إلى أين تتجه بوصلة النيجر بعد فشل المفاوضات مع الولايات المتحدة؟

 

في أعقاب فشل المفاوضات، خلال الأسبوع الماضي، بين أعضاء المجلس العسكري في النيجر وكبار المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين، أعلن المجلس العسكري عن «الإنهاء الفوري لأي اتفاقيات تعاون بين النيجر» و»الولايات المتحدة» بما في ذلك الاتفاقية التي سمحت بإنشاء قاعدتين رئيسيتين للقوات الجوية الأمريكية داخل البلاد (القاعدة الجوية 101 بالقرب من العاصمة «نيامي» والقاعدة الجوية 201 في مدينة «أغاديز») وكلاهما قواعد ذات أهمية استراتيجية لعمليات «USAFRICOM» ولإطلاق الطائرات بدون طيار ضد الجماعات الإرهابية الإسلامية في إفريقيا.

توترات متصاعدة بين البلدين

ويأتي القرار، الذي أعلن عنه المجلس العسكري الحاكم في النيجر – الذي كان ينظر إليه حتى العام الماضي على أنه حليف رئيسي للولايات المتحدة في غرب إفريقيا – يوم السبت على التلفزيون الرسمي من أنه «سينهي علاقته العسكرية مع الولايات المتحدة» ويدخل حيز التنفيذ على الفور، بعد زيارة قام بها مسؤولون أمريكيون هذا الأسبوع برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية «مولي في» وشملت الجنرال «مايكل لانغلي» قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا.
وجاء إعلان المتحدث باسم حكومة المجلس العسكري – التي أطاحت برئيس النيجر المنتخب ديمقراطيا العام الماضي – في أعقاب زيارة للعاصمة «نيامي» قامت بها «مولي في» أكبر مسؤول للشؤون الإفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية رفقة الجنرال «مايكل لانغلي» الذي يرأس العمليات العسكرية الأمريكية في إفريقيا، في مهمة ضمن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة لإيجاد سبل للعمل مع الحكومات العسكرية في المنطقة، حيث تصاعد العنف الذي أحدثه المتطرفون الإسلاميون بسرعة في السنوات الأخيرة.
لكن «أمادو أبدراماني»، المتحدث باسم المجلس العسكري، قال في بيان قرأه التلفزيون إن «حكومة النيجر نددت بقوة بالموقف المتعالي (عدم إتباع البروتوكول الدبلوماسي) لرئيس الوفد الأمريكي الأخير، وإن النيجر لم تبلغ بتكوين الوفد أو موعد وصوله أو جدول أعماله، والذي قال إنه «قوض العلاقة الطويلة بين البلدين»، وأضاف بأن الحكومة «تندد بأثر فوري» بالاتفاق بين النيجر والجيش الأمريكي، وكذلك المناقشات تدور حول الانتقال العسكري الحالي في النيجر والتعاون العسكري بين البلدين واختيار النيجر للشركاء في الحرب ضد المسلحين المرتبطين بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب المدنيين العاملين في وزارة الدفاع».
وأعقب: «إن التواجد الأمريكي على أراضي النيجر «غير قانوني» وينتهك جميع القواعد الدستورية والديمقراطية»، مضيفا أنه «يجب استشارة مواطني النيجر قبل وجود جيش أجنبي على أراضيهم». من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية «ماثيو ميلر» (يوم السبت) إن «المسؤولين على علم بالبيان وإنه جاء بعد «مناقشات صريحة» هذا الأسبوع مع زعماء في «نيامي»، معربا عن «مخاوف الولايات المتحدة بشأن «مسار المجلس العسكري الحاكم»، وأضاف «أن المسؤولين الأمريكيين (على اتصال) بالمجلس العسكري وسيقدمون المزيد من التحديثات حسب الاقتضاء».
ومنذ استيلائه على السلطة في يوليوز من العام الماضي، طرد المجلس العسكري في النيجر -على غرار الحكام العسكريين في «مالي» و»بوركينا فاسو» المجاورتين – القوات الفرنسية وغيرها من القوات الأوروبية، ولجأ إلى «روسيا» للحصول على الدعم. وقال أمادو أبدراماني: «تأسف النيجر لنية الوفد الأمريكي حرمان الشعب النيجري صاحب السيادة من الحق في اختيار شركائه وأنواع الشراكات القادرة على مساعدته حقا في مكافحة الإرهاب، كما أن حكومة النيجر تستنكر بشدة الموقف المتعالي المصحوب بالتهديد بالانتقام من رئيس الوفد الأمريكي تجاه حكومة النيجر وشعبها».

عن ورقة الضغط للجيش النيجيري

للإشارة، يتمركز أكثر من 1000 جندي أمريكي في النيجر (وفقا للجيش)، وتدير الولايات المتحدة قاعدة للطائرات بدون طيار (تعرف باسم القاعدة الجوية 201) التي بنيت بالقرب من «أغاديز» (شمال البلاد) بتكلفة تزيد على 100 مليون دولار، حيث يقول المسؤولون إنها حيوية لمراقبة الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل، التي تمتد عبر إفريقيا أسفل الصحراء الكبرى.
ومنذ عام 2018، تم استخدام القاعدة لاستهداف مقاتلي «الدولة الإسلامية» و»جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» (التابعة لتنظيم القاعدة) في منطقة الساحل. وقال أمادو أبدراماني إن «وضع ووجود القوات الأمريكية في النيجر غير قانوني وينتهك القواعد الدستورية والديمقراطية» لأنه وفقا للمتحدث «فرض من جانب واحد على الدولة الإفريقية في عام 2012».
وأردف: إن النيجر ليست على علم بعدد الأفراد المدنيين والعسكريين الأمريكيين على أراضيها، أو كمية المعدات المنتشرة» وإنه وفقا للاتفاق فإن «الجيش الأمريكي ليس ملزما بالرد على أي طلب للمساعدة ضد المتشددين.. وعليه، في ضوء كل ما سبق، تلغي حكومة النيجر بأثر فوري الاتفاق المتعلق بوضع الأفراد العسكريين الأمريكيين والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأمريكية على أراضي جمهورية النيجر».
وفي أعقاب الانقلاب الذي وقع العام الماضي، علقت الولايات المتحدة إلى حد كبير المساعدات العسكرية للنيجر، حيث اقتصر النشاط في القاعدة على المراقبة لحماية القوات الأمريكية. وقالت «مولي في» في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» الشهر الماضي «إنها شددت على أهمية الانتقال الديمقراطي السريع إلى الحكومة النيجيرية، وأن المساعدات الأمريكية ستظل معلقة حتى تحدد النيجر جدولا زمنيا لاستعادة السلطة الديمقراطية»، في حين ترفض الحكومة النيجيرية – حتى الآن – تحديد موعد للانتخابات الرئاسية، كما لا يزال الرئيس «محمد بازوم» المنتخب ديمقراطيا، قيد الإقامة الجبرية.

إفريقيا والتحالف مع العم «بوتين»

يذكر أن «النيجر»، إلى جانب «مالي» و»بوركينا فاسو» المجاورتين – اللتين تقودهما أيضا مجالس عسكرية – قريبة بشكل متزايد من «روسيا»، التي بذلت جهودا متضافرة في السنوات الأخيرة لتوسيع نفوذها في المنطقة، خاصة من خلال الشراكات الأمنية، حيث قال «أمادو أبدراماني» (يوم السبت) إن «للنيجر علاقات «دولة لدولة» مع روسيا، وأن جميع الاتفاقيات بين البلدين تمت بشفافية»، على غرار إعلان «روسيا» و»النيجر» في دجنبر أنهما «وقعتا اتفاقيات أمنية جديدة»، لكن لم يكن من الواضح في ذلك الوقت ما الذي تنطوي عليه الاتفاقيات.
في «بوركينا فاسو»، نشرت روسيا في الأشهر الأخيرة بضع مئات من القوات من «فيلق إفريقيا» – الذي يصفه المسؤولون الروس بأنه خليفة مجموعة المرتزقة «فاغنر» – في حين يقدر أن حوالي 1000 من الأفراد العسكريين الروس يقاتلون مع الجيش المالي. وشدد «أمادو أبدراماني» في بيانه على أن «علاقات النيجر مع «روسيا»، إلى جانب «إيران» تمتد إلى عقود مضت، وانتقد الولايات المتحدة لمحاولتها حرمان شعب النيجر صاحب السيادة من الحق في اختيار هؤلاء الشركاء ونوع الشراكة القادرة على مساعدته حقا في مكافحة الإرهاب».
بعد وقت قصير من الانقلاب الرئاسي (في تلك الدول، وخاصة في النيجر)، طلب المجلس العسكري من القوات الفرنسية – التي كانت تاريخيا شريكا أمنيا رئيسيا – مغادرة البلاد، على غرار النماذج التي وضعتها المجالس العسكرية في «مالي» و»بوركينا فاسو». برر كل مجلس عسكري، استيلاءه على السلطة «جزئيا» من خلال الوعد بإحراز تقدم في الأمن. ولكن كما هو الحال في كل من «مالي» و»بوركينا فاسو»، شهدت «النيجر» زيادة كبيرة في الهجمات التي يشنها المتشددون الإسلاميون في أعقاب الانقلاب الرئاسي.


الكاتب : ت: المقدمي المهدي عن مصادر متعددة

  

بتاريخ : 21/03/2024