سعيد باعزيز: المحنة أكدت الحاجة للاشتراكية الديموقراطية

نوه سعيد باعزيز، عضو الفريق الاشتراكي، بالتدابير والإجراءات الاحترازية المتسمة بالدقة والسرعة في التعاطي مع هذه الجائحة على مستوى بلادنا، بتعليمات وتوجيهات ملكية سامية، والتي كانت حاسمة في تجنب السقوط في ما لا يحمد عقباه، ولعل هذه المجهودات والتدابير، التي أشاد بها الجميع، بما في ذلك تقارير المنظمات الدولية والإقليمية المتعلقة بإفريقيا والشرق الأوسط التي أشادت بالنموذج المغربي، هي تدابير جسدت حقيقة الدور الاجتماعي للدولة، الذي يعتبر أساس ومبرر وجودها وسند قوتها، ومن بين هذه التوجهات الاجتماعية، تلك التي تمت ترجمتها بمناسبة إحداث الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا ـ كوفيد 19، ورسم أوجه صرف اعتماداته في النفقات الطبية والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، والتشغيل ومساعدة القطاعات الاقتصادية المتضررة، وهو ما يجعلنا حقيقة أمام الحاجة إلى دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن، دولة قوية عادلة ذات مصداقية، وتحرص على تحمل مسؤولياتها والوفاء بكل التزاماتها، ومؤسسات ملتزمة بممارسة اختصاصاتها ومهامها مهما كانت الظروف، وفي مقدمة الوفاء بالالتزامات، التسريع بأداء المستحقات الملتزم بها والعالقة بذمة الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية تجاه المقاولات الصغرى والمتوسطة، والالتزام بتكريس الحكامة، التي تبدأ من التخفيض من نفقات التسيير والرفع من نفقات الاستثمار.
وكشف باعزيز أن الأزمة قد حددت لنا الأولويات الثلاث الأساسية، ولم تترك لنا مجالا للاجتهاد، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بمبادئ الاشتراكية الديمقراطية، حيث الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية هو الأصل منذ القدم، ولايزال مطروحا بحدة، إلى حين تحقيق هذا المطلب المحوري في تصورنا المجتمعي.
إن أولى الأولويات، هو الحق في الحياة، الذي يرتبط بشكل مباشر مع الحق في الصحة، فصحة المواطن هي الأولوية الأساسية، وقد آن الآوان لطي صفحة الماضي وتصحيح الاختلالات المرتبطة بالخريطة الصحية وقلة الموارد البشرية وضعف الإمكانيات وغياب التغطية الاجتماعية الشاملة، وغياب العدالة المجالية في القطاع الصحي، لكوننا اليوم أمام تنوع خطير، حيث توزيع ثروات هذه البلاد بمفارقات غريبة، هناك محور محظوظ، وآخر غير نافع، وثالث مهمل إطلاقا ولا وجود له في خريطة المنظومة الصحية، فالقطاع الصحي لا يجب أن يكون أولوية ظرفية وفقط، بل يجب العمل عليه باستمرار، لكونه أساس الحق في الحياة.
والأولوية الثانية تتعلق بالمنظومة التربوية، حيث أبانت عن التأقلم مع الجائحة، وإن كانت عملية التعليم عن بعد لا يعرفها العديد في المناطق النائية والجبلية وأخرى لم تنجح بها، ولها ارتباط مباشر بمسؤولية الحكومة في تنفيذ البرامج التنموية المتعلقة بغياب البنيات التحتية من كهرباء وأنترنيت وغيرها من البرامج التي جعلتها خارج الاهتمام الحكومي.
إن التعليم دعامة أساسية للمساهمة في تقدم البلاد ودمقرطة مؤسساتها وبناء مجتمع حداثي تسوده العدالة الاجتماعية انطلاقا من تخريج أفواج من الكفاءات والخبرات الوطنية التي بإمكانها مواكبة الوضع المجتمعي وإعطاء إجابات حقيقية للحاجيات التي يعرفها. إنها أولوية التعليم، أساس بناء المواطن.
وفي الأولوية الثالثة، ضرورة وضع الحجر الأساس لاقتصاد وطني جديد، وتقوية صموده واستعادة ديناميته، بإبداع مغربي ومهارة مغربية وتحفيز مغربي، وبأفضلية وطنية مغربية، يروم خلق مناصب الشغل والحفاظ على استمراريتها، ويؤمن على الأقل الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي.
وإذ ننوه في الفريق الاشتراكي بالرفع من رسم الاستيراد على بعض المنتجات المكتملة الصنع الموجهة للاستهلاك من 30% إلى 40% لتعزيز حماية الإنتاج الوطني، واللجوء نحو تعويض الواردات بالمنتوج المحلي، لكن لابد من التأكيد أننا في حاجة إلى منتوج وطني محض بتكلفة في المتناول وبجودة عالية، حتى لا يؤثر هذا الرفع على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، فإذا لم تواكبها إجراءات أخرى موازية لها لحماية القدرة الشرائية، فإننا نخشى من أن تتحول إلى نقمة اجتماعية، ونصبح أمام أزمة اجتماعية جديدة تهدد الأمن المجتمعي.
إننا اليوم في حاجة إلى سن سياسة جبائية منصفة ومتوازنة، باعتبارها ضرورة حيوية لمواجهة الأزمات المحتملة، وتنظيم القطاع غير المهيكل، الذي أظهرت طلبات الاستفادة من دعم «تضامن» حضوره القوي، وهي مسؤولية الحكومة، وهو ما كان سببا في التمييز في الدعم الممنوح لهذه الفئة، إذ حرم أجراء القطاع غير المهيكل من تعويضات متساوية بنظرائهم في القطاع المهيكل، لا لشيء إلا لكون المشغل لم يصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وتأسف عضو الفريق الاشتراكي كون المشروع المعدل للقانون المالية 2020 لم يحمل في طياته أي تخفيف من الضغط الضريبي على مستوى الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، رغم ارتباطهما المباشر بالقدرة الشرائية للمواطن، بل الأكثر من ذلك أن الحكومة اتجهت نحو تكريس الأزمة بواسطة منشور لرئيس الحكومة، الذي عمل على تأجيل الترقيات وإلغاء مباريات التوظيف، والحال أن هذه الأزمات لا ينبغي أن تحل على عاتق الموظفين البسطاء.
وفي الختام، لابد من التفكير في شراء ديون بعض المقاولات أو حتى الدخول في رأسمالها لتخفيف عبء المديونية عن ميزانيتها والسماح لها بالاستمرار في الاستثمار والتشغيل، ولما لا التأميم ولو مرحليا لحمايتها من الإفلاس، مع التأكيد أن المرحلة لا يجب أن تكون مدخلا للقيام بإجراءات تعاكس النفس الإصلاحي للمالية العمومية، حيث القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 جعل من آخر سنة 2020 موعدا لإنهاء تنزيل مضامينه.


بتاريخ : 15/07/2020