استعراض القوة من أجل تسيير المقابر البلدية للغفران… موتى الدارالبيضاء يكشفون كوارث التدبير بالجهة

وقف سكان مدينة الدارالبيضاء والمناطق المجاورة لها، ليلة السابع والعشرين من رمضان، أي الليلة التي أضحت عرفا لزيارة المقابر بغية الترحم على الأحباب والأهل الذين فارقوا الحياة وأضحت تلك المقابر مساكنهم الأخيرة في هذه الدنيا، على واقع مزر لمقبرة الغفران على الخصوص، فقد صدم معظم الزوار بالمشاهد التي كانت أمامهم، قطيع الأغنام يجوب المقبرة ويتمشى فوق القبور والشواهد بحثا عن نبات أخضر يسد به خواء بطنه، دواب ترعى بأريحية تامة وكأنها في إسطبلات فسيحة، كلاب ضالة وجدت في الروضة مرقدها الدائم، هذا هو الوضع الذي يسترعيك لأول وهلة وأنت تبحث عن ممر مختصر للوصول إلى قبر تقصده، وطيلة طريقك ستقف على حجم الأزبال المؤثثة لجنبات القبور وللفضاءات الضيقة المحيطة بها .
مشهد تخجل منه العين التي تعتقد بأن هناك من يرعى حرمة موتاها، بعدما أدت إتاوات الدفن المعمول بها في البلديات، كما أن الزائر يجد نفسه علاوة على هذا المنظر الذي لا يسر النظر، في مواجهة جحافل من ممتهني التسول أضحوا متخصصين في مثل هذه المناسبات، يستغلون ألم الناس الباحثين عن لحظة روحية للتواصل مع من فقدوهم ويخصصوا لهم جانبا من الدعاء ترحما على أرواحهم، المتسولون منهم من يستغل حرفته هذه ويتحول إلى سارق ينضاف إلى الأعداد الهائلة من ” الشماكرية ” الذين يقصدون المدافن لتصيد الضحايا خاصة النساء منهم، للظفر بسرقات بعيدا عين أعين المراقبة الأمنية أو شهود محتملين .. على الزائر الباحث عن جو روحاني في هذا المقام الذي يذكره بآخرته، وينقي نفسه من شوائب الحياة العادية، أن تكون له عشرات العيون ليحمي نفسه داخل هذه المقبرة، فبالإضافة إلى اتخاذ الاحتياط من لصوص محتملين يقتحمون خلوته الروحية، والتحسب من المتسولين الذين لا تتوقف أيديهم الممدودة في كل الاتجاهات، والتي قد تتحول في أي لحظة إلى أياد آثمة تبحث عن مكان جيوبك، أو أي جزء من ذاتك يحتمل أن فيه ما يبرق ويفتح شهية النشل، فإن عليه أن يكون مسلحا بالحذر الشديد من أصحاب الدراجات و”التريبورتورات”، الذين يمرون بسرعة البرق غير آبهين بالأجساد الزائرة …
تحركت بعض الجمعيات في مناسبة ليلة القدر تطوعا لجمع الأزبال وتشذيب النباتات التي أصبحت غطاء للقبور تهييئا للزيارة، وهي حركة محمودة ومشكورة في غياب التدبير الرسمي المعتاد الموكول لمجموعة جماعات التعاون الاجتماعي .
التردي الذي بلغته مقبرة الغفران سببه الوحيد والأوحد هو المناصب، نعم المناصب، فمعروف أن مقبرة الغفران سيتوقف الدفن بها في أواخر سنة 2024، بذلك تم التحرك لإيجاد مقبرة جديدة بديلة لها، وقد تم بالفعل توفير حوالي 108 هكتارات من لدن محسنين بتراب منطقة سيدي حجاج بعمالة مديونة، هذه الهكتارات ستقلب الأمور رأسا على عقب، فعادة من أجل تسيير المقابر هناك مؤسسة تسمى مجموعة جماعات التعاون الاجتماعي، تتكون من أعضاء من مجلس مدينة الدارالبيضاء ومديونة والمجاطية والهراويين، تستفيد هذه المجموعة من منحة تصرفها جماعة الدارالبيضاء، وتبلغ 90 مليون سنتيم، فيما تستخلص باقي مداخيلها المالية من الرسوم المفروضة على الدفن، ويِؤدي عنها المواطن 200 درهم بالإضافة إلى 70 درهما للمقاول المكلف بحفر القبور .. عادة وقانونا يتم انتخاب أعضاء مجموعة الجماعات في أجل 15 يوما من هيكلة المجالس الجديدة المنتخبة، حيث يتم انتداب أربعة أعضاء من مجلس مدينة الدارالبيضاء، بحكم أنها الجماعة التي تسهم ماليا في عملية التسيير، وبذلك تحوز حتى على رئاسة هذه المجموعة، فيما تمثل جماعة مديونة والمجاطية والهراويين بعضو واحد لكل واحدة منها، هذه المرة لم تتم عملية استكمال المجموعة لأن المجالس الثلاثة الأخرى، أي مديونة والمجاطية على الخصوص بالإضافة إلى الهراويين أصبح لهم رأي آخر، إذ بما أن المقابر الجديدة ستقام في تراب عمالة مديونة فيجب أن تعهد رئاسة المجموعة إلى عضو من مديونة أوالمجاطية، وأن تضاف إلى العناصر السبعة عناصر أخرى من الجماعات الثلاث، هذا الموقف سيؤثر على التدبير العادي لمقبرة الغفران، لأنه لم يصبح من الناحية القانونية لجماعة الدارالبيضاء أي حق في صرف المنحة المخصصة لهذه المقبرة في غياب مؤسسة تستقبل هذه المنحة، بذلك توقفت كل الصفقات التدبيرية لها ما جعلها تعيش وسط هذه الكارثة المخجلة، فلم يعد هناك أي تعاقد مع شركة متخصصة في النظافة أو الحراسة، ما حولها إلى مرتع للأزبال ومأوى للمشردين واللصوص وغيرهم .. نحن الآن في منتصف الولاية الانتخابية ومازالت هذه المؤسسة لم تتمم هياكلها لا لشيء إلا اختلافا حول من سيرأسها، فهل هذا المنصب جد مهم لهذه الدرجة ؟ ولماذا هو مهم إلى هذا الحد ؟ ما الأولى، أن نصون الأجساد أم نخلق منصبا لأي كان ؟
مقبرة الغفران بسبب سباق الرئاسة تعيش أحلك أيامها، هي التي اتخذت نموذجا يحتذى في ملتقيات بيئية عديدة، وكانت حتى مصالح وزارة الداخلية تقدمها كموديل يحتذى به في العديد من المناسبات، الرئيس السابق/الحالي لهذه المؤسسة، منذ 2021 أي منذ انتخاب المجلس الحالي، وهو يراسل المسؤولين طلبا لانتخاب أعضاء جدد، لأن ولايته انتهت لكن رسائله لا تجد إجابة وأصبح مفروضا عليه أن يستمر في توقيع رواتب العاملين حتى لا تتوقف إلى حين توقف الاحتدام الساخن حول من سيرأس هذه المجموعة، وهي حرب مخجلة حقيقية ومعيبة لأن عنوانها هو الأنانية على حساب رفات الموتى…
إلى ذلك مازالت العائلات تعاني خلال عملية الدفن ّ، ذلك أن المقاول يمتنع عن دفن الموتى بعد صلاة العصر وأحيانا ما وراء الساعة الثالثة، وكم من عائلة اضطرت إلى حمل جثمان فقيد لها من جديد إلى المنزل أو المشرحة وانتظار اليوم الموالي، بسبب هذا القرار، وكم من عائلة اضطرت إلى أن توسط مسؤولين قصد الدفن لأن حفار القبور لا يشتغلون ما بعد الثالثة .
ظلمة القبور وظلمة المقبرة التي أغلق بابها الرئيسي وانطفأت معه الإنارة.. ذبول النبات المؤثث للروضة، وانتشار الكلاب الضالة والدواب ..هي آخر صور قاتمة لهذه المقبرة في آخر أيامها قبل الإغلاق النهائي !


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 17/04/2024