في ضربات سوريا .. أمريكا تطمس الخط الأحمر للتدخل

 

يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طمس بالضربات الصاروخية الأمريكية الأخيرة الخط الأحمر الذي رسمته الولايات المتحدة ليكون تجاوزه معيارا للتدخل العسكري في سوريا عند استخدام الأسلحة الكيماوية.
وأصبح الغموض يكتنف الآن موضع الخط الأحمر.
فقد قالت الولايات المتحدة إن ضرباتها جاءت ردا على هجوم كيماوي شنته القوات السورية في السابع من ابريل يقول مسؤولون بالإدارة إنها استخدمت فيه غاز الكلور وربما غاز السارين وهو من غازات الأعصاب الأشد فتكا.
وقالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي لمجلس الأمن يوم السبت “تشير مجموعة كبيرة من المعلومات إلى أن النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية”.
وبدا في السابق أن غاز السارين هو الخط الأحمر للتدخل. وكان هجوم بغاز السارين هو الذي دفع ترامب في العام الماضي لتوجيه ضربة لقاعدة جوية سورية. كما كاد هجوم بغاز السارين في العام 2013 أن يدفع الرئيس السابق باراك أوباما لتوجيه ضربة لسوريا.
ويقول خبراء إن غاز الكلور استخدم على نطاق أوسع في الحرب السورية دون رد أمريكي في السابق وإن إعداد هذه المادة وتجهيزها للاستخدام العسكري أسهل بكثير. وهذا يجعل القضاء عليها من خلال الضربات العسكرية مهمة أصعب كثيرا.
وقال داريل كيمبال من رابطة الحد من التسلح في واشنطن “كل مدينة في الشرق الأوسط بها شبكة لتنقية المياه لديها على الأرجح بعض الكلور. فهو مادة كيماوية صناعية شائعة”. ويقول كيمبال إنه يفضل تحركا عاما لمنع استخدام الأسلحة الكيماوية بما فيها الكلور.
أما يوم السبت فلم يكن واضحا ما إذا كان هجوم آخر بالكلور يكفي لإطلاق المزيد من الضربات الأمريكية أو ما إذا كان من الضروري أن يصل عدد القتلى إلى مستوى مرتفع بعينه، كما حدث في هجوم السابع من ابريل نيسان، أو ما إذا كان من الضروري أخذ احتمالات استخدام غاز السارين في الاعتبار.
أو ربما كان الأمر يتطلب حدوث سلسلة من الانتهاكات مثلما حدث في السابع من ابريل نيسان قبل حدوث أي تدخل أمريكي.
وقد وجهت إدارة ترامب تهديدات مبطنة يوم السبت بالتدخل العسكري مستقبلا وأطلقت تصريحات متباينة عن الدرجة التي اعتقدت بها أن الحكومة السورية استخدمت غاز السارين. وتنفي سوريا استخدام الأسلحة الكيماوية.
وقال جيم ماتيس وزير الدفاع إنه متأكد فقط من الاستخبارات التي أشارت إلى استخدام غاز الكلور من جانب القوات السورية في السابع من ابريل.
ولم يستبعد استخدام غاز السارين

كما قال مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي إن ترامب أمر بشن الضربات بناء على استخبارات أمريكية تفيد باستخدام “سلاح الكلور الكيماوي على الأقل” مشيرا إلى أن المحققين قد يثبتون استخدام غاز السارين أيضا.
وقال مسؤول آخر في إدارة ترامب في إفادة للصحفيين إن الولايات المتحدة تقدر أن غاز السارين استخدم أيضا في هجوم السابع من ابريل نيسان لكنه أشار إلى أن المعلومات الأمريكية عن السارين مصدرها تحليل لتقارير من وسائل إعلام ومصادر أخرى متاحة للجمهور وليس من استخبارات أمريكية.
ولم يتضح ما إذا كان ترامب اعتقد أن غاز السارين استخدم عندما قال على تويتر يوم الأربعاء أن الصواريخ الأمريكية “قادمة” ووصف الرئيس السوري بشار الأسد بأنه “حيوان قاتل بالغاز”.
وكان تحقيق مشترك أجرته الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في الفترة 2015-2017 قد توصل إلى أن الحكومة السورية استخدمت غاز السارين في الرابع من ابريل 2017 كما استخدمت الكلور كسلاح عدة مرات. وحمل التحقيق مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية مسؤولية استخدام غاز الخردل.
وانتهى عمل لجنة التحقيق في نوفمبر عندما عطلت روسيا التي تدعم الأسد ثلاث محاولات من جانب مجلس الأمن لتجديد تفويضها. وقالت موسكو إن التحقيق المشترك به عيوب.
وقبل الضربات الأخيرة أشارت السفيرة هيلي في مجلس الأمن يوم الجمعة إلى أن أي تصرف من جانب واشنطن لن يكون فقط ردا على الهجوم الذي وقع في دوما.
وقالت “الولايات المتحدة تقدر أن الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية في الحرب السورية 50 مرة على الأقل. وتصل تقديرات أهلية إلى 200 مرة”.
وألمحت إلى أن الولايات المتحدة ستضرب من جديد إذا استخدمت سوريا الغاز السام لكنها امتنعت عن تحديد المادة الكيماوية التي تشير إليها.
وقالت هيلي يوم السبت “إذا استخدم النظام السوري هذا الغاز السام مرة أخرى فالولايات المتحدة جاهزة للضرب. عندما يرسم رئيسنا خطا أحمر فرئيسنا يطبق ما يعنيه الخط الأحمر”.

«المهمة أنجزت».. لكن الأسئلة عالقة

– منذ أكثر من عام أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتوجيه ضربة صاروخية للحكومة السورية ردا على هجوم بأسلحة كيماوية على شعبها.
وأقدم ترامب على فعل الشيء ذاته أمس الجمعة مع حليفتيه فرنسا وبريطانيا في رد استهدف ردع الرئيس السوري بشار الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى لكنه ليس من المرجح أن يحدث تغييرا فيما يتعلق باستمرار قبضته على السلطة.
وأعلن ترامب اليوم السبت: “المهمة أنجزت” وهي عبارة ارتبطت على نحو ثابت بالرئيس الأسبق جورج دبليو. بوش الذي استخدمها في عام 2003 خلال حرب العراق التي سببت له إزعاجا حتى نهاية رئاسته.
ونالت أحدث الضربات التي أمر بها ترامب تأييد أصوات من أنحاء الطيف السياسي الأمريكي، لكن تلك الأصوات انتقدت عدم وجود استراتيجية أمريكية موسعة قد تضع نهاية للحرب المستمرة منذ أكثر من سبعة أعوام سوا ء بالأسد أو دونه.
وتساءل المعلقون عن الرسالة من وراء الضربة، التي أشارت إلى أن الحلفاء الغربيين لن يسمحوا بأن يمر أي هجوم بأسلحة كيماوية دون عقاب، لكنهم اعترضوا على أي تدخل أعمق عندما تقتل البراميل المتفجرة التي تستخدمها قوات الحكومة السورية عددا أكبر من السوريين.
وقال السناتور الجمهوري جون مكين في بيان بعد الضربات الأخيرة “لكي ننجح على المدى البعيد، فإننا نحتاج إلى استراتيجية شاملة لسوريا والمنطقة بأسرها”.
وأضاف مكين الذي دعا قبل عام إلى اتخاذ إجراء أكثر حدة لشل قدرات النظام السوري العسكرية “الضربات الجوية غير المرتبطة باستراتيجية أوسع ربما كانت ضرورية، لكنها لن تحقق وحدها الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط”.
وأوضح ترامب أنه يرغب في سحب قرابة 2000 جندي أمريكي شاركوا في الحملة على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وأوقفت إدارته دعمها للمعارضة السورية المسلحة مما يبرهن على رغبته في الانسحاب من سوريا.
لكنه اتخذ على ما يبدو موقفا متناقضا مع تلك الرسالة عندما قال اليوم السبت إن الحلفاء الغربيين مستعدون “لمواصلة هذا الرد” إذا لم يكف الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة. * تعارض صارخ
قال مسؤول أمريكي إنه في حين تمكن مساعدون كبار لترامب مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس من إقناعه بتجنب ذلك التحرك الأكثر صرامة الذي كان يريده في البداية قائلين إن في ذلك مخاطرة بالتصعيد مع روسيا حليفة الأسد، فإن الإدارة لم تقترب من وضع استراتيجية شاملة بشأن الحرب في سوريا.
وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه إن ترامب كان يريد إلحاق ضرر أكبر بآلة الحرب التي لدى الأسد، لكنه استقر في النهاية على إضعاف قدرات أسلحته الكيماوية لأسباب منها أن جزءا من قاعدته السياسية في الداخل يعارض انغماس الولايات المتحدة أكثر في الأحداث السورية.
وأضاف «هذا تعارض صارخ تصعب عليه إزالته»
وفي حين جعل هجوم الأسلحة الكيماوية سوريا في محط نظر ترامب بالكامل، يقول خبراء إن من غير المرجح إقناعه بأن يبقي المسار في سوريا لما هو أبعد من إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية.
وقال عدد من المسؤولين الأمريكيين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم إن إزاحة الأسد، الذي تمكن من البقاء بفضل الدعم الكبير من إيران وروسيا، لا تشكل أولوية للإدارة.
وقال فراس مقصد، مدير معهد الجزيرة العربية في واشنطن “لا حل بعد لمشكلة الأسد… الأسد نجح في المستقبل المنظور على الأقل، وهو يستفيد من ذلك”.
وبينما لا يبدو أن هناك بديلا فوريا لما يسمى بعملية جنيف المفترض أن تقود لانتقال سياسي في سوريا، أكد مسؤولون أمريكيون كبار طلبوا عدم نشر أسمائهم أن العملية فشلت وأنه آن الأوان لإعادة النظر فيها.
وقال مسؤول أمريكي “عملية جنيف لم تنجح، وآن الأوان لإيجاد شيء جديد أو تغييرها”.
وقال دينيس روس الذي عمل مستشارا للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط في ولايته الأولى إن الضربات الصاروخية لن تترك أثرا يذكر على الموقف في سوريا بشكل عام.
وأضاف أن نهج ترامب “لا علاقة له بتوازن القوة في سوريا، بل ينصب على داعش وعلى ردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية.
“الضربات قد تقنع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بمنع الأسد من الاستمرار في استخدام المزيد (من الأسلحة الكيماوية) إذ من الواضح أننا سننسحب من سوريا. الضربات لا تغير تلك الحقيقة”.
وقال مقصد إن روسيا أعلنت النصر ثلاث مرات في سوريا وأحبطت الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق انتقال سياسي يفضي في نهاية المطاف إلى رحيل الأسد.
وأضاف “بوتين لديه الإرادة السياسية والمثابرة لمواصلة المسار في سوريا وقد أظهر هذا على مدى نحو ثلاث سنوات”.

 

النص الكامل لتقرير المخابرات الفرنسية عن هجمات الغاز السورية

أوضح تقرير للمخابرات رفعت فرنسا عنه صفة السرية اليوم السبت أن باريس استخلصت من تحليل تقني لمصادر متاحة للجميع و»معلومات مخابراتية موثوقة» أن قوات تابعة للحكومة السورية نفذت هجوما كيماويا على مدينة دوما في السابع من أبريل نيسان.
وفيما يلي ترجمة عربية للنص الكامل للتقرير كما نشرته وزارة الخارجية الفرنسية باللغة الإنجليزية:
* وقعت عدة هجمات كيماوية فتاكة في مدينة دوما عصر يوم السبت السابع من أبريل 2018 ونحن نعتقد وبدرجة عالية من الثقة أن النظام السوري نفذها. في أعقاب استئناف النظام السوري لحملته العسكرية وكذلك عقب مستويات عالية من نشاط القوات الجوية فوق مدينة دوما في الغوطة الشرقية، تحدثت تقارير متزامنة من المجتمع المدني ووسائل إعلام محلية ودولية منذ عصر السابع من أبريل نيسان عن واقعتين جديدتين لاستخدام مواد سامة.
قالت منظمتان طبيتان أهليتان تنشطان في الغوطة، (هما الجمعية الطبية السورية الأمريكية واتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية) واللتان تتصف معلوماتهما عموما بالمصداقية، في تقارير علنية إن الضربات استهدفت بصفة خاصة البنية التحتية الطبية المحلية يومي السادس والسابع من أبريل نيسان.
وخلال الساعات الأولى من المساء لوحظ تدفق هائل لمرضى على المراكز الصحية في الغوطة الشرقية (لا يقل بأي حال عن 100 فرد) تظهر عليهم أعراض تتفق مع أعراض التعرض لعنصر كيماوي وتم توثيق ذلك. ويعتقد أن عشرات من الناس، أكثر من 40 فردا وفق عدة مصادر، توفوا جراء التعرض لمادة كيماوية.
وتمثل المعلومات التي جمعتها فرنسا مجموعة من الأدلة التي تكفي لتحميل النظام السوري مسؤولية الهجمات الكيماوية في السابع من أبريل نيسان. 1. وقعت عدة هجمات كيماوية في دوما في السابع من أبريل نيسان 2018.
حللت الأجهزة الفرنسية شهادات وصورا ومقاطع فيديو ظهرت تلقائيا على مواقع متخصصة وفي الصحافة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي في الساعات والأيام التي أعقبت الهجوم.
كما تم أيضا تحليل شهادات حصلت عليها الأجهزة الفرنسية. وبعد فحص مقاطع الفيديو وصور الضحايا التي نشرت على الإنترنت تمكنت الأجهزة من أن تستنتج، وبدرجة عالية من الثقة، أن الأغلبية العظمى حديثة وليست مفبركة. ويؤكد النشر التلقائي لهذه الصور عبر جميع شبكات التواصل الاجتماعي أنها ليست لقطات فيديو مركبة أو صورا يعاد استخدامها. وأخيرا، فإن بعض الكيانات التي نشرت هذه المعلومات تعتبر ذات مصداقية عموما.
وحلل خبراء فرنسيون الأعراض التي أمكن رصدها في الصور ومقاطع الفيديو المتاحة لعموم الناس. وقد تم تصوير هذه اللقطات ومقاطع الفيديو إما في أماكن مغلقة داخل مبنى توفي فيه نحو 15 شخصا أو في مستشفيات محلية استقبلت مرضى عليهم آثار تعرض لمواد كيماوية. ويمكن وصف هذه الأعراض على النحو التالي:
– شعور بالاختناق أو صعوبات في التنفس،
– أقوال عن رائحة كلور قوية ووجود دخان أخضر في المناطق المعنية،
– إفراز زائد للعاب والرغاوى (خاصة من الفم والأنف)،
– زرقة في الجسد،
– حروق جلدية وحروق في القرنية.
لم تظهر أي حالات وفاة نتيجة إصابات ناجمة عن عنف بدني. كل هذه الأعراض من سمات الهجمات بأسلحة كيماوية وخاصة بعناصر خانقة وعناصر فوسفورية عضوية أو حمض سيانيد الهيدروجين. وبالإضافة إلى هذا فإن ما يبدو من لجوء الخدمات الطبية لموسعات الشعب الهوائية كما ظهر في التسجيلات المصورة يعزز فرضية التسمم بمواد خانقة. 2. نظرا لاستمرار العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية في السابع من أبريل نيسان أو نحو ذلك، فإننا نعتقد وبدرجة عالية من اليقين أن النظام السوري يتحمل المسؤولية. وتشير معلومات مخابراتية موثوق بها إلى أن المسؤولين العسكريين السوريين نسقوا ما بدا أنه استخدام أسلحة كيماوية تحتوي على الكلور في دوما في السابع من أبريل نيسان.
وقع هجوم السابع من أبريل نيسان 2018 في إطار حملة عسكرية أوسع نفذها النظام على منطقة الغوطة الشرقية. ومكنت هذه الحملة التي انطلقت في فبراير شباط 2018 دمشق الآن من استعادة السيطرة على الجيب بأكمله.
وعلى سبيل التذكرة، فإن القوات العسكرية الروسية العاملة في سوريا تتيح للنظام التمتع بتفوق جوي واضح مما يعطيه حرية العمل العسكري الكاملة التي يحتاجها لهجماته العشوائية على المناطق الحضرية.
وتضمن التكتيك الذي تبنته الفصائل الموالية للنظام الفصل بين الجماعات المختلفة (أحرار الشام وفيلق الرحمن وجيش الإسلام) من أجل تركيز جهودها واقتناص اتفاقات استسلام يجري التفاوض عليها. ومن ثم بدأت الجماعات المسلحة الرئيسية الثلاث مفاوضات منفصلة مع النظام وروسيا. وأبرمت أول جماعتين (أحرار الشام وفيلق الرحمن) اتفاقات أسفرت عن إجلاء ما يقرب من 15 ألف مقاتل وأسرهم.
وخلال هذه المرحلة الأولى، تضمنت استراتيجية النظام السوري السياسية والعسكرية شن حملات عسكرية عشوائية متتالية على السكان المحليين اشتملت أحيانا على استخدام الكلور، ووقف العمليات لإجراء مفاوضات.
وبدأت المفاوضات مع جيش الإسلام في مارس آذار لكنها لم تكن حاسمة تماما. وفي الرابع من أبريل نيسان وافق جزء من جماعة جيش الإسلام (حوالي ربع الجماعة وفقا للتقديرات) على اتفاق الاستسلام وتم نقل المقاتلين وأسرهم إلى إدلب (نحو 4000 شخص، مع الأ سر).
غير أن ما بين 4500 و5500 مقاتل من جيش الإسلام، معظمهم في دوما، رفضوا شروط التفاوض.
ونتيجة لذلك، وبدءا من السادس من أبريل نيسان، استأنف النظام السوري بدعم من القوات الروسية قصفه الكثيف للمنطقة منهيا وقفا للعمليات البرية والجوية كان ساريا منذ بدء المفاوضات في منتصف مارس آذار. كان هذا سياق الضربات الكيماوية التي جرى تحليلها في هذه الوثيقة.
وفي إطار هذا السياق، يكون استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية منطقيا من وجهتي النظر العسكرية والاستراتيجية معا:
من الناحية التكتيكية، يستخدم هذا النوع من الذخائر لإخراج مقاتلي العدو الذين يحتمون بالمنازل وللاشتباك في قتال بالمناطق الحضرية في أجواء أنسب للنظام. وهذا يعجل بالنصر وله أثر مضاعف يساعد في التعجيل باستسلام الحصن الأخير للجماعات المسلحة.
أما من الناحية الاستراتيجية، فإن الأسلحة الكيماوية وبخاصة الكلور، والتي جرى توثيقها في الغوطة الشرقية منذ أوائل 2018، تستخدم بصفة خاصة لمعاقبة السكان المدنيين الموجودين في مناطق يسيطر عليها المقاتلون المعارضون للنظام السوري ولبث أجواء الخوف والرعب التي تدفعهم للاستسلام.
ولأن الحرب لم تنته بالنسبة للنظام، فإنه يلجأ لهذه الضربات العشوائية لإظهار أن المقاومة لا تجدي وليمهد الطريق أمام بسط السيطرة على آخر بؤر المقاومة المسلحة.
ومنذ عام 2012 استخدمت القوات السورية مرارا نفس النمط من التكتيك العسكري: فاستخدمت المواد الكيماوية السامة أساسا خلال الحملات الأوسع في المناطق الحضرية، كما حدث في أواخر 2016 خلال استعادة حلب، حيث استخدمت أسلحة الكلور على نحو منتظم بالإضافة إلى الأسلحة التقليدية. والمناطق المستهدفة، مثل الغوطة الشرقية، كلها أهداف عسكرية رئيسية بالنسبة لدمشق. 3. الأجهزة الفرنسية ليس لديها معلومات تدعم فرضية أن الجماعات المسلحة في الغوطة كانت ستسعى لحيازة أسلحة كيماوية أو أنها كانت بحوزتها فعلا.
كما أن الأجهزة الفرنسية ترى أن فبركة الصور التي جرى تداولها على نطاق واسع منذ يوم السبت الموافق السابع من أبريل نيسان أمر يصعب تصديقه، لأسباب منها أن الجماعات الموجودة في الغوطة لا تملك الموارد اللازمة لتنفيذ عملية اتصالات بهذا النطاق.
** منذ أبريل 2017 والنظام السوري يستخدم أسلحة كيماوية ومواد سامة في عملياته العسكرية بشكل متزايد. 4. يحتفظ النظام السوري ببرنامج أسلحة كيماوية سري منذ 2013.
وتعتقد الأجهزة الفرنسية أن سوريا لم تعلن عن كل مخزوناتها وقدراتها لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لدى انضمامها مؤخرا على استحياء لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في أكتوبر تشرين الأول 2013.
ومن الجدير بالذكر أن سوريا تحاشت الإعلان عن كثير من أنشطة مركزها للدراسات والبحوث العلمية. ولم توافق إلا مؤخرا على إعلان أنشطة معينة لمركز الدراسات والبحوث العلمية وليس كلها. وفي البداية لم تعلن عن موقعي برزة وجمرايا، وأخيرا فعلت في 2018.
ترى الأجهزة الفرنسية أنه يجب الانتباه بشدة لأربعة أسئلة طرحتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على النظام السوري ولا تزال بلا إجابة، وبخاصة في سياق هذه الحالات الأخيرة التي استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية في سوريا:
– المخزونات المتبقية المحتملة من غاز الخردل ومادة دي.إف (التي تستخدم في إنتاج السارين)،
– الأسلحة الكيماوية المحدودة القدرة التي لم يعلن عنها والتي ربما استخدمت مرات عديدة إحداها خلال الهجوم على خان شيخون في أبريل نيسان 2017،
– علامات وجود غاز الأعصاب في.إكس والسارين بمواقع إنتاج وتحميل،
– علامات وجود مواد كيماوية لم يعلن عنها قط ومنها الخردل النيتروجيني وغاز الخردل (لويسايت) وغاز الأعصاب (سومان) وغاز في.إكس.
منذ 2014، نشرت مهمة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتقصي الحقائق عدة تقارير تؤكد استخدام أسلحة كيماوية مع مدنيين في سوريا. وأجرت آلية التحقيق المشتركة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهي الآلية المعنية بهجمات الأسلحة الكيماوية، تسعة تحقيقات في وقائع قيل إنها استخدمت خلالها.
وفي تقريريها لشهر أغسطس آب وشهر أكتوبر تشرين الأول 2016، عزت آلية التحقيق المشتركة ثلاث حالات استخدم خلالها الكلور إلى نظام دمشق وعزت حالة واحدة استخدم فيها غاز الخردل إلى داعش، لكنها لم تنسب أي هجوم من هذا النوع لأي جماعة سورية مسلحة. 5. وقعت سلسلة من الهجمات الكيماوية في سوريا منذ الرابع من أبريل نيسان 2017
أورد تقييم وطني فرنسي نشر في السادس والعشرين من أبريل نيسان 2017 عقب هجوم خان شيخون كل الهجمات الكيماوية في سوريا منذ 2012، مصحوبا بتقييم لمدى ترجيحها وفقا للأجهزة الفرنسية.
هذا الهجوم ن فذ على مرحلتين، في اللطامنة في 30 مارس آذار، ثم في خان شيخون بغاز السارين في الرابع من أبريل نيسان، مما أودى بحياة أكثر من 80 مدنيا.
رأت السلطات الفرنسية في ذلك الوقت أن من المرجح جدا أن القوات المسلحة وقوات الأمن السورية هي المسؤولة عن الهجوم.
اطلعت الأجهزة الفرنسية على 44 زعما باستخدام أسلحة كيماوية ومواد سامة منذ الرابع من أبريل نيسان 2017، يوم الهجوم بالسارين على خان شيخون. من هذه المزاعم الأربعة والأربعين ترى الأجهزة الفرنسية أن الأدلة التي جمعت حول 11 هجوما تعطي مبررا لاعتبار أنها ذات طبيعة كيماوية.
ويعتقد أن الكلور استخدم في معظم الحالات، وتعتقد الأجهزة أيضا أن غاز أعصاب ساما استخدم في حرستا في 18 نوفمبر تشرين الثاني 2017.
وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة زيادة كبيرة في حالات الاستخدام منذ عدم تجديد آلية التحقيق المشتركة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في نوفمبر تشرين الثاني 2017 بسبب الفيتو الروسي بمجلس الأمن الدولي. ولوحظت أيضا بوضوح زيادة كبيرة في الهجمات بالكلور منذ بدء الهجوم على الغوطة الشرقية وتم إثباتها.
وسبقت سلسلة هجمات ذلك الهجوم الكبير في السابع من أبريل نيسان 2018، وفي إطار حملة أوسع (8 هجمات على الأقل بالكلور في دوما والشيفونية وحمورية).
هذه الحقائق بحاجة للنظر فيها على ضوء أسلوب الحرب الكيماوية الذي ينتهجه النظام السوري والذي تم توثيقه جيدا منذ الهجمات على الغوطة الشرقية في 21 غشت 2013 وعلى خان شيخون في الرابع من أبريل نيسان 2017.
وفي إطار زيادة مستمرة في العنف مع المدنيين في جيوب ترفض سلطة النظام، وفي انتهاك لالتزاماتها الدولية رغم التحذيرات الواضحة من أعضاء مجلس الأمن الدولي ومنظمة حظر الأسلحة، تسعى دمشق لاكتساب ميزة عسكرية تكتيكية في الداخل، والأهم ترويع السكان لهدم كل المقاومة المتبقية. وبالإمكان ملاحظة أنه منذ هجمات السابع من أبريل نيسان 2018 وجماعة جيش الإسلام تتفاوض مع النظام وروسيا على الخروج من دوما، مما يظهر نجاح هذا التكتيك.
وعلى أساس هذا التقييم الشامل والمعلومات التي جمعتها أجهزتنا، ومع عدم وجود تاريخ للعينات الكيماوية التي حللتها مختبراتنا، فإن فرنسا تعتبر: (أ) وبدون أدنى شك أن هجوما كيماويا استهدف المدنيين في دوما في السابع من أبريل نيسان 2018، و(ب) أنه ما من سيناريو منطقي بخلاف أن القوات المسلحة السورية نفذت هجوما في إطار حملة أوسع في الجيب الواقع بالغوطة الشرقية.
القوات المسلحة وقوات الأمن السورية تعتبر أيضا مسؤولة عن أعمال أخرى في المنطقة في إطار نفس هذه الحملة في 2017 و2018. وقدمت روسيا دعما عسكريا نشطا لا يمكن إنكاره للعمليات الرامية لاستعادة الغوطة.
وبالإضافة إلى ذلك وفرت غطاء سياسيا مستمرا للنظام السوري لاستخدام الأسلحة الكيماوية، في كل من مجلس الأمن الدولي ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، على الرغم من النتائج المناقضة لذلك التي خلصت إليها آلية العمل المشتركة.

هذا التقييم سيخضع للتحديث مع جمع معلومات جديدة


الكاتب : من فيل ستيوارت - ليزلي روتون

  

بتاريخ : 18/04/2018