قطاع النسيج: واجهة براقة تدر 30 مليار درهم سنويا وخلفية غارقة في الفوضى

«ورشة طنجة».. الشجرة التي تخفي الغابة

 

 

عرت الفاجعة التي هزت المغرب أول أمس بعد غرق 28 عاملا وعاملة في ورش غير مرخص له بطنجة، عن مدى الهشاشة والفوضى التي تعيشها صناعة النسيج بالمغرب، هذا القطاع الذي يعد ثالث أكبر مصدر في البلاد يتخبط منذ سنوات في مستنقع من المشاكل الهيكلية التي طالما دقت بشأنها أجراس الإنذار من طرف المهنيين أنفسهم لكن دون جدوى.
«المعمل السري» الذي تحدثت عنه السلطات المحلية في بلاغها الرسمي للإعلان عن الكارثة، أو «الوحدة الصناعية» التي تحدث عنها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، مجرد نموذج لآلاف الورشات العشوائية المنتشرة في معظم المدن الصناعية بالمملكة، وإذا كان الشق المهيكل لقطاع النسيج والملابس والذي يقدر ب 1100 وحدة صناعية، يشغل ما يقرب من 160 ألف شخص، حسب إحصائيات الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة، فإن الشق غير المهيكل من هذا القطاع، يشغل أزيد من 185 ألف مستخدم. وبالتالي فهو يؤمن حوالي 27 ٪ من مناصب الشغل الصناعية. كما يساهم القطاع بنسبة 24٪ من صادرات السلع المغربية وما يصل إلى 7٪ من القيمة المضافة الصناعية و5٪ من الإنتاج الصناعي و5٪ من حجم الرواج التجاري. «ورشة طنجة» التي كانت تشتغل منذ سنوات في الصمت والظلام قبل أن تسلط عليها – فجأة وبسبب حادث عرضي لم يكن في الحسبان – كل أضواء الكاميرات، تعمل في منظومة خاصة  ومعروفة، بعيدة كل البعد عن منطق «المنظومات الانتاجية» écosystèmes productifs التي يرددها الوزير مولاي حفيظ العلمي كلما تحدث عن مخطط التسريع الصناعي، فعندما تأتي طلبية كبيرة من مجموعة دولية نحو مقاولة نسيج مغربية، تعمد هذه الأخيرة إلى تفويت جزء من السلسلة الصناعية لورشات غير مهيكلة للقيام بعمليات بسيطة (كما هو الشأن بالنسبة لورشة طنجة المتخصصة في خياطة الأزرار) وذلك من خفض التكاليف ومواجهة المنافسة. وتحتضن مدينة طنجة أكثر من 300 مصنع وورشة في قطاع النسيج والألبسة تتعامل مع شركات عالمية كبيرة، بينما تحتضن الدار البيضاء العدد الأكبر من المصانع والأوراش..
ويعاني قطاع النسيج المغربي من ضعف التنافسية، بالمقارنة مع الشركات الصينية والتركية التي تستحوذ على الأسواق الأوربية بل وباتت تحارب نظيرتها المغربية في عقر دارها بالأسواق المحلية، وهو ما يدفع بالعديد من المقاولات إلى المزاوجة بين الأنشطة المهيكلة والأنشطة غير المهيكلة لمواجهة المنافسة الشرسة من جهة، (تعتبرها إغراقا dumping) والسلع المهربة من جهة ثانية.
وفي 2020 تضاعفت معاناة قطاع النسيج المغربي بسبب الركود الاقتصادي العالمي، وكذا كساد السوق الداخلي الذي تأثر هو الآخر بإجراءات الإغلاق التي فرضتها الجائحة الوبائية كوفيد 19. وهكذا تفيد آخر الأرقام الصادرة عن مكتب الصرف أن صادرات قطاع صناعة النسيج خسرت 20 في المائة من رقم معاملاتها التصديرية، ولم يتعد حجمها 29.8 مليار درهم بدل 37 مليار درهم في 2019، ما يعني أن هذه الصناعة تكبدت خسارة فاقت 7 ملايير درهم.
وعلى الرغم من أن القطاع استفاد مؤخرا من نظام حوافز للولوج الى الأسواق الخارجية يتضمن مجموعة من التدابير لتشجيع الاستثمار ذي الطبيعة الضريبية والمالية والقانونية والاجتماعية، وشبكة كبيرة من اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي، مما يتيح الوصول إلى سوق يضم أكثر من مليار مستهلك. ومن تشجيعات استثمارية توفرها الدولة المغربية عبر المنصة الصناعية «P2I». إلا أن القطاع مازال في حاجة إلى إعادة هيكلة شاملة عبر خطة وطنية واضحة لتمكين الورشات الشبيهة بمعمل طنجة، من الاشتغال وفق القواعد الرسمية في العلن، والخروج من كراجات الظل إلى منطقة الضوء.


الكاتب :   عماد عادل

  

بتاريخ : 11/02/2021