«الملحق الثقافي» يحاور المفكر والمترجم الياباني نوبوأكي نوتاهارا

طنجة لا تشبه أي مكان آخر في العالم، ومراكش  مدينة للجن

عندما ظهرت رواية محمد  شكري، أسرعت بالذهاب  إلى المغرب

حظ كبير أن يحظى الواحد منا بحوار مع شخصية فكرية في حجم المفكر والمترجم والناقد اليابني نوبوأكي نوتاهارا، الذي نذر أزيد من أربعين سنة من عمره للبحث في الثقافة العربية وتأملها والتعريف بها عبر الترجمة لأكبر روائييها من غسان كنفاني وعبد الرحمن الشرقاوي وصنع الله إبراهيم ونجيب محفوظ ومحمد شكري وغيرهم إلى اللغة اليابانية، وخلق امتدادا ثقافيا لها في قلب هذه اللغة. وتوج مساره بكتابه المؤثر الذي كتبه باللغة العربية وصدر عن دار الجمل بألمانيا بعنوان « العرب: وجهة نظر يابانية» في الوقت الذي كان العنوان الذي وضعه له المؤلف « رحلة البحث عن الأشياء المفقودة»، والذي قال عنه «أربعون عاما هي مدخلي لهذا الكتاب..أربعون عاما و أنا أسافر إلى العواصم العربية والأرياف و البوادي. أرى وأتأمل و أكتب انطباعاتي للقارئ الياباني. أربعون عاما وأنا أتابع الرواية العربية فأتعلم وأترجم وأتحدث للناس هنا في اليابان. قابلت كتابا عربا في البلدان العربية كلها، ولي أصدقاء أحبهم وأحترمهم وأعتز بصداقتهم، وأقمت مع الفلاحين في ريف مصر، ومع البدو في بادية الشام، و هناك تعلمت عميقا دروسا في الحياة و الثقافة و حوار الشعوب..»
نوبوأكي نوتاهارا من مواليد 23 غشت 1940، تخرج من جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية كلية اللغات الأجنبية – قسم اللغة العربية، وعمل بها أستاذا إلى حين تقاعده سنة 2003، ليقرر اعتزال حياة البحث و التأليف و الترجمة و الابتعاد عن صخب طوكيو، متجها إلى أبعد نقطة ممكنة، ليقع اختياره على إحدى جزر أرخبيل جوتو في أقصى غرب اليابان، مبتعدا عن طوكيو بأزيد من ألف كلم، ليستقر هناك مستلهما سكينة الطبيعة لتعلم المزيد عن الحياة، مستغرقا وقته في تسلق الجبال و قيادة المراكب و الصيد..
من أهم مؤلفات نوتاهارا «أين هم المصريون؟» (باللغة اليابانية) «أدب المجتمع البدوي: عالم إبراهيم الكوني «، العرب من وجهة نظر يابانية (باللغة العربية)عن دار الجمل.
من الأعمال العربية التي ترجمها إلى اليابانية نجد : «عائد إلى حيفا « لغسان كنفاني ، «الأرض» لعبد الرحمن الشرقاوي، «ستة أيام» لحليم بركات ، «الحرام» ليوسف إدريس، «الخبز الحافي» لمحمد شكري، تلك الرائحة لصنع الله إبراهيم ، التبر لإبراهيم الكوني.
في هذا الحوار نستعيد مع المثقف الكبير نوتاهارا مغامرته مع الثقافة العربية وذكرياته مع مثقفيها، وما علق في ذاكرته من زيارته للمغرب للقاء محمد شكري ومثقفين مغاربة كعبد اللطيف اللعبي .. نتقدم بالشكر إلى الصديق المفكر حسن أوزال الذي فتح لنا قناة التواصل مع محاورنا، وكذا الباحثة اليابانية كاورو ياماموتو التي تفاعلت معنا بتلقائية سخية، مساعدة إيانا على اختراق عزلة نوبوأكي نوتاهارا.

 

-أول سؤال يُطرح بخصوص تجربة الأستاذ نوبوأكي نوتاهارا هو كيف لشخص نشأ وتشرب الثقافة اليابانية، أن يقرر الانشغال بلغة وثقافة وأدب قوم بعيد جغرافيا وربما أيضا ثقافيا، كاللغة والأدب العربيين؟

-في ما يتعلق بهذا السؤال ، لا أجد إجابة شافية ترضيك، ولكن عندما أعود بذاكرتي إلى تلك الحقبة أظن أنني كنت مدفوعا بتطلع قوي تجاه عالم المجهول. ولا يمكن تجاهل صدفة تأسيس قسم اللغة العربية لأول مرة في جامعة حكومية بطوكيو في العام الذي تقدمت فيه لامتحان الالتحاق بالجامعة . تقدم لذلك الامتحان 200  مترشح نجح منهم 10 فقط. كما أنه يصعب علينا أن نقول إن هيئة التدريس كانت على المستوى المطلوب. وهكذا بدأ كل شيء على أساس من الصدفة المحضة والعجز في هيئة التدريس، ولكن بالنسبة لي كان هناك شيء واحد أكيد،  وهو اهتمامي الدائم بالرواية الأدبية. طبعا ذلك الاهتمام تكون في ظل الروايات اليابانية، ويختلف عن الاهتمام بالروايات العربية، ولكن حبي العميق للأدب بشكل عام هو الذي قادني إلى الأدب العربي أثناء دراستي للغة العربية، أي أن هذه النتيجة هي وليدة عاملين هما، العامل الاجتماعي وقد كان صدفة محضة، والعامل الشخصي الذي يتمثل في اهتمامي بالأدب .

– شكلت الترجمة اهتماما رئيسيا بالنسبة للمجهود العلمي للأستاذ نوتاهارا. كيف تفهمون هذا الفعل، أي فعل الترجمة؟

n في ما يتعلق بممارسة الترجمة فقد مارستها في مرحلة متأخرة. فلم يكن في اليابان في ذلك الوقت من هو على دراية بالأدب العربي، ولا سيما الأدب المعاصر، وفي ظل هذه الظروف أصبحت قادرا بالكاد على القراءة باللغة العربية، وبالصدفة أيضا تعرفت على أعمال غسان كنفاني الملتزم، وبشدة،  بالقضية الفلسطينية. وعلى الرغم من لغتي العربية غير الناضجة آنذاك، وقدراتي اللغوية المحدودة إلا أنني قرأت رواية «عائد إلى حيفا»، وتأثرت جدا من القوة، والدور الذي يمكن أن تلعبه رواية في مسألة مطروحة على الناس في العالم أجمع اسمها القضية الفلسطينية. وشعرت وكأن آمالي وتطلعاتي التي علقتها على الأدب العربي في صمت قد بدأت تؤتي ثمارها. وإذا بي أترجم تلك الرواية. وبعد أن انتهيت من الترجمة عرضتها على كاتب ياباني اسمه تاكيوتشي، فقدمها على الفور في إحدى المجلات الأدبية. ولكن هذه حالة خاصة جدا. أظن أن إجابتي يجب أن تكون عامة وشاملة بشكل أكثر. لقد حاولت في البداية أن أكون قارنا للأدب العربي المعاصر. ونظرا لعدم وجود من ينصحني بالروايات الجيدة فقد  قررت أن أبدأ بالبحث عن تلك الروايات الجيدة بنفسي. وكان لدي انطباع بأن روايات الأدب المعاصر تعامل بإهمال شديد وكأنها بلا قيمة، ولكن بينها أعمال رائعة. فكنت أبحث عن عمل أقدره أنا شخصيا ثم أنقله من خلال ترجمتي إلى القارئ الياباني.  واليابان لها تاریخ باهر في مجال الترجمة، وهو الأمر الذي يجعل أعمالي المترجمة من العربية إنجازا متواضعا جدا. فأنا لا أعتمد منهجا معينا للترجمة، وليست لدي تقنيات فذة، ولكن إذا كان هناك ما أستحق عليه التقدير فقد يكون أنني أول من بدأ بترجمة الروايات العربية المعاصرة. مرت 15 عاما منذ أن تركت عملي بالجامعة، وخلال تلك الفترة نأ  عدد كبير من الباحثين الممتازين الذين أعلق عليهم آمالا كبيرة.

– ما هي الرهانات التي كانت تحرك الأستاذ نوتاهارا في ترجمة نصوص من الأدب العربي إلى اللغة اليابانية؟

n بلاشك كنت أكرس جهدي أولا للعثور على عمل، وبعد أن أستمتع بذلك العمل، أنتقل إلى مرحلة ترجمته إلى من لديهم اهتمام بالأعمال الأدبية بدافع يشبه الاحساس بالواجب.

– انطلاقا من تجربتكم الغنية في التفاعل مع الثقافة العربية في مستوييها البدوي والمديني( نسبة إلى المدينة)، هل تعتقد أن ترجمة النصوص السردية العربية، سمحت بتغيير الصورة النمطية حول الشخصية العربية التي كرسها التصور الغربي؟

-هناك أساليب علمية كثيرة للتعرف على الثقافات الأجنبية، والكثيرون أشاروا إلى أهمية التعرف على الثقافات الأجنبية من خلال الأعمال الأدبية. وهذه هي الوسيلة التي اتبعتها. لأننا عندما تحاول التعرف على ثقافة أجنبية من خلال الأعمال الأدبية فإننا نقترب أكثر من عمق الإنسان، ونتعرف على خصائصه بشكل أكثر من أي وسيلة أخرى. وإذا تمكنا من التوصل إلى الحقيقة في ثقافة ما،  فإننا سنتخلص من الصورة المشوهة التي كونها الغرب عن تلك الثقافة. ولكي نتعرف على ثقافة أجنبية ما فإننا نعيش مع أهل هذه الثقافة، ونتابع الأحداث اليومية في حياتهم، وهذه الأحداث تمكننا من التعرف على الأعماق الحقيقية لهذه الثقافة، وهذه المشاهد تعادل في قيمتها عملا أدبيا رائعا لم يكتب.
– تقوم الترجمة على صراع بين اللغة الأصلية للعمل المترجم، و اللغة المنقول إليها. كيف خاض الأستاذ نوتاهارا هذا الصراع؟ و ما طبيعة الصعوبات التي واجهته؟

-بالنسبة لي الصراع في الترجمة يكون بين اللغة اليابانية واللغة العربية، ولكنني أظن أن قضية الصراع بين لغتين قضية مستمرة ولها أوجه عديدة مادامت هناك ترجمة. ما لا شك فيه فإن قدراتي اللغوية محدودة، ولكن أهم شيء هو الفهم، وإذا بذلنا قصارى جهدنا يمكننا التوصل إلى المعنى الصحيح. ولكن المهمة الأهم والأصعب تتمثل في اختيار اللغة اليابانية المناسبة في ترجمة ذلك العمل. ولقد شعرت بضعف لغتي اليابانية لأول مرة عندما بدأت أمارس الترجمة وشعرت بضرورة تحسين لغتي اليابانية أكثر من اللغة العربية.

– بعد هذه السنوات الطويلة من البحث والترجمة والإنصات إلى عمق الثقافة العربية، ماهي الحصيلة الثقافية التي تحققت  من ذلك؟ هل قوت الاهتمام الياباني بهذه الثقافة و خاصة في تجلياتها المعاصرة؟

-لقد كانت البداية من الصفر، ولذلك فإن مرحلتي المبدئية ساعدت في إلقاء الشوء على حياة، وعقلية وخصائص الشخصية العربية. فقدت عرفت القارئ الياباني بتلك الأمور من خلال ترجمتي. وكما ذكرت سالفا فقد اتخذت الترجمة وسيلة للتعرف على الثقافة الأجنبية، ولكن هناك باحثون أكفاء يدرسون العرب من خلال مجالات التاريخ، والأنثروبولوجيا، والعلاقات الدولية، كما تم تأسيس الجمعية اليابانية لدراسات الشرق الأوسط. وأظن أنني قد قمت بواجبي تجاه هؤلاء الباحثين في تعريفهم بالشخصية العربية من خلال الروايات الأدبية .

– بنظرة المُقارن الذي يتحرك على الأقل بين ثقافتين، ما هي الخصائص التي تميز الخيال السردي العربي المعاصر مقارنة مع نظيره الياباني؟ و ما حظوظه من العالمية؟

-في ما يتعلق بهذه النقطة، أظن أنه يجب علينا أن ننتظر بحوث الأدب المقارن التي تقوم على أساس دراية واسعة وموضوعية بالأدبين، ولكن من وجهة نظري المتواضعة يمكنني أن أقول بأن الكتاب العرب يعانون من ظروف اجتماعية قاسية للغاية. فالكتاب العرب يمارسون الكتابة في بيئة قاسية إلى أقصى حد، وتتمثل في أشكال مختلفة من القمع، والحروب. وأظن أن الدور الهام الذي يقوم به الأدب العربي هو أن ينقل تلك الأوضاع المتأزمة التي يعيش فيها هؤلاء الكتاب إلى كل العالم باعتبارها مشكلة لكل البشر. ومن هنا يكون موقف الكاتب العربي الذي يواجه واقع الكتاب العرب في غاية الأهمية. وفي هذه النقطة نجد اختلافا كبيرا مع الأوضاع المحيطة بالكتاب في اليابان، فالدعوة إلى أهمية تحقيق الفهم المتبادل من خلال الأدب ليست بالأمر الجديد، ولكنها أصبحت أكثر إلحاحا من ذي قبل.

– نلاحظ أن اهتمامك انصب بالدرجة الأولى على التجارب السردية العربية. لماذا لم ينصرف أيضا لترجمة الأعمال الشعرية العربية المعاصرة؟ وهل هناك اهتمام ياباني بالشعر العربي المعاصر بحثا و ترجمة؟

-الإجابة سهلة، أولا لست قارنا للشعر. ليس من حقي أو من رغباتي أن أترجم الشعر. على قدر فهمي فإن الشعر يتعامل مع ما يشبه جوهر وروح الكلمات، وهو عمل دقيق يفوق نطاق الواقعية الذي يتناوله النثر. وهناك يابانيون لديهم اهتمام بشعر أدونيس، وهناك ترجمة قليلة جدا حول منهجيته الشعرية، وليست ترجمة لشعره. واظن أن شعره يقرا باللغة الإنجليزية أو الفرنسية. وفي الوقت الحاضر لا يوجد في اليابان من يقرأ الشعر العربي ويترجمه إلى اليابانية، والسبب في عدم ترجمة الشعر العربي إلى اليابانية هو حالة النقص في المتخصصين اليابانيين.

– في نظركم، هل هناك ما يكفي من التفاعل الثقافي بين العرب و اليابان؟ و هل تلمس أن هناك مجهودا في سبيل ذلك من قبل الطرف العربي؟

-هذا سؤال صعب. لا يمكن لشخص مثلي أحيل على المعاش وعاش 15 عاما في أقصى غرب اليابان (أرخبيل غوتو) ويعيش حياة من زهدوا في الدنيا أن يجيب عن هذا السؤال.

-ترجمت لعدد من الكتاب العرب من غسان كنفاني حتى محمد شكري، ما هي العوامل التي تحكمت في اختياراتك لهذه الأعمال بالضبط؟ وهل للناشر دور في ذلك؟

-يبدو أنني أبحث عما يؤثر في نفسي سواء كانت رواية يابانية، أو رواية أجنبية، أو فيلما سينمائيا. وأظن أن كل الناس  يشتركون في هذه النقطة. وأظن الاختلاف بالنسبة لي يتمثل في طبيعة ما يؤثر في. أنا لدي اهتمام بالطبيعة البشرية، ولدي رغبة في التقرب من الجزء العميق في النفس الإنسانية، ولاسيما عندما يتعرض الإنسان لأزمة ما، لدي اهتمام بالتعرف على تصرفاته وحالته النفسية، في الأعمال الأدبية والأفلام.

– ترجمت « الخبز الحافي» لمحمد شكري، وحسب ما علمت أنك زرته في المغرب. ماهي أهم الانطباعات التي ترسخت في ذهنك عن هذا البلد( المغرب)، و عن محمد شكري؟و كيف تفاعلت مع عوالم هذا النص؟

-المغرب دولة في أقصى الغرب، واليابان دولة في أقصى الشرق. وكلما بعدت المسافة بين الدول زاد الغموض أكثر فأكثر. ولكن عندما ظهرت رواية محمد شكري أسرعت بالذهاب إلى المغرب. كانت طنجة تتميز بخصوصية، ولا تشبه أي مكان آخر في العالم. وكانت الرباط مدينة تتميز بشيء من الرقي. وكانت العاصمة القديمة فاس تتميز بثقافتها العميقة التي أخرجت الكثير من الأدباء. وبدت مراكش وكأنها مدينة للجن. وفي طنجة، ومن خلال أعماله تعرفت على محمد شكري، وقد كان إنسانا مدمرا لنفسه، أدرك بنفسه انه في حاجة إلى تعلم الحروف، فأصبح أديبا. سمعت بخبر وفاته في قطر من طرف المفكر المغربي حسن أوزال، ولكن لدي اهتمام بظروف وفاته، لأني أتذكر أنني في يوم من الأيام كنت أتحدث معه عن الموت في طنجة. وعندما سألته عن طريقة الوفاة التي يتمناها، رد قائلا بأنه لا يريد أن يسقط ميتا في الطريق العام. فقلت له فما رأيك في أن تموت في مثل هذه الحانة وتوافيك المنية وأنت تشرب الخمر؟ فارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه وقال «نعم، هكذا أفضل»

– خصصت فصلا كاملا للشاعر عبد اللطيف اللعبي في كتابكم « العرب، وجهة نظر يابانية» ما هو سر هذا الاهتمام؟ و هل قرأت لأدباء مغاربة آخرين؟ و ما تقييمكم لهذا الأدب بالمقارنة مع الأدب العربي بالشرق؟

-قابلت اللعبي في باريس، ولكن كونه كاتبا مغربيا أمر بالغ الأهمية. لقد شرفت بمقابلة كنفاني، وإدريس، والكوني، واللعبي، وتعلمت منهم أشياء قيمة، ولكن إذ طلب مني أن أختار كاتبا واحدا فسوف أختار اللعبي. ليست عندي ترجمة الأعماله ولكني كتبت بحثا نقديا عنه في إحدى المجلات الأدبية تحت عنوان «اللعبي كإنسان». وأتمنى أن يترجمها أحدهم في يوم ما إلى اللغة العربية. ذكرت في كتابي عبارة قالها الكاتب الياباني هيساشي اينونيه في إحدى المقابلات. قال «أظن لو أن في هذا العالم من يضحي بنفسه من أجل الآخرين مثلما كان يفعل المسيح فسيكون هذا شينا محفزا ومشجعا لنا جميعا  . «وأنا أرى أن اللعبي يتميز بهذه السمات وهو يعيش في الشرق الأوسط. أذكر أنه في حديثه معي قال لي اللعبي « يجب أن تكون كلماتك لك. فلا يجوز أن تسبقك كلماتك أو أن تتأخر عنك. يجب ألا يكون هناك فارق بينك وبين كلماتك». ومنذ تلك اللحظة وأنا أؤمن بان كل ما يكتبه نابع من نفسه. والساعات القليلة التي قضيتها معه هي ساعات مبهرة ومتوهجة في حياتي. لما لا يهتم العالم العربي بأمثال هذا الرجل ؟ لماذا لايتشربون كل كلماته ؟

– في كتابك « العرب، وجهة نظر يابانية» قدمت حصيلة تعرفك على الشخصية العربية، انطلاقا من معايشة دامت أزيد من أربعين سنة، هل غيرت الأحداث التي عرفتها بلدان المنطقة في 2011، و التي أطلق عليها الربيع العربي، من نظرتك؟

n إن تجربتي في العالم العربي غالية جدا على نفسي لأنني تعرفت على شخصيات عربية من جيلي. والآن رحل الكثير منهم عن عالمنا. وهو الأمر الذي جعل قلبي  يعتصر حزنا. وفي مثل هذه الظروف إذا سئلت عن الربيع العربي لا أتخيل إلا إجابات متشائمة. منذ 20 سنة مضت قال لي اللعبي « لا تقع ضحية لأحزانك، اجعلها وسيلة لفهم أحزان الآخرين. فکر في مأساة أطفال موريتانيا  « ! وكل ما تغير الآن أن العبارة أصبحت «فكر في أطفال اليمن «! هناك مثل لا أحبه يقول «ظلم القط ولا عدل الفار» ولكن من المؤسف أن مجريات الأمور في العراق وسوريا واليمن والسعودية وتونس ينطبق عليها هذا المثل.

-بعد حصولك على التقاعد، قررت تغيير مجرى حياتك جذريا، ابتعدت عن صخب المدينة، وأجواء الكتب والبحث، مفضلا تسلق الجبال والصيد والهدوء. أية حكمة تكمن خلف هذا التغيير؟ هل الطبيعة مسار آخر  للتعلم؟

-فكرت في حياتي بعد التقاعد ورأيت أن « المجتمع لم يعد في حاجة لي، كما أنني لم أعد في حاجة للمجتمع». وأظن أن ثقافة اعتزال المجتمع في اليابان قد تركت أثرها في. على سبيل المثال سایغيو، وريوكان. وأنا بطبعي لا أحب «العيش في قطيع»، والوحدة بالطبع مخيفة ولكن طبيعتي تميل إلى الحياة في وحدة أكثر من الحياة في قطيع مع الآخرين. فأنا أفضل الذناب التي تهجر قطيعها، والضب الذي يعيش في جحره في الصحراء، أفضلها على الخراف، والنحل الذي يعيش في جماعات وقطعان. وأظن انني صبرت على العمل في مجتمع الجامعة لمدة 32 عاما لأنه مصدر رزق. لأن من لا يجد مكانا في المجتمع لا يحصل على عمل. يعني كنت أنتظر التقاعد على أحر من الجمر. ولحسن الحظ فإن اليابان بها تنوع جغرافي فريد، حيث انها غنية ببحرها وجبالها وأنهارها، ولذلك قضيت سنوات أبحث فيها عن أرض لبناء سكني الأخير، وعثرت عليها وبنيت فيها منزلي الحالي.
– السيد نوبوأكي نوتاهارا شكرا جزيلا على تفاعلكم الإيجابي للتحاور معنا، و شكرا على مجهودكم الرائع في الترجمة و النقد.

-أشكرك على خطابك الكريم الذي تفوح منه رائحة الصحراء. كنت أتمنى أن أقابلك في المغرب التي أفتقدها.

 

 

 


الكاتب : أجرى الحوار وقدمه: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 19/04/2019