الإعلام والحماية الإجتماعية

تحظى أنظمة الحماية الإجتماعية بمكانة بارزة ضمن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وهو ما جعل الهيئة الأممية تحث الدول على استحداث نظم وتدابير حماية اجتماعية ملائمة للجميع، ومن ضمنها تحقيق تغطية صحية واسعة للفقراء والضعفاء بحلول سنة 2030.
وفي هذه الصدد تعتبر الأمم المتحدة، أن من شأن نظم الحماية الاجتماعية، إذا ما أُحسِن اعدادها وتنفيذها،أن يكون لها تأثير بالغ على تقدم البلدان، وتؤدِّي في نفس الوقت إلى تعزيز رأس المال البشري والإنتاجية، والحد من التفاوتات، وبناء القدرة على مواجهة الصدمات، وإنهاء حالة الفقر ومنع توارثه ما بين الأجيال.

ثقافة الحوار الإجتماعي

وبخصوص علاقة الإعلام بالحماية الاجتماعية ، فإن منظمة العمل الدولية، تولى أهمية خاصة لدور الإعلام في النهوض بثقافة الحوار الاجتماعي، باعتباره أداة في خدمة التنمية المستدامة، كشكل من أشكال الحكامة والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتكاد تجمع مختلف المعطيات والتحليات رسمية وغيرها لدى تشخيص منظومة الحماية الاجتماعية، بأن هذه المنظومة تتسم بعدة نقائص في مقدمتها طبيعتها الجزئية والمحدودة، وتميزها بعدم الإنصاف مما يقتضى جعلها مندمجة ومنسجمة، وأكثر فعالية وعدلا، تتسم بالنجاعة والفعالية للتقليص من الهشاشة الاجتماعية.

معايير دولية

كما يقتضي الأمر العمل على تنفيذ برامج واقعية، وملاءمة منظومة الحماية الإجتماعية مع السياسات العمومية، والمعايير الدولية، وجعلها منظومة الحماية الإجتماعية، تتخذ طابعا شموليا وتوسيع مجالها، ومن المستفيدين منها والقيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة، للبرامج والسياسات الوطنية، في مجال الدعم والحماية الاجتماعية للحد من حجم الخصاص الاجتماعي.
ومهما كانت أوليات الحكومة في المجالات الاقتصادية والإجتماعية، فإنه لا يمكن للسياسات العمومية الاستغناء عن الصحافة التي ليست منتوجا تجاريا بل هي منتوجا فكريا ورسالة اجتماعية، تقدم خدمة عمومية التي جعلتها الثورة الرقمية، تكتسي مكانة محورية لا رجعة فيها، وحولت الإعلام من سلطة رابعة إلى سلطة أولى، بمعايير مختلفة، وأصبح في الوقت الراهن، محرارا رئيسا يقاس به تقدم الدول .
بالرغم من أهمية هذا الورش الكبير في مجال الحماية الإجتماعية، فلم يواكبه الاهتمام الكافي بما يمكن أن تضطلع به وسائل الإعلام، من أدوار هامة في تقديمه إلى المواطنات والمواطنين، من أجل التعريف والتحسيس به، والتوعية بأهميته، في ترجمة أهداف التنمية المستدامة على أرض الواقع.

استراتيجية للإعلام

وفي ظل غياب استراتيجية وطنية واضحة المعالم في قطاع الصحافة والاعلام، وعدم إدراج هذا القطاع ضمن أولويات السياسات العمومية، فإن الإعلام يظل بصفة عامة قاصرا عن القيام بدوره في مجال الحماية الإجتماعية، على الرغم من بعض المجهودات المبذولة، والتي تكتسى في غالبيتها طابعا مناسباتيا، وكذلك ما يقوم به عدد من الصحفيين في هذا المجال والتي تظل مجهودات محدودة، ومعزولة في غالب الأحيان، وأكثر من ذلك لا تواكبها أطراف الحوار الاجتماعي سواء كانت حكومة أو مركزيات نقابية وأرباب العمل.

نظرة نمطية

كما يلاظ أنه على الرغم من حيوية الشأن الاجتماعي والدينامية التي خلقها ورش الحماية الاجتماعية، فإن الإعلام ظل مبعدا عن أجندات الفاعلين الاجتماعيين على مختلف المستويات، وظل التعامل بذات النظرة النمطية لوسائل الإعلام التي غالبا ما يجرى التعامل معها بالحذر والريبة، وعدم الثقة، في الوقت الذي تظل الصحافة المهنية، أداة للرقابة المجتمعية واليقظة، وجهاز إنذار.
ونتيجة التطور التكنولوجي، ينبغي الإيمان بأن الإعلام والاتصال، أضحيا موجهين رئيسيين لطريقة تمثلنا للعالم، وهو ما جعل علاقتنا بهذا العالم، أصبحت، لا تتم وفق تجربتنا، بل وفق ما يقدمه لنا الإعلام جاهزة ويحاول إدخالها في مخيالنا الجمعي، كما يتفق العديد من الخبراء في هذا المجال.

المعلومة الإخبارية

فمنذ أواسط التسعينات من القرن الماضي، فإن الإنترنيت غيرت بعمق معالم وسائل الاعلام، وأظهرت منافسين في بلورة انتشار المعلومة الإخبارية، الأمر الذي خلخل الممارسات المهنية للصحافيين أنفسهم، وغيرت الطريقة التي يجرى بها إخبار الجمهور، وهذا ما جعل التكنولوجيا الحديثة، تكون سببا في إعادة توزيع الأدوار بين المنتجين والمستهلكين لمواد الصحافة الورقية والصحافة الكترونية، وحدوث تغير في طرق تلقى المعلومات واختيارها.

جيل جديد

وعلى قلتها، فهناك بعض المبادرات قد حاولت ملامسة موضوع الإعلام والشأن الاجتماعي، في مقدمتها الدعوة التي وجهها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير بعنوان ” نحو جيل جديد من الحوار الاجتماعي بالمغرب ” إلى مختلف الفاعلين في المجال الإجتماعي إلى ” التعاون مع وسائل الإعلام في تأمين تغطية إعلامية وإخبارية منتظمة، لكافة الأنشطة والمنتديات والمنجزات المتعلقة بالحوار الإجتماعي”.
كما شدد المجلس بالمقابل في هذا التقرير الذي نشره في بداية جائحة كوفيد 19 سنة 2020، وتضمن عدة مقترحات وتوصيات على دور الإعلام في الحوار الإجتماعي، على ضرورة “حرص وسائل على مواكبة الهيئات بالمؤسسات العمومية والخاصة والمقاولات التي تقدم تجارب جيدة في مجال الحوار الإجتماعي”.

ضرورة التخصص

على المستوى الإعلامي، يلاحظ غياب تخصصات في مجال الحماية الإجتماعية، أكان ذلك بوسائل الإعلام العمومي أو الخاص، رغم الأهمية الاستراتيجية لهذا الورش الكبير. هذا الأمر يفرض الاهتمام بالتكوين واستكمال التكوين في تخصص الإعلام في الميدان الاجتماعي، لكن مع ملاءمته مع المتغيرات التي تطرحها الثورة الرقمية التي يتعين التعامل معها، كمعطى إيجابي، يتعين العمل على استثماره، مع توفير كافة المعلومات والمعطيات حول مشروع الحماية الاجتماعية، حتى تتمكن وسائل الإعلام من القيام بدورها باستقلالية وحرفية، واستنادا على ضوابط أخلاقيات المهنة في التعاطي مع هذا المشروع الضخم، بهدف أداء رسالتها النبيلة في مجال الإخبار والتحسيس والتثقيف.

*مداخلة في ورشة تدريبية حول” دور الإعلام في إيصال المعلومة حول الحماية الاجتماعية كحق للجميع” المنظمة في 24 فبراير 2024 بالرباط من طرف ” مؤسسة DANA” ومنظمة Echos Communication البلجيكية.


الكاتب : جمال المحافظ

  

بتاريخ : 11/03/2024