في المنطقة في سوريا ولبنان والعراق واليمن..
5- قد تكون إسرائيل أخرجت إيران من الظل، وأنهت معها »حرب الظلال« التي فقدت فيها إيران قادة عسكريين بارزين، من قبيل السليماني ورضى زاهدي. لكنها تدرك بأن الحرب مع إيران موزعة بين الدول الحليفة، في المنطقة وفي العالم.
6- لم تستجب إسرائيل لضغوطات واشنطن والغرب سوى في حرب واحدة، هي الحرب على العراق وضربة صدام حسين لتل أبيب، التي ألهبت مشاعر العديدين قبل أن يخبو النظام برمته وتنهار دولة العراق، بمساعدة إيرانية لم تعد مجهولة. ولكن لانضباط إسرائيل ثمن. ولعل بوادر الثمن ستكون على حساب الفلسطينيين .. وهو ما استشعرته المقاومة نفسها، وبدأت إسرائيل تستعد له بتصعيد داخل غزة وقد تزيد الثمن سياسيا وعسكريا وماليا، وأيضا من دماء الفلسطينيين في رفح.. الحرب المؤجلة. والتي قد تصبح ممكنة كمن يدفع لإسرائيل كي لا ترد على ضربة إيران في الحال..!
وفي هذه الحالة فإن شبكة القراءة لتغيرات المنطقة لن تكون في صالح الشعب الفلسطيني :
ـ القضية التي أعادتها عملية طوفان الأقصى إلى الواجهة قد تنتكس إلى ما وراء الجدول الإيراني في المنطقة( كما يحدث كلما كان الملف الإيراني مطروحا دوليا )
ـ فتح الطريق أمام إسرائيل لعملية رفح وتصعيد الانتقام الوحشي ضد شعب أعزل، ( وهو ما يحيلنا على النقطة المركزية الثالثة : وفلسطين في كل هذا الهدير؟)

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 17/04/2024

التعليقات مغلقة.