الانتحار بغباء

عبد السلام ألمساوي 

تجاوزنا حاجز الستة آلاف بل اقتربنا من السبعة آلاف مصاب بجائحة كورونا ، وكان ممكنا ألا يقع ذلك لو التزم بعضنا بالتعليمات الصحية المفروضة على المغاربة ، ويبدو أننا سنتجاوز هذا الرقم بسهولة لأن البعض منا اعتبر انه لا يليق به أن ينصت للكلام ، واعتبر أن الصبر القليل على بعض التضييق هو أمر مستحيل ، واعتبر أن الانتحار بغباء أمر يليق به ويليق أن يفرضه خطرا على المجتمع ككل .
تفصلنا اليوم عن موعد العشرين من ماي ، الموعد المحدد لرفع الحجر الصحي عنا ، أيام قليلة ( خمسة أيام ) سنقول مجددا إنها ستكون حاسمة ، لأن الأساسي ليس هو اتخاذ قرار رفع الحجر من عدمه ، بل الأهم هو كيف سنخرج من هذا الحجر ؟ وكيف سنحافظ بعد رفعه على محدودية انتشار العدوى في ظل عدم التزام عدد منا بالتعليمات الصحية حتى أثناء فترة  الحجر ؟
في الأيام الأخيرة لمسنا نبرة تأفف من المسؤولين الذين استسلموا أمام بعض العادات السيئة ، وبعض التصرفات الأسوأ التي فرضها على المجتمع بعض المتمردين على حالة الوعي الجماعي التي سجلها المغرب كله ، هذا التأفف ليس علامة خير وليس بشارة اطمئنان .
معناه أن هناك نوعا من التسليم بعدم قدراتنا على ضبط هؤلاء المتمردين واقتناعا نهائيا بأن ما سيقع سيقع والسلام ، ولا بد من تغييره .
هذا الشعور خطير للغاية لأننا إذا عجزنا عن فرض قواعد تصرف صحي بسيطة في مجتمعنا ، بسبب جائحة صحية تهدد الجميع ، كيف سنفرض في يوم آخر أو في مناسبة أخرى قاعد تصرف مواطن إذا ما فرضت الضرورة ذلك ؟
التسليم في جزء من مجتمعنا ، والاقتناع بأننا لن نغير مهما فعلنا ، لأنه جبل على تصرفات معينة وأنه لن يتغير هو تسليم متشائم في مستقبلنا ، وإعلان هزيمة أمام لاوعي يريد أن يكرس نفسه البديل الوحيد في البلد ، ويريد الحفاظ على كل علامات تخلفه وجهله ولامواطنته ، وعدم رغبته في تغيير أي شيء سيء فينا .
هذا التسليم لا يليق بالمغرب ، وقد رأينا أن الأغلبية الغالبة من المواطنين المغاربة كانت في مستوى اللحظة ، هذه الأغلبية الغالبة لا يجب أن تترك للأقلية غير الواعية ، الفرصة لكي تحتل واجهة الصورة عن غير وجه حق بعد كل هاته التضحيات التي قام بها المغاربة أجمعهم.
لا يليق بنا أن نترك الغلبة بعد كل هذا الصراع لصوت اللاوعي لكي يخرج لسانه في وجهنا جميعا …
نحن في حاجة إلى الانتباه إلى مخاطر ترك الحبل على الغارب ،  وعلى الجميع أن يعي خطورة الوضع ويفهم صعوبة المرحلة وما تتطلبه من انضباط صارم يقي البلد من السقوط في ما لا تحمد عقباه…
نحن في حاجة إلى الاقتناع الجماعي بالحاجة إلى إعادة بناء الثقة  بين الدولة والمجتمع ، باعتبارها اضمن وأقوى تأثيرا على النفوس من أية قوة عارية قد تتصور أو يتصور أصحابها أنهم قادرون على الحسم في كل الظروف…
إن التحرك الاستباقي للمغرب في تعامله مع الوباء كان صائبا ، بل هو نموذج يثني عليه العديدون في أقطار المعمور ، غير أن كل هذا ليس مبررا لسبق الأمور . فالنصر لن يكون سوى بالتحكم التام والشامل والنهائي في الفيروس والقضاء عليه .
المشكل لم ينته بعد ، والوباء لا يزال يتربص بالبلد والناس . يجب أن نطبق الحظر في أقصى درجاته …
سيكون أسبوعا حاسما في مواجهتنا لوباء كورونا ، وستكون أياما محددة لتوجه هذا الفيروس في بلادنا ؛ إما انحسار كامل إن شاء الله لأننا اقتنعنا بضرورة احترام كل التعليمات الصادرة إلينا ، وإما لا قدر الله انتشار يتسبب لنا في مدة حجر صحي أطول إذا ما واصل بعضنا الاستهتار بما لا استهتار به .
اليوم ، ومع هذا الأسبوع الأخير الذي يفصلنا عن العشرين ماي، جلنا متأكد أن الأيام الحاسمة ، الصعبة ، الأكثر حساسية هي التي نحياها الآن….
هناك حقيقة يجب أن يعيها الجميع ، وهي أن الفيروس ، في بلادنا لم يعد مستوردا . الوباء محلي. وارتفاع نسبة الإصابات المحلية يؤكد ذلك . إذن فالأمر لم يعد يعني فقط إغلاق الحدود ووقف الرحلات الخارجية ، الأمر اليوم يتعلق بإغلاق الحدود المنزلية ومنع الفيروس من التنقل وهذا الأمر سوف يبطىء من عدد الإصابات ويعطي للطواقم الطبية مسافة للتحكم في المرض والتكفل بالحالات المصابة بشكل جيد .
هل نؤدي الآن ثمن أخطاء عدم التقيد بالحظر ؟ هذا أكيد ، لكن الوقت لم يفت والعدد المسجل من الإصابات اليوم لن يكون مخيفا إذا ما استقر عدد المصابين آو تضاءل .
لم يعد هناك من حل سوى فرض الحظر بالصرامة المطلوبة لأن بلادنا لا يمكن أن تتحمل وضعا آخر أكبر مما وصلنا إليه اليوم في مواجهة كورونا . الوضع لا يقبل أية مغامرة . قد يكون الوقت لم يفت بعد ، لكن المشكلة في الزمن أنه لا ينتظر أحدا فهو يسير بسرعته المعهودة ولا ينتظر المتخلفين .
حقيقة لا نفهم من يحاولون تمثيل دور من لا يروا الخطر المحدق بنا جميعا ، ويواصلون الاستهزاء وتحدي الحظر والخروج إلى الشارع دون سبب ، والذهاب إلى الحمام ، والتجمهر في الجنازات ، والاحتفال الأحمق بامرة شفيت من الوباء ….!!!
نحن في حاجة إلى الوعي بخطورة هؤلاء ومخاطر ما يدفعون إليه …
هؤلاء لن يضروا أنفسهم فقط ، هؤلاء يهددون أبناءهم وإخوانهم وأخواتهم ووالديهم . هؤلاء يهددون المجتمع ككل، فلنحذر من خطرهم ، أكثر من أي وقت مضى .
نداؤنا إليهم ، بل استعطافنا لهم ، أن انتحروا إذا أردتم ذلك ولم ترغبوا في سماع كل ما يقال لكم ، انتحروا لوحدكم ، ضحوا بأنفسكم إذا راق لكم ذلك لكن بعيدا عن الأبرياء الآخرين الذين لا يريدون الإلقاء بأنفسهم إلى التهلكة .
هذا النداء وهذا الاستعطاف صادر عن أغلبية شعبنا التي فهمت واستوعبت أهمية ما تقوم به الدولة حماية للناس وصحتهم وأرواحهم . وهاته الأغلبية ترفض أن تجرها حماقات أقلية قليلة لا تريد الصبر أياما معدودات وتفضل أن تجرنا جميعا معها إلى الخراب .
لا بد من الإقرار بأن هناك أشياء مقلقة في مواجهة الوباء اللعين على المستوى العلمي ، وعلى مستوى التكفل بالمصابين ، وفي اكتشاف الحالات ، وفي عدد التحليلات ، التي يمكن إجراؤها يوميا ، وما إلى ذلك من طاقة استيعابية ومن مستلزمات وإمكانيات مادية ولوجستيكية وبشرية . إنها جملة من المشاكل المرتبطة بالمنظومة الصحية ببلادنا والتي يعرفها الجميع .
يبقى الخلاص الوحيد والأوحد هو التقيد بشروط الوقاية والنظافة في البيوت …
لم يعد الوقت يقبل الأخطاء والهفوات . يمكن أن نتغلب على كورونا ، هذا أكيد ، لكن الأمر يتطلب حذرا كبيرا جدا واحتياطات في مستوى وحجم المشكلة ، واليوم أكثر من أي وقت مضى .
لقد اختارت الدولة المغربية الإنسان على أي شيء آخر . والسلطة بينت على علو كعبها وجندت كل أطقمها تلبية لنداء الوطن . وجنود المواجهة من أطقم طبية وصحية وأمن ودرك وقوات مساعدة وجيش ، كل هؤلاء دخلوا المعركة بإقدام وشجاعة ومسؤولية وطنية عالية . ما تبقى هو في يد المواطنين الذين عليهم أن يمتثلوا بتعليمات الخطة المتبعة ويلزموا بيوتهم ويساهموا في هزم العدو بعزله ومنعه من الانتشار .

الكاتب : عبد السلام ألمساوي  - بتاريخ : 16/05/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *