التصعيد مع إسرائيل‮ ‬يختبر قدرة حماس على منع انفجار الوضع في‮ ‬غزة

حالة‮ ‬غضب‮ ‬

‮ ‬عن‮ ‬غضبهم من قرار إسرائيل إغلاق معبر كرم أبو سالم أمس السبت‮ ‬13‮ ‬يناير كانون الثاني‮) ‬وهو الذي‮ ‬يمثل نقطة العبور الرئيسية للبضائع القادمة إلى‮ ‬غزة‮.‬
وقال ماهر الطباع مدير العلاقات العامة في‮ ‬غرفة التجارة والصناعة الفلسطينية‮ «‬إغلاق معبر كرم أبو سالم حتى إشعار آخر‮ ‬يأتي‮ ‬في‮ ‬ظل ظروف اقتصادية كارثية‮ ‬يعاني‮ ‬منها قطاع‮ ‬غزة‮. ‬هذا الإغلاق سوف‮ ‬يؤثر بالسلب على إمدادات المحروقات إلى قطاع‮ ‬غزة بالإضافة إلى إرباك في‮ ‬حركة الواردات من السلع والبضائع إلى قطاع‮ ‬غزة‮».‬
وقال تاجر في‮ ‬غزة‮ ‬يدعى عبد القادر أبو شعبان‮ (‬63‮ ‬عاما‮) «‬هذا المعبر لازم‮.. ‬ليش‮ ‬يسكروه‮. ‬مكفي‮. ‬علينا الحصار وعلينا الضياق وعلينا‮.. ‬مكفي‮ ‬معبر رفح ومكفي‮ ‬المعابر كليتها‮.. ‬بيعمل علينا حصار كتير كتير‮. ‬هذا ظلم وحرام لشعب‮ ‬غزة‮. ‬ليش‮ ‬يعملوا هيك‮… ‬هذا نموت إحنا‮. ‬يعني‮ ‬متآمرين علينا كل العالم كل الدول‮… ‬لازم‮ ‬يقف كل العالم معنا‮».‬
وقال أحد سكان‮ ‬غزة ويدعى نمر ترك‮ (‬75‮ ‬عاما‮) «… ‬هي‮ ‬مسكرة من كل النواحي‮ ‬مش بس كرم أبو سالم‮. ‬يعني‮ ‬مسكرة برا وبحرا وجوا‮. ‬يعني‮ ‬سجن داخلي‮. ‬ما في‮ ‬طلوع ولا نزول‮. ‬والتجارة بس على قد البلد هنا‮. ‬مفيش تجارة‮. ‬يعني‮ ‬الناس بتبيع بعضها البعض بس‮».‬
وأعلن الجيش الإسرائيلي‮ ‬اليوم الأحد‮ ‬14‮ ‬يناير‮ ‬أنه دمر نفقا‮ ‬يستخدم في‮ ‬هجمات عبر حدود‮ ‬غزة مع إسرائيل ومصر حفرته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية‮ (‬حماس‮) ‬التي‮ ‬تدير القطاع‮.‬
وذكر سكان في‮ ‬غزة أن طائرات إسرائيلية قصفت منطقة شرقي‮ ‬بلدة رفح في‮ ‬جنوب‮ ‬غزة على الحدود مع مصر وإسرائيل في‮ ‬وقت متأخر من ليل السبت‮ (‬13‮ ‬يناير‮ ). ‬وأكدت إسرائيل الهجوم فور وقوعه،‮ ‬لكن لم تذكر تفاصيل سوى اليوم الأحد‮ (‬14‮ ‬يناير‮ .‬
ولم‮ ‬يرد تعليق فوري‮ ‬من حماس أو مصر‮. ‬ولم ترد كذلك تقارير عن سقوط قتلى أو جرحى‮.‬
وزاد التوتر في‮ ‬المنطقة منذ عدل الرئيس الأمريكي‮ ‬دونالد ترامب عن السياسة الأمريكية المتبعة منذ عقود باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل في‮ ‬السادس من ديسمبر كانون الأول‮. ‬وأطلق الفلسطينيون في‮ ‬غزة‮ ‬18‮ ‬صاروخا أو قذيفة مورتر عبر الحدود وق تل‮ ‬15‮ ‬محتجا ومسلحان بنيران إسرائيلية‮.‬

توجس متبادل‮ …‬

‮ ‬تزن حركة المقاومة الإسلامية‮ (‬حماس‮) ‬أخطر تصعيد مع إسرائيل في‮ ‬قطاع‮ ‬غزة منذ عام‮ ‬2014‮ ‬بميزان حساس إذ أنها تريد أن تظهر مقاومة لإسرائيل وللولايات المتحدة لكنها تخشى أن‮ ‬يتطور الأمر لحرب جديدة تجر ويلات على الفلسطينيين الذين‮ ‬يعيشون في‮ ‬القطاع المحاصر‮.‬
وأطلق فلسطينيون‮ ‬18‮ ‬صاروخا وقذيفة مورتر من القطاع صوب إسرائيل منذ أن خالف الرئيس الأمريكي‮ ‬دونالد ترامب سياسة انتهجتها بلاده منذ عقود بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في‮ ‬السادس من ديسمبر كانون الأول‮. ‬ويشكل عدد تلك الصواريخ ثلث كل الهجمات المماثلة خلال ثلاثة أعوام ونصف من الهدوء النسبي‮.‬
أما إسرائيل فقد آثرت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توخي‮ ‬الحذر ولم تستهدف في‮ ‬الأغلب إلا منشآت خاوية لحماس في‮ ‬غارات جوية ليلية رغم مطالبات من سكان في‮ ‬الجنوب برد عسكري‮ ‬صارم‮.‬
وتعكس تلك الخطوات الحذرة من جانب العدوين اللدودين أنهما‮ ‬يتشاركان في‮ ‬التردد بشأن خوض حرب مجددا‮.‬
فلا تزال أحياء في‮ ‬غزة تحمل آثار الدمار الذي‮ ‬تسببت فيه الهجمات الإسرائيلية خلال حرب دامت سبعة أسابيع في‮ ‬2014‮ ‬وفي‮ ‬إسرائيل ليس هناك مجال‮ ‬يذكر لتحمل انطلاق صفارات الإنذار من الصواريخ بشكل‮ ‬يومي‮.‬
لكن الإسرائيليين والفلسطينيين العاديين‮ ‬يدركون تماما أن من شأن واقعة واحدة،‮ ‬يتسبب فيها صاروخ من القطاع في‮ ‬سقوط عدة ضحايا في‮ ‬إسرائيل أو مقتل أحد قياديي‮ ‬النشطاء الفلسطينيين على‮ ‬يد القوات الإسرائيلية،‮ ‬أن تفجر الموقف بشكل‮ ‬يخرج عن سيطرة القادة‮.‬
وق تل مسلحان من حماس في‮ ‬الغارات الانتقامية الإسرائيلية إضافة إلى مقتل‮ ‬15‮ ‬محتجا فلسطينيا برصاص إسرائيلي‮.‬
ويقول أكرم عطا الله المحلل السياسي‮ ‬في‮ ‬غزة‮ «‬في‮ ‬الأسابيع الأخيرة كان هناك إطلاق للصواريخ وقصف إسرائيلي‮ ‬وهذا‮ ‬يعطي‮ ‬انطباعا بأن الانفجار وشيك‮».‬
وأضاف‮ «‬إلى متى ستتحمل حماس الضربات الإسرائيلية لمواقعها؟ وإلى متى سيتحمل نتنياهو الضغوط والنقد الداخلي؟‮… ‬لا‮ ‬يوجد ضمانات‮».‬
وعلى الرغم من أن ضربات الصواريخ من القطاع لم تتسبب في‮ ‬قتلى أو إصابات خطيرة في‮ ‬إسرائيل إلا أن المزارعين في‮ ‬التجمعات السكانية القريبة من الحدود مع قطاع‮ ‬غزة‮ ‬يترددون في‮ ‬الخروج لرعاية حقولهم خشية أن‮ ‬يتعرضوا لخطرها في‮ ‬حين‮ ‬يتدرب الأطفال على إجراءات الاحتماء التي‮ ‬ينفذونها إذا دوت صفارات الإنذار‮.‬
وقالت هيلا فينلون وهي‮ ‬من سكان مزرعة نتيف هعسارا الجماعية في‮ ‬جنوب إسرائيل المتاخمة للحدود مع القطاع‮ «‬نشعر في‮ ‬الآونة الأخيرة بوجود أكبر للجيش‮. ‬أ بل‮ ‬غنا بأن نكون أكثر حذرا ولإخلاء الملاجئ احتياطيا‮. ‬لا تعرف أبدا متى سيأتي‮ ‬الصاروخ التالي‮».‬
وردت حماس على خطوة ترامب بحشد احتجاجات على الحدود وغض الطرف عن إطلاق فصائل أخرى صواريخ صوب إسرائيل في‮ ‬أسبوعين من الهجمات اليومية التي‮ ‬تراجعت مؤخرا‮.‬
وقال عطا الله‮ «‬بالنسبة لحماس هذا‮ ‬يحفظ ماء الوجه‮.. ‬فهي‮ ‬تظهر بأنها وراء هذه الاحتجاجات بدون الحاجة للذهاب إلى حرب‮».‬
واتفقت الفصائل الفلسطينية في‮ ‬نقاش بينها على عدم تبنى رد أعنف إذ أن من شأن المواجهة المسلحة أن تقلص التأييد الدولي‮ ‬الذي‮ ‬حصل عليه الفلسطينيون دبلوماسيا وتحول الانتباه عن العملية السياسية‮.‬
لكن سامي‮ ‬أبو زهري‮ ‬القيادي‮ ‬في‮ ‬حماس حذر من التقليل من احتمال نشوب حرب تحت ما وصفه بالاحتلال الإسرائيلي‮.‬
وسحبت إسرائيل قواتها ومستوطنيها من قطاع‮ ‬غزة في‮ ‬2005‮ ‬لكنها أبقت على ممرات عبور السلع كما تمد القطاع بأغلب الطاقة الكهربائية التي‮ ‬يستهلكها‮. ‬وتفرض إسرائيل ومصر قيودا مشددة على تنقل الفلسطينيين عبر الحدود لأسباب أمنية‮.‬
وقال أبو زهري‮ ‬لرويترز‮ «‬الوضع في‮ ‬غزة صعب جدا وغير محتمل ومهيأ للانفجار‮». ‬

‬دعم إيراني

ترى إسرائيل في‮ ‬إيران محفزا خارجيا للعنف‮. ‬وتقول حماس وحركة الجهاد الإسلامي‮ ‬إن إيران تعهدت بالمساعدة فيما تخبو جذوة الحرب في‮ ‬سوريا حيث نشرت طهران تعزيزات عسكرية لصالح الرئيس بشار الأسد‮.‬
وألقت إسرائيل باللوم في‮ ‬هجمات الصواريخ والمورتر على حركة الجهاد وفصائل فلسطينية أخرى بدلا من حماس بل وذهبت إلى حد أنها نسبت،‮ ‬على مضض،‮ ‬الفضل لحماس لإدراكها لاحتياجات المدنيين الفلسطينيين‮.‬
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي‮ ‬جادي‮ ‬أيزنكوت في‮ ‬خطاب الأسبوع الماضي‮ «‬الدعوات للرد على حماس بكامل القوة دعوات‮ ‬غير مسؤولة‮». ‬وأشار إلى أن‮ «‬خطر الانهيار الإنساني‮» ‬الذي‮ ‬يتعرض له القطاع هو الذي‮ ‬دفع حماس للتواصل مع الرئيس الفلسطيني‮ ‬محمود عباس وتأمين إعادة إمداد القطاع بالكهرباء‮.‬
فمع تحييدها لخطر الصواريخ التي‮ ‬تطلق من قطاع‮ ‬غزة اعتمادا على نظام القبة الحديدية الدفاعي‮ ‬وعملها المتواصل في‮ ‬بناء جدار تحت الأرض لمنع النشطاء من حفر أنفاق عبر الحدود‮ ‬يقول مسؤولو دفاع إسرائيليون إن ما‮ ‬يقلقون منه أكثر هو إيران والجبهة الشمالية القابلة للاشتعال مع سوريا ولبنان‮.‬
لكنهم‮ ‬يخشون أيضا من أن الجدار العازل المزود بمجسات والذي‮ ‬سيتكلف‮ ‬1‭.‬1‮ ‬مليار دولار على كامل الحدود بطول‮ ‬60‮ ‬كيلومترا قد‮ ‬يغري‮ ‬نشطاء قطاع‮ ‬غزة باستخدام أنفاقهم لاستهداف إسرائيل قبل أن‮ ‬يخسروها‮.‬
وقد طرحت عدة مبادرات اقتصادية لتخفيف وطأة الأوضاع في‮ ‬قطاع‮ ‬غزة وتراوحت بين بناء جزيرة قبالة ساحل القطاع على البحر المتوسط للتعامل مع الواردات مباشرة عبر البحر وإصدار المزيد من تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين أو دخول الصادرات الزراعية لإسرائيل‮.‬
وقال عاموس‮ ‬يدلين،‮ ‬وهو رئيس سابق للاستخبارات العسكرية وهو حاليا مدير معهد دراسات الأمن القومي‮ ‬في‮ ‬جامعة تل أبيب الذي‮ ‬أعد مذكرة مؤلفة من‮ ‬180‮ ‬صفحة عن أزمة‮ ‬غزة،‮ «‬هناك جهود لمساعدة السكان‮ (‬الفلسطينيين‮) ‬بطريقة لا تذهب إلى الجناح المسلح من حماس‮».‬
وتسببت مخاوف إسرائيل بشأن المشكلات الداخلية في‮ ‬قطاع‮ ‬غزة في‮ ‬إثارة خلاف مع إدارة ترامب التي‮ ‬هددت بقطع المساهمة الأمريكية في‮ ‬ميزانية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين‮ (‬أونروا‮) ‬التي‮ ‬تقدم مساعدات ضرورية للاجئين في‮ ‬القطاع وتدعم وتدير مئات المدارس وعشرات المنشآت الصحية‮.‬
وتقول إسرائيل إن ذلك التمويل‮ ‬يجب أن‮ ‬يقطع ولكن تدريجيا وإن أونروا‮ ‬يجب تفكيكها في‮ ‬نهاية المطاف وتسليم مسؤولياتها إلى وكالة اللاجئين العالمية التابعة للأمم المتحدة‮.‬
وقالصالح النعامي‮ ‬وهو محلل سياسي‮ ‬فلسطيني‮ ‬إن قطع التمويل لأونروا سوف‮ ‬يشكل‮ «‬ضغوطا شديدة على الناس في‮ ‬غزة‮».‬
واتفق مع ذلك بيتر ليرنر وهو متحدث سابق باسم الجيش الإسرائيلي‮ ‬وقال‮ «‬على الرغم من أن أونروا بعيدة كل البعد عن الكمال فقد توصلت مؤسسة الدفاع الإسرائيلية والحكومة الإسرائيلية ككل عبر السنوات إلى أن كل البدائل ستكون أسوأ بالنسبة لإسرائيل‮». ‬


الكاتب : ‬نضال المغربي‮ ‬ولي‮ ‬مارزيل

  

بتاريخ : 18/01/2018