أطباء يتحولون إلى «تحريين» لرصد فيروس كورونا المستجد في تركيا

يتسلق طبيبان يرتديان بذلة بيضاء واقية ويضعان نظارات وكمامتين للحماية أدراج المبنى مسرعين لإنجاز المهمة الأولى على جدول أعمال نهارهما، وتقضي بإجراء اختبار لامرأة احتكت بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في اسطنبول.
تفاجأ المرأة المقيمة في حي فاتح الشعبي بظهور رجلين شبيهين برائدي الفضاء عند بابها، فترد على أسئلتهما قبل الخضوع لاختبار الكشف الذي يفترض أن تصدر نتيجته في اليوم التالي.
تعد تركيا حوالي ستة آلاف فرقة صحية من “المتعقبين” تقوم على مدار الساعة بالبحث عن الإصابات المحتملة بفيروس كورونا المستجد من خلال رصد الأشخاص الذين احتكوا بمرضى وتتبعهم.
وتؤكد الحكومة التركية أن سياسة التعقب سمحت باحتواء وباء كوفيد-19 والحد من عدد الوفيات إذ ساعدت على رصد الحالات الجديدة بسرعة وعزلها ومعالجتها في مرحلة مبكرة من المرض.
وإن كان بعض المراقبين يشككون في مصداقية الأرقام الرسمية، يبقى أن عدد الوفيات بالنسبة إلى حصيلة الإصابات متدنيا بشكل لافت، إذ لم يتخط 3689 وفاة من أصل 135569 إصابة، وفق آخر حصيلة صدرت الجمعة.
وأعلن وزير الصحة فخر الدين قوجة الإثنين أن عمليات التعقب هي “في صلب نجاح” تركيا في مكافحة الوباء.
وأوضح أن كل عملية تعقب تسمح برصد معدل 4,5 أشخاص قد يكونون مصابين بعدما احتكوا بمريض.
وأفاد قوجة في 29 أبريل أن فرق التعقب تواصلت مع أكثر من 460 ألف شخص في تركيا.
وأوضحت مديرة دائرة الصحة العامة في منطقة فاتح مالك نور أصلان أن الأطباء يقومون “بعمل تحريات حقيقي” لرصد الحالات المحتملة.
وقالت لوكالة فرانس برس إنه حين يتم التعرف إلى مريض، “نحاول إعادة رسم مساره خلال الساعات الـ24 السابقة لظهور أولى الأعراض وحتى لحظة التثبت من إصابته” بفيروس كورونا المستجد.
ولتحقيق ذلك، يقوم أطباء بمقابلة المريض وطرح قائمة من الأسئلة عليه لمعرفة الأماكن التي زارها والأشخاص الذين تحدث معهم وإن كان يضع كمامة أم لا.
ويقود هذا الاستجواب إلى وضع قائمة بالأشخاص الذين قد يكونون أصيبوا بالعدوى، فيتواصلون معهم ليطلبوا منهم لزوم منازلهم لمدة 14 يوما.
وإذا كان أي من هؤلاء الأشخاص يعاني من أعراض المرض أو ظهرت عليه أعراض أثناء الحجر المنزلي، فيجرون له فحصا لكشف فيروس كورونا المستجد.
وفي هذا السياق، زار الطبيبان المرأة في حي فاتح، إذ تبين أنها تعاني من الإعياء وآلام في الرأس.
وعند خروجهما من المبنى، ينزعان لوازم الحماية ويرميانها في كيس قمامة كبيرا.
يحمل أحدهما علبة كبيرة تحتوي على العينة التي أخذت من المريضة والتي سترسل خلال النهار إلى المختبر.
وإذا جاءت نتائج الفحص إيجابية، أوضح أحد المتعقبين الطبيب العام مصطفى سيفر أن المرأة “ستدرج في بياناتنا على أنها حالة مثبتة، ما سيؤدي إلى آلية تعقب جديدة”.
كذلك تلعب هذه الفرق دورا أساسيا لتفادي موجة ثانية من الإصابات بالوباء في وقت تستعد تركيا لتخفيف القيود المفروضة مع إعادة فتح المراكز التجارية ومحلات تصفيف الشعر اعتبارا من الإثنين.
وخلافا لدول أخرى حيث تثير سياسة التعقب جدلا حول سرية البيانات الخاصة ووجهة استخدام المعلومات التي يتم جمعها، عمدت تركيا منذ ظهور الوباء إلى تطبيق هذا الإجراء.
وأكدت أصلان أن الأطباء المكلفين بتعقب الإصابات المحتملة وحدهم يطلعون على البيانات التي يتم جمعها من خلال تطبيق خاص بهم.
وإذا كانت عملية التعقب تجري على نطاق واسع نظرا إلى مدى انتشار الوباء، فإن هذا النظام ليس جديدا في تركيا.
وأوضح الطبيب سيفير أنه سبق أن أجرى “تحقيقات” مماثلة حين اجتاحت موجات من الحصبة اسطنبول.
وقالت أصلان إن فرق التعقب لا تطارد الفيروس فحسب بل هي مكلفة أيضا بطمأنة الأشخاص الذين تزورهم والاهتمام بهم.
وأوضح الطبيب مصطفى سيفر بهذا الصدد “حين نحضر إلى منزل الناس، يرون أن ثمة من يهتم بهم، وأنهم ليسوا متروكين لمصيرهم”.
ويضيف “إذا كانوا قلقين، نتحدث معهم قليلا لطمأنتهم”.


بتاريخ : 12/05/2020