القيادة الجديدة للاتحاد الأوروبي تتولى مهامها وتتعهد بتعزيز الوحدة والتصدي للتغير المناخي

تولت القيادة الجديدة للاتحاد الأوروبي مهامها الأحد متأخرة شهرا كاملا عن الموعد المقرر سابقا، ومتعهدة بتعزيز وحدة أوروبا واستعدادها لمواجهة التحديات الكبرى، بخاصة التغير المناخي.
وأقيم احتفال مقتضب بتولي الألمانية أورسولا فون دير لايين رسميا مهامها على رأس المفوضية الأوروبية شارك فيه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الذي تولى بدوره الأحد مهامه رسميا.
ويأتي تولي القيادة الجديدة للاتحاد الأوروبي مهامها في توقيت حرج للتكتل الذي يواجه صعوبات كبرى، لا سيما في ملفي بريكست والتوتر المتصاعد مع الصين والولايات المتحدة.
وقالت فون دير لايين في حضور رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، إن على مسؤولي الاتحاد الاضطلاع بمسؤولياتهم الكبرى بصفتهم مؤتمنين على معاهدات التكتل.
وتابعت الرئيسة الجديدة للمفوضية الأوروبية «إنها مسؤولية تجاه الشعب الأوروبي وتجاه الآباء والأمهات المؤسسين، وتجاه أطفالنا».
وأضافت فون دير لايين، وهي أول امرأة تتولى المنصب، أن «من واجبنا أن نسلم الاتحاد أقوى مما تسلمناه… قارة تعيش بسلام تصون الحقوق والحريات (و) سوق موحدة تقدم فرصا اقتصادية غير مسبوقة».
من جهتها أكدت لاغارد التي تولت الشهر الماضي رئاسة البنك المركزي الأوروبي أن الاتحاد لم ينته من قضية أزمة الديون إلا مؤخرا وعليه أن يتطلع إلى المستقبل.
وقالت «تنتظرنا تحديات هائلة، لكني آمل أن نمر من عهد الإصلاحات هذا إلى عهد التجديد والأمل».
وشكلت فون دي لايين التي خلفت المخضرم جان كلود يونكر فريق عمل مؤلفا من 27 مفوضا تولوا الأحد مهامهم، وتطمح إلى جعل أوروبا قوة عالمية رائدة في مجال مراعاة البيئة.
وقال ساسولي إن البرلمان الأوروبي سيعقد جلسة طارئة في 11 كانون الأول/ديسمبر عشية قمة قادة دول الاتحاد، لتسلم المقترحات الأولية للمفوضية في ملف التغير المناخي بعنوان «الاتفاق الأخضر الجديد».
وستتوجه فون دير لايين الإثنين في أول زيارة لها بصفتها رئيسة للمفوضية الأوروبية إلى مدريد للمشاركة في اجتماع مؤتمر التغير المناخي «كوب25» الذي وصفته بأنه «نقطة انطلاق» لمشاريعها الجديدة.
وفي أول زيارة لها إلى خارج الاتحاد الأوروبي ستزور رئيسة المفوضية الأوروبية الجمعة إثيوبيا للقاء رئيس الوزراء أبيي أحمد الذي حاز هذا العام جائزة نوبل للسلام، كما رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي.
وقدأقيم حفل الأحد في متحف «دار التاريخ الأوروبي» في الذكرى العاشرة لمعاهدة لشبونة التي غيرت هندسة المؤسسات الأوروبية خصوصا عبر استحداث منصب رئيس المجلس الأوروبي.
وقال رئيس المجلس الأوروبي الذي يتولى تنسيق قمم قادة الاتحاد حيث تتخذ القرارات الكبرى إن «الأوروبيين يريدون (رؤية) الكثير من الإنجازات وهم محقون».
وكان من المقرر أن تتولى فون دير لايين مهامها في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، لكن هذا الموعد أرجئ بعد رفض ثلاثة من مرشحيها خلال عملية تثبيتهم في مناصبهم في ضربة غير مسبوقة لرئاسة المفوضية.
وعلى الرغم من مصادقة النواب الأوروبيين الأربعاء على تعيينها بغالبية كبيرة، تحوم شكوك حول حجم الدعم الذي تحظى بهم لتنفيذ مشاريعها التي تتضمن تشديد القيود على قطاع التكنولوجيا المتقدمة وإقرار موازنة للاتحاد الأوروبي.
وكان سلفها يونكر قد واجه مشاكل طارئة خلال ولايته التي استمرت خمس سنوات، بينها أزمة تدفق المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي عام 2015 التي أظهرت انقساما كبيرا بين الشرق والغرب لا سيما برفض المجر وبولندا فتح الأبواب أمام المهاجرين.
كذلك هيمنت أزمة اليونان على ولاية يونكر لا سيما المخاوف من خروجها من التكتل، وقد أعقب هذه الأزمة الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة وفرضه رسوما جمركية باهظة على أوروبا في عام 2017.

فون دير لايين المقربة من ميركل والمدافعة عن أوروبا

تعد الألمانية اورسولا فون دير لايين التي تتولى مهامها على رأس الاتحاد الأوروبي الأحد من المقربين المخلصين للمستشارة انغيلا ميركل التي خدمت في حكومتها كوزيرة للدفاع لست سنوات مليئة بالصعاب.
واعتبرت الطبيبة والأم لسبعة أبناء لفترة طويلة خليفة محتملة لميركل لكن نجمها بدأ يخبو في ألمانيا خلال السنوات الماضية.
واستلمت فون دير لايين البالغة 61 عاما رئاسة المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي النافذ الذي يطبق إرادة الدول الأعضاء المنقسمين غالبا.
واختيرت السياسية الألمانية للمنصب في يونيو الفائت، إذ حصلت على منصبها بأكثرية ضئيلة في البرلمان الأوروبي بعد أن برزت كفائز مفاجئ عقب أسابيع من المفاوضات المغلقة وتوازنات القوى في التكتل.
وحازت فون دير لايين على دعم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يقدر جهودها لتعزيز التعاون في مجال الدفاع بين البلدين، خصوصا في وقت تعمقت فيه الخلافات بين برلين وباريس.
لكن هذا الرابط مع ماكرون، القيادي المثير للانقسام حاليا في اوروبا، أضرها حين رفض البرلمان الأوروبي في شكل غير مسبوق ثلاثة من مرشحيها للانضمام لفريق عملها في المفوضية، ما عط ل بداية عهدها.
ولدت فون دير لايين في بروكسل وقضت مراهقتها فيها، وهي تتقن الانكليزية والفرنسية وحازت شهادة من مدرسة لندن للاقتصاد، وهي عوامل جعلتها تحظى بشبكة علاقات في أوروبا وعبر الأطلسي.
وهي مدافعة قوية عن انخراط ألماني أكبر على الصعيد الدولي واندماج أوروبي أوثق، ورو جت سابقا لفكرة «الولايات المتحدة الأوروبية».
وفي بلد تجد فيه المرأة صعوبة في التوفيق بين عملها المهني والاهتمام بعائلتها، لا تتردد فون دير لايين التي درست الطب في إبراز دورها العائلي وتتصدر صورها مع أبنائها أغلفة المجلات.
وفون دير لايين الوزيرة الوحيدة في حكومة ميركل التي بقت معها منذ بداية عهدها في العام 2005، فاستلمت أولا وزارة شؤون الأسرة ثم وزارة العمل.
وفي العام 2013، باتت فون دير لايين المرأة الأولى التي تتسلم وزارة الدفاع في ألمانيا، وحرصت على أن تترك أثرا عبر عملها على إدخال تغييرات في المؤسسة العسكرية.
وفرضت التوقف عن التكريم التقليدي لعدد من كبار جنرالات الجيش الذين خدموا خلال فترة حكم هتلر، على غرار الجنرال اروين رومل المعروف ب»ثعلب الصحراء» الذي شارك في الحرب العالمية الثانية في شمال افريقيا بشكل خاص.
وخلال توليها وزارة الدفاع، نشرت ألمانيا قواتا في بعثات عبر العالم من أفغانستان إلى مالي، بينما زارت فون دير لايين مرارا الجنود الالمان المنتشرين في افغانستان والعراق.
وواجهت انتقادات مستمرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن ما يعتبره الانفاق الدفاعي الألماني غير الكافي.
وغضب منها عدد من كبار المسؤولين في الجيش عندما نددت ب»نقاط ضعف» داخل المؤسسة العسكرية اثر اعتقال ضابط عام 2017 يشتبه بإعداده لاعتداء يستهدف أجانب كما شهد عهدها عدة فضائح متعلقة بعقود مثيرة للجدل مع شركات استشارية بما في ذلك تجديد بارجة حربية.
وأطلق عليها لقب «العازف المنفرد» بسبب أسلوبها المنفرد، وأظهر استطلاع رأي نشرته صحيفة «بيلد ام سونتاغ» أنها ثاني أقل الوزراء شعبية في حكومة ميركل.
ولدت أورسولا غيرترود البرخت في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1958 في بروكسل، حيث كان والدها إرنست البرخت مسؤول ا كبير ا في المفوضية الأوروبية وعاشت هناك حتى بلغت 13 عاما.
وباعتبارها ابنة البرخت، الذي أصبح رئيس وزراء ولاية سكسونيا السفلى لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي المحافظ، أمضت سنواتها المراهقة المتأخرة تحت حماية الشرطة في وقت كان فيه المتطرفون اليساريون يستهدفون الشخصيات السياسية والتجارية.
وأجبرها التهديد على الانتقال إلى لندن للعيش في شقة عمها تحت اسم مستعار «روز لادسون».
وكشخصية محبة للتعليم والدراسة، درست أولا الاقتصاد ثم الطب الذي مارسته في عيادة للنساء. لكنها قطعت حياتها المهنية لتصبح ربة منزل عندما فاز زوجها أستاذ الطب بمنحة دراسية إلى جامعة ستانفورد ذائعة الصيت.
وفي سن الثانية والثلاثين، انضمت إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي ودخلت برلمان ساكسونيا السفلى، حيث فازت بأول مقعد لها في البوندستاغ في العام 2009.
لكن فون دير لايين ظلت دخيلة في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ تقليديا والذي يهيمن عليه الذكور.
وفي مقامرة سياسية نادرة، عارضت قيادة هذا الحزب في الكثير من الملفات، وطالبت على سبيل المثال بحصة للنساء داخل ادارة كبرى الشركات.
وكعدد من السياسيين الألمان الآخرين، دارت شكوك عام 2015 حول إمكان أن تكون اقتبست أفكارا في رسالتها للدكتوراه من مرجع آخر، وهو أمر حساس في ألمانيا تسبب في السابق بسقوط عدد من المسؤولين السياسيين. لكنها نجت سياسيا بعدما لم يتم إثبات أي سوء سلوك ضدها في القضية.


بتاريخ : 04/12/2019