كتاب «رحلتي مع المجاطي: من إمارة الملالي إلى خلافة البغدادي» للصحافي مصطفى الحسناوي

قصة أشهر أسرة مغربية إرهابية

أصدرالصحافي مصطفى الحسناوي كتاب : «رحلتي مع المجاطي « من إمارة الملالي إلى خلافة البغدادي، وهي قصة أشهرعائلة جهادية مغربية من أسرة تتكون من كريم المجاطي وزوجته فتيحة حسني وأبنائهما إلياس وآدم، هو كتاب إلكتروني صدر في أبريل 2022 من 174 صفحة .
مسار أشهر أسرة مغربية مع الجهاد، هو كتاب الصحافي مصطفى الحسناوي حول «أسرة المجاطي»، من القاعدة مرورا بطالبان إلى داعش.
تأتي أهمية الكتاب في تعريته لخطاب التطرف، معتمدا على شهادات من الداخل، ووثائق مسربة، تكشف عن الصراعات الداخلية وتصفية الحسابات، واستعمال أنصار وأعضاء التنظيم كوقود لتلك التصفيات.
الكتاب يتتبع مسار أسرة المجاطي، ويجعل قصتها، مدخلا يقارب ويرصد أساليب الاستقطاب والتجنيد والدعاية، لدى التنظيمات الإرهابية، وهو مساهمة جادة في تسليط الضوء على الإرهاب بصيغته الأنثوية، ومساهمة في كشف فخاخ التنظيم لاصطياد الشباب، ثم استغلالهم ورميهم بعد قضاء مآربها منهم، كما يسلط الضوء على مؤسسات وأساليب الدعاية والبروباغاندا لدى هذه التنظيمات وخاصة داعش. الكتاب غني بالمعطيات والمعلومات الحساسة وغير المتوفرة أو المنشورة، سواء عن هذه المرأة في المغرب وعن محيطها وعلاقاتها وخروجها والتحاقها بالتنظيم، أو عن أنشطتها وتورطها في تعذيب السجينات لدى داعش، بل وقتل بعضهن.
يتحدث الحسناوي في تقديم الكتاب، الذي صدر في نسخته الرقمية، عن لقائه مع أسرة المجاطي: «منذ أزيد من عشر سنوات، تعرفت على «أم آدم المجاطي»، الجهادية المغربية المعروفة عالميا، وزوجة القيادي في تنظيم القاعدة، «كريم المجاطي»، المتهم الرئيسي والعقل المدبر لتفجيرات الرياض وتفجيرات الدار البيضاء وتفجيرات مدريد وتفجيرات 11 شتنبر».

 

حين تعرفت على فتيحة المجاطي «أم أدم»، يضيف الحسناوي، كان زوجها وابنها الأصغر «آدم»، قد قتلا في مواجهات مسلحة مع الأمن السعودي، وكان مر على خروجها هي وابنها الأكبر «إلياس»، من المعتقل السري «تمارة» بالمغرب، سبع سنوات.
قضى «إلياس» طفولته في معسكرات القاعدة وطالبان والجماعات الجهادية الأخرى، يضيف الكتاب في تقديمه، وكان صديقا لأطفال أغلب القيادات الجهادية، حيث كانت تجمعهم حصص التداريب العسكرية وعمليات الشحن الأيديولوجي، وكان عمره حينها ثماني أو تسع سنوات، وأخوه «آدم» يصغره بسنة واحدة، حين أخذهم والدهم إلى إمارة طالبان الإسلامية، مرورا بإسبانيا وألمانيا وإيران.
في أحضان طالبان مارست العائلة الإرهاب وتدربت عليه، وزارت معسكرات ومضافات تنظيم القاعدة، والجماعة المغربية المقاتلة، والجماعة الليبية المقاتلة، متنقلة بين كابل وقندهار، وبايعت الملا عمر وبلادن.
ثم بعد سقوط طالبان، احتضنتهم مضافات القاعدة في باكستان ثم بانغلاديش ورجوعا للسعودية، حيث بدأت العائلة نشاطها السري مع فرع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، قبل أن ينكشف أمرهم، فيقتل الوالد وابنه الأصغر، وتعتقل الأم وابنها الأكبر، في سجن «عليشة» بمدينة الرياض السعودية، ليتم نقلهما لسجن «تمارة» بمدينة الرباط.
انخرطت «أم آدم» وابنها «إلياس»، في مشروع داعش، وتقلدا مناصب حساسة داخل التنظيم، ثم فجأة ساءت العلاقة، وأصبحت الأم وابنها مطاردين من عناصر التنظيم بتهم كثيرة وثقيلة. نتيجة للخطر الذي أصبح يحيط بهما، فكرا في أن يبوحا ببعض الأسرار ويسربا بعض الوثائق، وهنا يتساءل صحاب الكتاب: «لا أدري هل كان ذلك انتقاما من التنظيم، أم تكفيرا عن الذنوب، بعد صحوة ضمير مفاجئة حصلت لهما».
توصل كاتب الكتاب من المجاطي وابنها بوثائق وأسرار، توثق لرحلتهما إلى أراضي داعش وأهم محطاتها، كما توثق لأعمالهما والمناصب التي تقلداها هناك، والصراعات والتصفيات الداخلية، التي كانا طرفا فيها ، لكنهما كانا مع الصف الأقوى الممسك بزمام كل شيء، كانا مقربين من «اللجنة المفوضة «.
في  الفصل الأول يقوم الحسناوي بتعريف أسرة المجاطي، بعنوان: «آل المجاطي ومغامراتهم».
الفصل الثاني: «آل المجاطي في ضيافة طالبان والقاعدة»، يحكي قصة ذهابهم لأفغانستان، واستضافتهم من طرف طالبان، وتنقلهم بين مضافات تنظيم القاعدة، والتنظيمات الجهادية الأخرى، إلى حين سقوط طالبان، وهروبهم إلى باكستان وبانغلاديش، ثم نهاية رحلتهم في السعودية.
الفصل الثالث: «آل المجاطي في ضيافة البغدادي»، يتحدث عن رحلتهم إلى أراضي «داعش»، واستضافتهم من طرف كبار المسؤولين في التنظيم، وأهم المهام والمسؤوليات التي تقلدوها داخله، وأيضا الجرائم التي اقترفوها، والتي كانوا شهودا عليها، من خلال وثائق رسمية سرية، وشهادات أخرى لدواعش حاورتهم.
الفصل الرابع: «نهاية مغامرات آل المجاطي» والفصل الخامس: «نهاية داعش وبعض أسبابها»، تحدث فيهما عن نهاية «آل المجاطي»، ومعهم نهاية تنظيم داعش، الذي لم يكن سوى فخ، استقطب أمثال «آل المجاطي»، في لعبة كبرى، وصراعات سياسية وعسكرية واستخباراتية. وكيف انقلب هذا التنظيم على هذه العائلة، وحاول تصفيتها والتخلص منها، وكيف هربت العائلة متخفية من قرية لأخرى، بعد أن كانت في مراكز المسؤولية في التنظيم، وقد تتبعت مسار هروبهم، من خلال الوثائق التي توصلت بها، وأفلحت في أحايين كثيرة في استنطاق الوثائق، وتتبع مسارها وتواريخها، لأعرف من أين مروا وأين استقروا، مما كانوا يخفونه عني في مراسلاتهم هروبا من مراقبة أمنية، تطيح بهم في أيدي مخابرات داعش، واستطعت رسم مسارهم من بدايته إلى نهايته، بعد أن تم قتل الإبن واعتقال الأم من طرف قوات سوريا الديمقراطية، والتي ستختفي من معتقلها إلى حدود الساعة، بعد أن قيل إنها هربت، أو بمساعدةٍ أمريكية بحسب معلومات غير مؤكدة، حصلت عليها من صديقة مقربة منها.
خصصت أيضا حيزا مهما لإعلام داعش، وجهاز البروباغاندا عند التنظيم، فقد كنت مهتما بما يصدره، كما تطرقت أيضا لبنيات التنظيم، وأهم الاختراقات التي حدثت له، على المستويات الفكرية والعقدية والسياسية والأمنية والعسكرية، وأيضا الانشقاقات الداخلية، وصراع الأجنحة والتيارات، قبل أن ينهار ويتحول لعصابات متناحرة، عجلت برحيله.
نقرأ في الصفحة 6 من الكتاب حول سيرة زوجة كريم المجاطي : « فتيحة محمد الطاهر حسني، أو « أم آدم» أو «أم الشهيد»، هكذا كان يحلو لها أن تسمي نفسها وتوقع بياناتها النارية ومقالاتها المتمردة .
ولدت فتيحة سنة 1961 ، لعائلة متوسطة الحال من أب يشتغل بالنجارة ، ووالدة تهتم بشؤون البيت، بحي شعبي بالدار البيضاء يسمى درب السلطان. لكن قبل تتحول إلى ما أصبحت عليه، كانت فتيحة ، فتاة منفتحة فرنكفونية، لا تعرف عن الإسلام المغربي الشعبي أي شيء، فضلا عن الجهاد والنقاب والإرهاب .
حصلت على شهادة جامعية في القانون الخاص باللغة الفرنسية سنة 1985، وهي نفس دفعة الملك محمد السادس الذي التقته سنة 1986 في القصر الملكي بالدار البيضاء أثناء حفل تكريمي أقيم على شرف المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد المغربية ، وكانت هي على رأس دفعة جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وكان بحث إجازتها عن أضرار ومخاطر ومساوئ تعدد الزوجات من النواحي القانونية والاجتماعية،وقد أنجزته بالفرنسية بعنوان : Reflexions sur la polygamie dans le rite malikite ( textes anciens et moderne ) .
وحصلت على 30/27 وهي أعلى نقطة. وتقول في الكتاب أنها كان من المفروض أن يقطعوا رأسها بسبب هذا الكفر الذي كتبته عوض أن يكرموها ويستقبلوها في القصر الملكي .
بعد تخرجها، دخلت في مرحلة تدريب بمكتب المحامي اليهودي المشهور «جون بول رازوان»، ثم التحقت بالمعهد الأمريكي الإنجليزي لإدارة الأعمال، وتلقت دروسا مكثفة باللغة الانجليزية حازت على إثرها دبلوم P.E.T من جامعة كامبريدج البريطانية . رغبت بإتمام تعليمها العالي في فرنسا، فحصلت على موافقة لإتمام دراستها وإنجاز دبلوم الدراسات المعمقة D.E.A بجامعة السوربون بباريس من طرف مدير شعبة الأنتروبولوجيا القانونية، كما حصلت على الموافقة على إعداد دبلوم مماثل في تخصص دراسات نسائية من طرف رئيس جامعة باريس فانسين – سان دوني باريس، وكان بحث إجازتها عن مساوئ التعدد.
الظروف العائلية والمادية، حسب سيرة زوجة كريم المجاطي، منعتها من الاستمرار في مسار متابعة دراستها، فاختارت الاشتغال بالمعهد المغربي لإدارة المقاولات تحت إشراف مدير فرنسي سنة 1990براتب 13 ألف درهم في الشهر .
فجأة ارتدت الحجاب وتغيرت حياتها وانقلبت رأسا على عقب بسب حرب العراق الأولى.
تعرفت فتيحة الحسني على كريم المجاطي وهو طالب بالمعهد، ويصغرها بست سنوات وتزوجا في 25 شتنبر 1991.
وفي بداية عام 1992 سافرا إلى باريس وحضرا مؤتمرا إسلاميا، اجتمعت فيه قيادات وأعضاء ومتعاطفون من جماعة حماس والمجاهدين الأفغان، وعدد من المشايخ والدعاة، بالتزامن مع حرب البوسنة، فكان ذلك المؤتمر هو الذي شحنهما وغير وجهتهما نحو دروب الجهاد .
من جهته ولد عبد الكريم المجاطي من أم فرنسية، بتاريخ 30 أكتوبر 1967 ، من أسرة التهامي المجاطي الثرية . تلقى تدريبا من أجل الجهاد في البوسنة في بداية التسعينات، واعتقل في كرواتيا على الحدود البوسنية وكاد يتعرض للقتل، جراء التعذيب الذي تعرض له لمدة شهر كامل . بعد تدخل السفارة الفرنسية ورجوعه إلى المغرب، قرر تغيير الاتجاه للهجرة والجهاد نحو أفغانستان . في رمضان 1994 ذهب لأداء العمرة في العربية السعودية، ومنها سافر إلى أفغانستان وهناك تلقى تدريبات في معسكر « خلدان»، ثم عاد من أفغانستان مصابا بالملاريا .بقي بالمغرب إلى أن تحسنت حالته وسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1997 واستقر بمدينة نيوجيرسي، ثم سافر منها إلى أفغانستان ما بين سنتي 1999 و2000. غادرت عائلة كريم المجاطي المكونة من الزوجة فتيحة وابنيه إلياس وآدم إلى أراضي أفغانستان بشكل نهائي في صيف 2001 .
قتل كريم المجاطي مع ابنه آدم البالغ من العمر 11 سنة ، في مواجهة مع الأمن السعودي بمدينة « الرس « استمرت ثلاثة أيام ما بين عناصر من تنظيم القاعدة والأمن السعودي في أبريل 2005 وتفحمت جثتاهما، وحسب أقوال فتيحة حسني فإنها توصلت بجثتي زوجها وابنها بتاريخ 3 مارس 2007 وتم نقلهما من المملكة السعودية إلى المغرب، في حين اعتقلت السلطات السعودية فتيحة زوجته وابنه إلياس وتم ترحيلهما إلى المغرب بالمعتقل السري تمارة لقضاء 7 سنوات رهن الاعتقال . (الصفحة 15-16 ).
يقول إلياس كيف تم التخطيط للذهاب إلى إمارة طالبان الإسلامية في الصفحة 22 : «جمعنا الحقائب وتوجهنا عند إحدى الأسر لم أكن أعرفها، مكثنا عندها عشرة أيام، بعدها مباشرة توجهنا إلى الرباط لمدة يومين، ثم إلى المحمدية عند جدي لأخذ النقود بحجة السفر إلى بريطانيا للاستقرار هناك، ثم توجهنا مباشرة إلى الرباط ، ثم إلى السفارة الإيرانية، وحصلنا منها أنا وأخي والوالدة، على التأشيرة في نفس اليوم في حين تم تأجيل الوالد لمدة 15 يوما، لأنه كان يملك جوازا فرنسيا . بعد ذلك ذهبنا جميعا إلى مدينة سلا، وكان الغرض أخذ أحد الإخوة ( الشطبي ) معنا إلى أفغانستان ، مرورا عبر إسبانيا، مكثنا عنده في سلا يومين، ثم اتجهنا إلى سبتة بالسيارة، ثم اسبانيا بالباخرة ، يوم 17 يوليوز 2001 . وصلنا إلى مدريد ، حيث وجدنا أحد الأشخاص ينتظرنا أمام أحد المساجد، ثم اصطحبنا إلى بيته الذي كان أشبه بمكتبة كبيرة لأشرطة «المجاهدين».
ذهبنا إلى مخيم نظمه أبو الدحداح (أحد المسؤولين عن تفجيرات مدريد وصهر مصطفى ست مريم المعروف بأبي مصعب السوري أحد أكبر العقول الاستراتيجية للجهاديين ) شارك فيه حولي 100 شخص بأطفالهم أغلبهم من بلاد «الشام» على ضفاف نهر إحدى الغابات التي تبعد عن مدريد بخمس إلى ست ساعات عبر الطريق السيار .»
ونقرأ في الصفحة 120: «التخطيط للهروب من جحيم داعش»، استغلت العائلة حالة الفوضى التي خلفها سكان الرقة هروبا من الرقة والعودة إليها، فتسللوا تحت جنح الظلام ، إلياس وأمه وزوجته والمولود الجديد «كريم المجاطي». لم ينس إلياس سلاحه وحزامه الناسف ولباسه العسكري، زوجته ووالدته أيضا حملتا معهما سلاحا ناريا، كان هروبا، أشبه بخوض معركة حقيقية . كانت الوجهة مدينة « معدان» وهي تابعة لمحافظة دير الزور .
هكذا تحولت فتيحة حسني زوجة كريم المجاطي من امرأة متحررة فرنكوفونية، من طبقة ميسورة تقضي إجازتها في دول أوروبية وتلبس أحسن الماركات، إلى امرأة منغلقة متزمتة متشحة بالسواد.


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 30/05/2022