مدونة الأسرة: إصلاح القطيعة والاستمرارية

عبد الحميد جماهري

يبدو أن الزمن، كما يقول المثل الصيني، يفتح أبوابه لمن يحسن الانتظار.. وكذلك يكون في اللحظة التي نحن بصددها. حيث أن انتظارات المواطنات والمواطنين والقوى الحية في البلاد قد فتحت بالفعل بابا في الزمن المغربي من أجل إصلاح ثان في المدونة.
الإصلاح جاء بقرار ملكي، وبرؤية ملكية وبإنصات ملكي لما يعتمل في الواقع المشترك. وما تفرزه الممارسات اليومية ذات الصلة بكرامة المغربيات وكرامة أبنائهن وبناتهن!
لقد توصل السيد أخنوش بتقرير الهيئة الملكية، كما وردت في خطاب الملك في 2022 ، واحترمت عملها بتدقيق كبير يعطي فكرة أولية تطمئن عن جديتها واحترامها لما هو مطلوب منها.
ثانيا، كان رئيس الحكومة، باعتباره إفرازا لتطبيق الدستور في فصله 47 والمنهجية الديموقراطية ( رحم الله عبد الرحمان اليوسفي) يحضر وفي سياجه كل قوة التمثيلية الوطنية، بعد أن كنا تعودنا على تلقي ملك البلاد لتقارير. اللجنة المعينة لهذا العرض من طرف رؤسائها المعينين.
هو توجه، في سياق دلالي لا يمكن أن يغفله المتتبع وصاحب النظر..
والسيد أخنوش، من مفارقات هذا الوضع، كرئيس للحكومة، كان أقل حضورا في الترافع الذي كان يعرفه المجتمع.
ولعل من المفارقات أن حزبي المعارضة المنتميين فكريا وروحيا إلى منظومة الإصلاح في قضية المرأة هما اللذان قاما بالمجهود »المدني في الدفاع عن مدونة بسقف عال، وهم يدركون ولا شك أن السقف والانطلاقة قبله قد حددهما خطاب الملك في عيد العرش إضافة إلى احترام التوقيت، ثم احترام الأسلوب التشاركي الواسع، حيث أن الجميع قد تقدم إلى اللجنة بما يراه جديرا بالإصلاح الثاني في المدونة..مع ما رافق ذلك من شد الحبل، المفتعل أحيانا والحقيقي أحيانا أخرى، مبني في الواقع على سجال بين مكونات الأمة، وليس على مضامين الورقةـ المذكرة التي صاغتها اللجنة، ما دامت غير معروفة ! ولا على الصيغة النهائية المفترضة: هو رهان استباقي في غالبه، يروم التهديد والترهيب أكثر مما يروم النقاش المبني على معطيات محددة.. وأحيانا يتعرض لطريقة الاشتغال من طرف اللجنة أو عدم مراعاتها »للتوازناتَ» الإيديولوجية المفترضة..
والحقيقة أن بعضا من هاته المواقف يروم فرض رقابة قبلية على أشغال اللجنة ومن ثمة على التحكيم الملكي..
وهو في حقيقة الأمر غير ذي بال، باعتبار أن الملك لا يضمن فقط حسن سير المؤسسات بل هو ضامن روحي بمقتضي إمارة المؤمنين التي تحدث باسمها في الموضوع..
فهل كان هؤلاء ينتظرون أن ينهزموا مثلا لكي يتغيروا؟
لا أعتقد بأن الأمر يمس الانهزام من عدمه بقدر ما يمس مفهوم الإصلاح والفكرة التي يشكلها لدى بعض مكونات الحقل الوطني، ونقصد بذلك أن هناك من يعتبر، باعتماد خلفية إيديولوجية، أن »الإصلاح هو العودة إلى ما سبق«، أو على الأقل هو ذا الإصلاح الذي دافع عنه الكثيرون ممن أدلجوا التنشئة الدينية لمجتمعاتهم!
كيفما كان العرض الذي سيعرض على البرلمان، والذي ينتظر منه أن يكون محطة للنقاش العمومي العلني بعد أن كان بين أسوار الهيئة، فإننا عشنا لحظة قطيعة ـ استمرار، بحيث استمرت روح الإصلاح الذي كان الملك قد أطلقه في 2004، وقطيعة بما أن ما ننتظره نريده قفزة إلى الأمام تخرج من مطابقة النص إلى مطابقة الواقع!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 01/04/2024

التعليقات مغلقة.