أولياء مغاربة في مصر -24- أبو العباس البصير السبتي : شهد له بالولاية عبد القادر الجيلاني و ذكر فضله السراج الطوسي وابن عربي وغيرهم

العلاقة التي تربط المصريين والمغاربة ،علاقة تمتد في الزمن منذ قرون،فقد تعددت أوجه هذه العلاقة كما تشهد بذلك كتب التاريخ .
ووفق المؤرخين، فقد هاجر العديد من المغاربة إلى الديار المصرية في عهد مولى إسماعيل، خاصة من فاس ومراكش، حيث استوطن أهل فاس في القاهرة، في حين استوطن أهل مراكش في الإسكندرية.
وتؤكد المصادر التاريخية، أن المغاربة الذين اختاروا مصر مقاما جديدا لهم، يعتبرون من التجار الكبار، وهناك تأقلموا مع أهل هذا البلد، فنمت تجارتهم، بل استطاعوا أن تكون لهم اليد العليا على المستوى التجاري والاقتصادي، فأصبحوا فعلا يشكلون النخبة هناك، ولهم تأثير واضح على مستوى الحكم.
تمكن المغاربة الذين اندمجوا بسرعة في المجتمع المصري،من توسيع تجارتهم، لتمتد إلى خارج مصر، وتصل إلى مكة والشام، بل بنوا حارات جديدة مازالت قائمة في مصر إلى اليوم، شاهدة على ما قدمه المغاربة من إضافة إلى وطنهم الجديد.
لم تقتصر الأيادي البيضاء للمغاربة على مصر في هذا الباب، بل ظهرت جليا على مستوى العلم والتصوف.
وكما يقال، إن كان الإسلام دخل إلى المغرب من الشرق، فإن تأثير المغاربة في المشرق جاء عن طريق علماء الصوفية.
في هذه الرحلة، نستعرض أهم أشهر المتصوفين المغاربة المدفونين في المشرق خاصة في مصر ،الذين تركوا بصمات وأتباع لمدارسهم الصوفية إلى اليوم ،حيث يستقطب هؤلاء المتصوفة المغاربة، الملايين من المريدين المصريين كل موسم.

أبو العباس البصير السبتي، كما يقول الدكتور عبدالله الناصر حلمي ، يعد من أحد العلماء الذي جاء من مدينة سبتة بالمغرب وسكن صدفا واشتغل بالعلم، وأصبح من أكبر العلماء وتتلمذ على يدية الكثير والكثير مثل عبد السلام ابن بشيش وغيره، وله مسجده المعروف الذي تم بناؤه منذ أكثر من 800 عام وأعيد تجديده وترميمه في أوائل التسعينات.
يقام لسيدى أبو العباس السبتى كل عام مولد معروف ومشهور، وهو في نفس التوقيت من كل عام ولمدة 15 يوما وموعد إقامته عقب شهر رمضان مباشرة.
وصل العارف بالله مدينة صدفا في القرن السادس الهجري، وأقام بقصبة المغاربة والتي سميت فيما بعد بقصبة أبي العباس ، وقد وفد أبو العباس السبيتي إلى صدفا واستقر بها وكان يسكنها جماعة من عرب الحجاز من قبيلة صدف بن سعد وهم سبب تسميتها باسم صدفا إذ كان اسمها قبل قدومهم “مرجليوس” وهو اسم روماني بمعني الجزيرة الخضراء.
وبعد ان استقر المقام بسيدي أبوالعباس السبتي وقد عين قاضيًا شرعيًا على صدفا ، كما اشتغل بعلوم كثيرة منها تحفيظ القرآن وتفسيره كما نبغ في علوم اللغة حتي أن لسان الدين بن الخطيب كان ممن تأثروا به وتعلموا عنه، وكان أبو العباس خير من يقرض الشعر كما كان عالمًا متصوفًا يعمل بالفلسفة وعلوم التربية وعلم كان يطلف عليه في عصره علم الزايرجه وقد ذكر هذا في كتاب “بهجة الأسرار ودرة الأنوار” للشطنوفي الذي شهد له بالعلم والتصوف واشتهر أبو العباس في علم الفلك والتاريخ وكان أستاذا لجيل من العلماء ومؤسسًا لمركز علمي كبير في صدفا أهم علومه هي القرآن الكريم.
وقد عقب سيدي ابو العباس ذرية كبيرة انتشرت في مصر بطولها فمنهم من هو باق حتى الآن في طنطا والمنصورة وفي قلب القاهرة في منطقة السبتية ومنهم من اشتغل بالعلم واشتهر به ودرس علوم الدين في الأزهر الشريف، ومنهم من يتولي نقابة العلويين بمصر،كما توجد له ذرية احد أبنائه الذي آثر العودة إلى المغرب وأسس عائلة تحمل نفس الاسم ومن أبنائه ايضًا من هاجر إلي ليبيا وأسس ايضًا عائلة هناك .
وقد ذكر كتاب “الخطط التوفيقية” لعلي مبارك، أن ابا العباس السبتي الموجود ضريحه في صدفا غير أبي العباس السبتي أحمد بن جعفر الموجود ضريحه بالمغرب ،هو من أبناء عمومته .
وقد كان أبو العباس البصير صاحب مدرسة في الزهد والتصوف، حيث تتلمذ على يديه الشيخ عبد العال بن بشيش الذي أخذ عنه أبو الحسن الشاذلي والذي تتلمذ على يديه ، وأخذ عنه أبو العباس المرسي الموجود ضريحه بالأسكندرية،وقد قال عنه الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، أن خير ما صحبهم في طريق القاصدين إلى الله قال:”ليس أرفع منزلة في ميزان القطبية من أبي العباس السبتي ؛ لأنه وصل مقام الإحسان إلى أرفع درجة ،وقد ذكر محيي الدين بن عربي هذا في كتابه “الفتوحات المكية”،كما شهد له الإمام الصياد في كتابه”قلادة الجواهر” كما شهد بفضله وعلمه الإمام عبد الوهاب الشعراني في كتابه “اليواقيت والجواهر عن شرح الفتوحات المكية “للشيخ محيي الدين بن عربي ، كما شهد له بالولاية السيد الشريف عبد القادر الجيلاني في كتابه “فتوح الغيب”، وكذلك ذكر فضله السيد السراج الطوسي في كتابه “اللمع” ،كما أشار إلى علمه وأستاذيته الشطنوفي في كتابه ” بهجة الأسرار ودرة الأنوار”.


الكاتب : n إعداد وتقديم: جلال كندالي

  

بتاريخ : 08/04/2024