الأطراف الليبية تتفق على سلسلة اتفاقات مبدئية لتسوية الأزمة بالبلاد

 

منها إعادة فتح الطرق البرية والرحلات الجوية الداخلية وتشكيل جهاز حرس المنشآت النفطية

 

 

أعلنت الأمم المتحدة، أمس الأربعاء، توصل الأطراف الليبية إلى سلسلة اتفاقات مبدئية في سبيل تسوية الأزمة بالبلاد.
وقالت المبعوثة الأممية ستيفاني وليامز، إن طرفي حوار (5+5) توصلا إلى اتفاق إعادة فتح الطرق البرية والرحلات الجوية الداخلية وتشكيل جهاز حرس المنشآت النفطية.
وأشارت إلى أن إجراءات بناء الثقة بين الأطراف في ليبيا دخلت حيز التنفيذ، وهناك اتفاق على وقف الحرب الكلامية والخطابات العدائية، ومواصلة حالة التهدئة الحالية على جبهات القتال وتجنب أي تصعيد عسكري.
وقالت ويليامز، إن «المشاركين في حوار اللجنة العسكرية الليبية اتفقوا على مواصلة التهدئة الحالية على الجبهات، وانسحاب كل قوات المرتزقة من ليبيا خلال 90 يوما من الاتفاق على وقف إطلاق النار».
وأشادت ويليامز بقرار رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، ترك منصبه، مشيرة إلى أن استقالته «يجب أن تسهم في إنهاء الفترة الانتقالية الطويلة في البلاد، والمضي قدما نحو تشكيل حكومة منتخبة ديمقراطيا».
ودعت المبعوثة الأممية، إلى وقف التدخل الخارجي، وأضافت أنه «على هذه الدول رفع أياديها عن ليبيا».
وانطلقت، أول أمس الثلاثاء، أعمال اليوم الثاني من رابع جولات محادثات اللجنة العسكرية الليبية (5+5) في مقر الأمم المتحدة بجنيف.
وانطلقت المحادثات، الاثنين الماضي، باجتماعات تقابلية مباشرة بين الوفدين، ومن المقرر أن تستمر حتى 24 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
ومنذ 21 غشت الماضي، يسود في ليبيا وقف لإطلاق النار، إلا أن الجيش الليبي أعلن عن خرق مليشيات حفتر وقف إطلاق النار أكثر من مرة.
وفي فبراير الماضي، انطلقت الجولة الأولى لاجتماعات اللجنة العسكرية في جنيف، التي تضم خمسة أعضاء من الحكومة الليبية، وخمسة آخرين من طرف قوات حفتر، فيما جرت الجولة الثانية في الـ18 من الشهر ذاته، والثالثة في مارس الماضي.
وواصلت اللجنة العسكرية الليبية «5+5» أعمالها، على مدى ثلاثة أيام، في مقر الأمم المتحدة بجنيف باجتماعات مباشرة بين وفدي حكومة الوفاق، وقوات اللواء خليفة حفتر.
وبينما تفاءل البعض بتوصل اللجنتين إلى اتفاق حول مناطق التماس في سرت والجفرة يضمن وقفا دائما لإطلاق النار، تمهيدا للتسوية السياسية، رأى آخرون أن الاتفاق يبدو بعيدا، باعتبار أن حفتر يرتهن قراره لداعميه (مصر، الإمارات، روسيا). ويبقى السؤال، هل تُبعد لقاءات جنيف العسكرية شبح الحرب عن ليبيا؟
الكاتب والمحلل السياسي الليبي، عبد الله الكبير، قال إن المباحثات تخص الترتيبات الأمنية والعسكرية في منطقتي سرت والجفرة، بما يضمن الاتفاق النهائي على وقف الحرب وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا.
وأضاف في حديث لوسائل الإعلام أن «ثمة الكثير من نقاط الخلاف، وكذلك الكثير من الضغوطات الدولية، لذا ربما يتم التوافق على إخلاء مدينة سرت من المظاهر المسلحة وتشكيل مجلس عسكري بين الطرفين.، فيما تبقى الملفات الأخرى دون حسم».
وردا على سؤالنا حول نظرة الشارع لهذا اللقاء، وترقبه لنتائجه قال: «يأمل الجميع أن ينتج عن هذا الحوار العسكري ما يبعد شبح الحرب، وأن تستعيد البلاد وحدتها، لكن الناس سئموا الصراع، وفقدوا الثقة في القيادات، وهم ينشدون التغيير الشامل عبر الانتخابات».
بدوره، يرى المحلل السياسي أحمد الروياتي، أن مسار جنيف العسكري يمكن أن يكتب له النجاح، لأنه غير معني بالقضايا الرئيسية في الصراع بين الوفاق وحفتر، كونه معنيا بخلق بيئة مناسبة، وحلحلة الإشكاليات المرتبطة بالترسيم السياسي القادم المعني بقضية سرت والجفرة، واحتمالية جعلها منطقة منزوعة السلاح في إطار تسوية.
واستطرد: «اللجان العسكرية مهمتها الوصول لاتفاق جزئي يمهد للحل السياسي، ويرتكز جوهر هذا الحل على منع نشوب حرب ومواجهة جديدة بين الطرفين، لأن أي حل في ليبيا لا بد أن يستند على ترتيبات أمنية متفق عليها».
من جهته، قال مبعوث المجلس الرئاسي لدول المغرب العربي، جمعة القماطي، إن أعمال اللجنة العسكرية تنصب على ضمان وقف دائم لإطلاق النار بين الجيش الليبي، وقوات حفتر، بما يضمن فتح الطرق المغلقة وتبادل الأسرى.
لكن القماطي بدا غير متفائل بأي اتفاق قد يصدر عن اجتماع اللجنتين، ما لم توقع الدول الداعمة لحفتر عليه، إذ أن حفتر برأيه أداة بيد داعميه، ويأتمر بأمرهم، خاصة مصر والإمارات وروسيا، وبدرجة أقل فرنسا.
وفي السياق قال القماطي في مقابلة متلفزة على قناة ليبيا الأحرار المحلية: «حتى لو كان هناك اتفاق رسمي، في الواقع من يتحكم في الأمور ليس حفتر، وإنما مرتزقة الفاغنر التابعة لروسيا، والتي تتحكم في الغرف العسكرية وفي مناطق واسعة من وسط وشرق ليبيا، لا سيما منافذ إنتاج النفط، وما لم توقع روسيا على وقف إطلاق النار، فإن أي اتفاق لن يكتب له النجاح».
بعد المغرب وبرلين

والجدير بالذكر أن الملف الليبي ما زال يشهد حالة تسارع دولي ومحلي من أجل الوصول إلى تفاهمات واتفاقات لحسم المرحلة سلميا والوصول إلى حكومة موحدة ومجلس رئاسي جديد من شأنهما تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد.
وعقدت ألمانيا اجتماعا دوليا موسعا حول الأزمة الليبية تحت مسمى قمة «برلين2» من أجل التأكيد على مخرجات برلين السابقة وحث الأطراف الليبية والدول الإقليمية على ضرورة الوصول إلى حلول سلمية للأزمة، وسط تأكيدات من قبل الخارجية الألمانية بأن تشكيل حكومة ليبية جديدة سيحسم خلال أسابيع قليلة.
وفي المغرب، اتفقت لجنة الحوار الليبي من برلمان ومجلس الدولة على حسم ملف المناصب السيادية والتوقيع على مخرجات التفاهمات التي أجريت هناك، والاستعداد للعودة إلى ليبيا لطرح كل مجلس ما تم التوصل إليه للتصويت والانتقال إلى مرحلة تشكيل حكومة ورئاسي جديد.
وتأتي هذه الخطوات وسط مهلة منحها رئيس حكومة الوفاق الليبية، فائز السراج لطرفي الحوار من أجل تشكيل حكومة جديدة نهاية الشهر الجاري ليقوم هو بتقديم استقالته وتسليم المهام لرئيس حكومة جديد، ما طرح تساؤلات حول قدرة المجلسين على حسم الأمر؟ ومدى مساهمة مخرجات برلين 2 والمغرب في تحقيق ذلك؟ وإلى أين يتجه الملف الليبي بعد مشاورات المغرب وبرلين؟
وتوقع الضابط الليبي عقيد، سعيد الفارسي أن «مخرجات المغرب وبرلين 2 لن تطبق إلا بالحرب في ظل وجود مرتزقة روس في مناطق هامة واستراتيجية في ليبيا، أما بخصوص مشاورات البرلمان ومجلس الدولة فالأول غير شرعي لانقسامه وعدم اكتمال النصاب».
وأضاف: «في حين أن مجلس الدولة هو مجرد جسم استشاري وغير معني باتخاذ أي قرار لذا لا أتوقع إنجاز أي مهام بين المجلسين وحتى لو نجحا فسيتم إفشالها في ظل وجود حفتر الذي لا يرى غير الحروب للوصول إلى الحكم بقوة السلاح»، كما صرح.
ورأت الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية الليبي، فيروز النعاس أن «مخرجات المغرب لا معنى لها ولن تجد من يطبقها، ولا يمكن لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حسم أي أمر ولن يقدموا أي حلول حقيقية حاليا كون الأمر يحتاج إلى جهود ووقت أطول».
وأكدت أنه «بخصوص التصريحات الألمانية حول حسم أمر الحكومة الليبية الجديدة فالمقصود بها أن الأمر سيتم في جلسة الحوار المرتقبة والتي إلى الآن تواجهها العديد من العقبات سواء على مكان الانعقاد أو على تشكيلها ومعايير اختيار المشاركين، لذا فالأمر لا زال بعيدا ويحتاج الكثير من الوقت والجهد»، حسب تصريحاته.
لكن الكاتب والباحث السياسي الليبي، علي أبو زيد أشار إلى أن «التسوية السياسية في ليبيا دخلت مراحلها الأخيرة، وربما نرى ملامح أكثر وضوحاً لها في الأيام القادمة، وأعتقد أن السراج سيستمر إلى حين تولي سلطة جديدة».
وتابع: «هناك خلافات كبيرة حول التفاصيل بالطبع، لكن الجميع يدرك أن التسوية هي أكثر الحلول وإمكاناً، والكل يريد أن يكون طرفاً فاعلاً ضمن مخرجاتها، ومن المرجح أن أولى جولات الحوار القادمة ستؤكد عزم مختلف الأطراف على لعب دور هام فيها»، وفق تصوراته».
«مرحلة دائمة»

الأكاديمي الليبي، عماد الهصك رأى بدوره أنه «كون كل هذه المسارات جاءت بمباركة ودعم الأمم المتحدة فإن هذا يدل على رغبة جدية منها لإيجاد حل للأزمة الليبية، إذن الوضع يسير نحو حلحلة الأزمة، وذلك بتشكيل حكومة وحدة وطنية عمرها عام ونصف، هدفها توحيد مؤسسات الدولة وتهيئة الوضع السياسي؛ تأسيسًا لمرحلة دائمة، يُستفتى فيها على الدستور، وتُنتخب السلطات جميعها، بعد أن تفكك الأجسام السياسية الموجودة الآن في المشهد».
واستبعد اندلاع أي حروب الآن، وأن كل التحشيدات العسكرية هي لفرض واقع على الأرض؛ تنبيهًا للمتحاورين، وإرسال رسالة مفادها: بأن «المشير» حفتر ما زال رقمًا مهمًا في المعادلة الليبية لا يمكن تجاهله في أي اتفاق سياسي مقبل، لأن المجتمع الدولي ليس لديه رغبة في الدخول في حرب مجهولة النهاية، المآلات»، كما قال.


الكاتب :   وكالات

  

بتاريخ : 22/10/2020