البعد الإقليمي لنزاع الصحراء : 6 – الجزائر دولة معنية ومهتمة بقضية الصحراء

 

لكل نزاع إقليمي مرجعيته وإحالاته التاريخية والقانونية والسياسية، ولكل نزاع إقليمي أيضا بهاراته الخاصة. وتشريح أسس أي نزاع لن يستقيم دون وضع كل مكوناته على طاولة التحليل، بيد أن نزاعات القارة الإفريقية وصمت بالفعل الاستعماري، الذي مزق القارة بمقص ترك آثاره في النسيج الإثني إلى يومنا هذا في عدد من المناطق، وانعكس ذلك في خريطة النزاعات اٌلإقليمية، الشيء الذي جعل « الوحدة الوطنية» عرضة لكل الحسابات الإقليمية والدولية. ولنزاع الصحراء نكهته الخاصة، إذ ربط بين 3 أبعاد إقليمية:
المطلب المغربي في وحدته الترابية والوطنية، وهو عامل شيد ما عرف في تاريخ المغرب الراهن ب»الإجماع الوطني»، الذي لعب دورا كبيرا في تلاحم المؤسسات المغربية، وتخفيف التناقضات السياسية الداخلية ، مع مد وجزر بين الفينة والأخرى، وشكل الموقف الوطني المغربي الموحد تجاه نزاع الصحراء ورقة سياسية، تأخذ بعين الاعتبار في تقييم الدول لمواقفها في نزاع الصحراء.
إشكال بناء الدولة المدنية في الجزائر والفشل في انتقال مؤسسات الدولة من نظام عسكري مشبع بالفكر الاستعماري الفرنسي، وبواجهات سياسية واقتصادية «متحورة»، إلى دولة مدنية تستند إلى السلم والأمن وبناء الطمأنينة والسلم تجاه الشعب الجزائري، وأيضا مع دول الجوار الست، حيث حولت الحدود إلى مناطق عسكرية خالصة، وأصبح النظام العسكري امتدادا للنظام الاستعماري الفرنسي في المنطقة. والشعارات التي يرفعها الشعب الجزائري في مظاهرات الجمعة والثلاثاء ضد «الدولة العسكرية»، واضحة بما فيه الكفاية لإدراك أزمات شمال غرب إفريقيا.
الموقف الموريتاني تجاه نزاع الصحراء من حيث التقاطع معه ترابيا وسياسيا واستراتيجيا، فتضارب الموقف الرسمي تجاه نزاع الصحراء منذ الستينات إلى يومنا هذا، وإعلان موقف مناقض للواقع السياسي في المنطقة من حيث الاحتماء بالحياد. ترابيا، هناك رغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه ، فوضع المنطقة الممتدة من الكركرات إلى الكويرة، يشكل إحراجا في علاقات الدولة الموريتانية بالنزاع الإقليمي. وأبانت أحداث الكركرات الأخيرة، ودور الموقعين الموريتانيين الزويرات وبولنوار كقاعدتين خلفيتتين للبوليزاريو حساسية الموقف الموريتاني في نزاع الصحراء،وتحاول بعض المواقف الدبلوماسية القفز على هذا الواقع من حين لآخر.
في هذه المقالات، التي تشكل فصولا من كتاب قيد الإعداد، نحاول الإمساك بالبعد اٌلإقليمي لنزاع الصحراء انطلاقا من وثائق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية المستندات الرسمية للمملكة المغربية، ووثائق رسمية للدولتين الجزائرية والموريتانية، إضافة إلى وثائق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة إلى الأمام وجبهة البوليزاريو.

 

الموقف الجزائري
في اللجنة الرابعة

بعد أن وصل الهواري بومدين إلى الحكم إثر انقلاب عسكري يوم 5 يونيو 1965، وبعد التوتر الذي حصل قبلا مع المغرب في حرب الرمال 1963، دخلت الدولة الجزائرية إلى ملف الصحراء وإفني، من باب اللجنة الخاصة واللجنة الرابعة، ولأول مرة صرح المندوب الجزائري لدى الأمم المتحدة برأي بلاده تجاه تصفية الاستعمار في «الصحراء الاسبانية». في اللجنة الرابعة جلسة رقم 1674، مساء يوم الخميس 15 دجنبر 1966، والمخصصة لدراسة الوضعية في المستعمرات الاسبانية. طلب الكلمة الممثل الدائم للجزائر لدى المم المتحدة توفيق بوعطورة (عين توفيق بوعطورة ممثلا دائما للجزائر لدى الأمم المتحدة ابتداءا من غشت 1964، وكان قبل ذلك يشغل مدير الشؤون السياسية بوزارة الخارجية، في حين كان يشغل منصب ممثل الجزائر قبله عبد القادر شاندرلي، من 1962 إلى 1964)، لإبداء رأيه في قضية الصحراء الاسبانية. وتمحورت مداخلة المندوب الجزائري حول العلاقات بين الجزائر والصحراء الاسبانية، وأن الجزائر متضامنة مع أي شعب نحو الاستقلال، وأنها سعيدة بمنح الاستقلال للصحراء، وأن سكانها مرتبطون بالجزائر من حيث الدم والثقافة والحضارة ( الفقرة11).
ركز عطوني أيضا على الأهمية الجغرافية للصحراء الواقعة بين المغرب وموريتانيا والجزائر، من كون مستقبل الصحراء سيكون حاسما للتطورات الآتية ولاستقرار المنطقة. وتحدث عن الحدود بين الجزائر والصحراء حيث تنتقل قبائل ولعدة أشهر للاستقرار في بلاده، وربط بين حرب التحرير الجزائرية والصحراء، وأن مستقبل الصحراء مرتبط بالأمن والسلم في المنطقة( الفقرة 12).
بيد أن الأهم هو ما تضمنته الفقرة 13 من تقرير الجلسة 1674 للجنة الرابعة، ص 602. يصرح مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة، بأن الشعب الجزائري يطور علاقاته مع كل الدول، وخصوصا تلك التي يشترك معها الحدود والمصير المشترك أفضل العلاقات والتعاون وحسن الجوار. وانطلاقا من روح قرارالجمعية العامة رقم 1514، فإن موقف المغرب في أديس أبابا عادل وإيجابي ،(قمة 5-9 نوفمبر 1966، والقرارات الصادرة عنها حول الصحراء الاسبانية وإفني) ونفس الشيء بالنسبة للوفد الموريتاني، كما نوه عطوني بإسبانيا، وفي الفقرة 14 يؤكد بأن الأطراف المهتمة بالموضوع (اسبانيا و المغرب وموريتانيا) سلكت نفس السلوك الكفيل الذي يمكن من حل هذا المشكل في إطار من التعاون.
وتم التصويت على القرار في مجمله ب 84 صوتا معه وضده دولتان، وامتنعت 7 دول عن التصويت.
لاشك أن الموقف الموريتاني في اللجنة الخاصة ومطالبتها بالصحراء الاسبانية كاملة، والسند الذي أبدته دول عدة عربية ودولية تجاه مطلب المغرب باسترجاع إفني والصحراء، دفع اسبانيا للتراجع عما صرح به مندوبها في الجلسات الأولى حول مشروعية المغرب في الصحراء وإفني. وغيرت اسبانيا موقفها بعد ذلك تجاه المغرب، واعتبرت اسبانيا وجود العمال المغاربة في جبل طارق دعما لاستعمار المملكة المتحدة لجبل طارق. ورد مندوب المغرب الداي سيدي بابا على الاتهامات الاسبانية للمغرب للتنصل من التزاماتها بتصفية الاستعمار في اجتماع اللجنة الرابعة، الجلسة 1671 بتاريخ 14 دجنبر 1966. وأن هناك جنسيات متعددة تشتغل في جبل طارق، لكن ما أغاض الاسبان هو استمرار التواصل البحري والجوي بين المغرب وجبل طارق، في الوقت الذي فرضت فيه اسبانيا حصار كاملا على جبل طارق. وذكر المغرب اسبانيا بأنه يساندها في استرجاع جبل طارق من المملكة المتحدة، وساهم في تحرير وتوقيع عريضة حول الموضوع، قدمت إلى الأمم المتحدة، لأن استعادة اسبانيا لجبل طارق سيطرح حتما إعمال نفس المقاربة بإعادة سبتة ومليلية إلى المغرب.
القرار الذي تمت المصادقة عليه في هذه الجلسة رقم 2229، الدورة 21، يتضمن حيثيات قرار 1514، و قرار 2072 المؤرخ في 14 دجنبر 1965، و يحيل إلى القمة الثالثة لمنظمة الوحدة الإفريقية المنعقد بأديس أبيبا من 5 إلى 9 نوفمبر 1966، بخصوص المناطق الواقعة تحت الإدارة الاسبانية.
وتضمن القرار أربع فقرات، تتعلق بتصريح مندوب اسبانيا حول إفني والصحراء يوم 7 دجنبر 1966، وخاصة إرسال بعثة أممية إلى هذه الأقاليم، وعودة اللاجئين وحق تقرير المصير للسكان.
وتنص النقطة الأولى من القرار على حق شعبي إفني والصحراء في تقرير المصير. بيد أن النقطة الثالثة تتضمن توجها جديدا في قرارات الأمم المتحدة تجاه هذين الإقليمين، وقد أثارت هذه النقطة نقاشات واسعة داخل الجمعية العامة واللجنة الرابعة من حيث دعم هذا التوجه أو تفسير التصويت. تطلب الأمم المتحدة في هذه النقطة من الإدارة الاسبانية إزالة الاستعمار من إفني وتحدد مع الحكومة المغربية، انطلاقا من تطلعات السكان، أشكال نقل السلطات إلى المغرب، وفقا للقرار 1514. وكانت هذه النقطة بابا جديدا نحو استعادة الصحراء بعد إفني، وهو ما تضمنه تصريح مندوب المغرب الداي ولد سيدي بابا مباشرة بعد المصادقة على قرار2229. النقطة الرابعة تطلب فيها الجمعية العامة الإدارة الاسبانية، أن تتوقف حالا وانسجاما مع تطلعات السكان المحليين في الصحراء الاسبانية، وبتشاور مع الحكومتين المغربية والموريتانية، وأي جهة مهتمة أشكال تنظيم استفتاء، سيجري تحت إشراف الأمم المتحدة، ويحدد القرار أربع خطوات لتسهيل عملية إجلاء الاستعمار عن الصحراء:
* خلق مناخ سياسي ملائم من أجل إجراء الاستفتاء بشكل جيد بما في ذلك عودة اللاجئين.
* أخذ كل التدابير التي تسمح بمساهمة السكان المحليين فقط.
* الامتناع عن أي عمل يؤخر مسلسل إجلاء الاستعمار في الصحراء الاسبانية.
* منح كل التسهيلات لبعثة الأمم المتحدة لكي تتمكن من المساهمة في إجراء الاستفتاء.
* الفقرة الخامسة من القرار تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة حالا تعيين بعثة للإشراف على الاستفتاء وتطبيق قرارات الأمم المتحدة حول الموضوع.
الفقرة السادسة، تطلب الجمعية العامة من اللجنة الخاصة الاستمرار في النظر إلى الموضوع

كان الداي ولد سيدي بابا أول المتدخلين بعد التصويت على القرار الخاص بإفني والصحراء الاسبانية، فشكر الدول الافريقية والأسيوية، وتمنى أن تعي الدولة الاسبانية بالسياقات الجديدة لصالح تحرير المناطق الاستعمارية. وذكر ممثل المغرب أن بلاده حددت موقفها تجاه إفني والصحراء، في اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمر، سواء في نيويورك أو أديس ابيبا.
وأنه منذ 10 سنوات، منذ حصوله على الاستقلال، لم يتوان المغرب عن إقناع إسبانيا، التي يرتبط وإياها بعلاقات صداقة ومنذ القدم، بالتأكيد على حل كل النزاعات الترابية بين البلدين، المتبقية من الفترة الاستعمارية، وأنه فيما يخص مبادئ قرار 1514، وتطبيقها في إفني والصحراء بشكل حيادي والجدية، سيختار السكان قدرهم، مستندين إلى ماضيهم وروابطهم الثقافية ومصالحهم.
في هذه الجلسة تمحور النقاش حول القرار 1514، وطبيعة السكان المتنقلين باستمرار، وقلتهم في مساحات جغرافية كبيرة، الفكرة الثانية تمحورت حول إرسال بعثة أممية إلى إفني والصحراء الاسبانية. بيدأن هذه البعثة لن ترى النور إلا في صيف 1975. تجدر الإشارة إلى أن ممثل موريتانيا ( عبد لله ولد داداه)تحفظ على بعض فقرات القرار.
قرارات الجمعية العامة حول إفني والصحراء 1966-1974

بناء على توصيات اللجنة الخاصة أو اللجنة الرابعة، اعتمدت الجمعية، في الفترات الممتدة من 1966 إلى 1974، قرارات تتعلق بتصفية الاستعمار في إقليمي إفني والصحراء الاسبانية لتمكين شعبيهما حق تقرير المصير.
ويعد قرار 2229 الصادر بتاريخ 20 دجنبر أهم إحالة أممية إلى ضرورة التشاور مع حكومتي المغرب وموريتانيا بشأن الإقليم، وسيكون هذا القرار مرجعا أساسيا في نقاشات الجمعية العامة في 1974،التي سيكون لها دورا في توجيه الأحداث التي ستعرفها المنطقة برمتها في العام 1975.
وبعد استعادة المغرب لإفني العام 1969، اقتصرت القرارات الأممية على الصحراء الاسبانية، وكانت المقررات الأمية كلها إحالة إلى قرار 3292(د-29) سنة 1966، مرجعا أساسيا لمطالبة اسبانيا بتقرير المصير.
في العام 1967 تبنت الجمعية العامة قرارا بشأن إفني والصحراء الاسبانية، في نفس السنة صوتت اللجنة الرابعة على قرار يهم الإقليمين بأغلبية 97 صوت و3 أعضاء امتنعوا عن التصويت، ولم يصوت أي عضو ضد القرار، وأحال إلى قرار اللجنة الخاصة في 16 أكتوبر 1964، وقرارات الجمعية العامة 2072 المؤرخ في 16 دجنبر 1965، والقرار2220 بتاريخ 20 دجنبر 1966، ولاحظ القرار 2354 أن اسبانيا لم تقم بعد بوصفها الدولة القائمة بالإدارة بتطبيق أحكام القرار 1514.
في هذا القرار أيضا إحالة إلى القرار الذي اتخذته القمة الإفريقية الثالثة في أديس أبيبا المنعقدة من 5 إلى 9 شتنبر 1966، بشأن الأقاليم الواقعة تحت الإدارة الاسبانية. جاء هذا القرار في سياق إفريقي ومغاربي غلب عليه الصراعات الإقليمية والقارية، لكن هذه أول مرة يصدر فيها مقرر حول إفني والصحراء من لدن منظمة الوحدة الإفريقية، وهو القرار الذي شكل جوهر مداخلة مندوب الجزائر السالف الذكر. قرار أعدته «لجنة التحرير»، وهذه اللجنة تكونت في البداية من 7 دول ليرتفع العدد فيما بعد إلى 9دول، وكان مقرها بدار السلام بتانزانيا، وكان دورها هو مساندة حركات التحرير الإفريقية، وقراراتها تؤخذ بالأغلبية. رئيس اللجنة Oscar Kambouna، وزير خارجية تانجانيقا (تانزانيا) صرح بأنه إذا لم تذكر الصحراء الاسبانية وإفني، فإن أي حركة تحرير لم تطلب السند من اللجنة، وهنا تدخل مندوب المغرب لشرح الوضع في المنطقة.
بيد أن الوضع كان معقدا من حيث وجود موريتانيا التي لم تعترف بها أي دولة في المنطقة باستثناء تونس. إشكال جمع بين المرجع المبدئي والإشكال السياسي الإقليمي.
يذكر أن «لجنة التحرير» التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية اجتمعت غير ما مرة في المغرب وتم استقبالها من لدن الملك الحسن الثاني.
بتاريخ 8 شتنبر 1966، تلقت «اللجنة الخاصة» رسالة من المندوب الدائم لاسبانيا لدى الأمم المتحدة وموجهة إلى رئيس اللجنة الخاصة، في سياق المراسلات بين اسبانيا والأمين العام للأمم المتحدة، وأخبر المندوب الدائم اللجنة الخاصة، بنية بلاده تطبيق قرار الجمعية العامة رقم 2270 (الدورة 20). في هذه الرسالة تقول الحكومة الاسبانية أنها ، وتبعا لتحول موقف بعض الدول في اتجاه إقرار تقرير المصير للصحراويين، فإن الحكومة الإسبانية ترى إمكانية تطبيق قرار 2270، ليستطيع سكان الصحراء التعبير عن رغباتهم دون أي ضغط. وفيما يخص إفني تتابع الرسالة، إن حكومة اسبانيا يمكنها إقامة اتصالات مع حكومة المغرب بهدف إعادة المشروعية وبالتشاور مع السكان لتحديد مصيرهم.
وأكد المندوب الدائم لاسبانيا لدى الأمم المتحدة أنه مستعد أن يفتح محادثات مع الأمين العام لدراسة إمكانية إرسال بعثة أممية إلى الصحراء الاسبانية، لتتطلع وبطريقة مباشرة وموضوعية على الوضع في الصحراء، و أن لا تكون لأعضاء البعثة مصالح مباشرة في الصحراء، ولا يمثلون أي دولة لها مطالب ترابية، و أن يكونوا حياديين، وأن ينقلوا خصوصية المنطقة و الحقيقة كما هي، لتقديم صورة عن رغبات السكان فيما يخص رسم مستقبلهم.


الكاتب : الموساوي العجلاوي

  

بتاريخ : 20/04/2021