الحاجة لتحديث البناء التنظيمي لمهنة المحاماة

لا يقف المفهوم المعاصر للهياكل التنظيمية عند حـد اعتباره خريطة تنظيمية توضـح التبعية الإدارية، مسؤولية الإشراف أو مجرد تحديد منضبط للاختصاصات الوظيفية للوحدات الإدارية المكونة للتنظيم، وإنما يمثل مع كل هذا أداة هدفها النهائـي إلغـاء المعيقات البيروقراطية التي تعرقل أداء المؤسسات وتحد من انطلاقها نحو تحقيق غاياتها.
ويكمن سر نجاح المؤسسات بالأساس في بناء هياكل تنظيمية فعالة قادرة على خلق بيئة مناسبة تيسر عمل الأجهزة بشكل يضمن تحقيق درجة عالية من التكيف والتطابق بين الهيكل التنظيمي وأهدا ف المؤسسة باعتماد معقلن لكفاءة العنصر البشري.
ويرى المهتمون أن الهيكل التنظيمي يشبه إلى حد كبير، من حيث وظائفه، الهيكل العظمي للإنسان على اعتبار أنه يمسك بالأنظمة الفرعيـة المختلفة للجسم،بحيث بدون هذا البنيان تبقى مختلف الدوائر والأقسام مجرد وحـدات منعزلة عن بعضها يتعذر عليها أداء وظائفها بالشكل المطلوب.
هذا المنطق في تصور الأشياء، يصدق على البناء التنظيمي لمهنة المحاماة، باعتبار هذا البناء يخضع لنفس المعايير والأوصاف من منطلق أن المؤسسات المهنية بشكل عام، تضعف أو تقوى بحسب درجة مثانة وصلابة الهياكل المشرفة على تدبير الشأن المهني.
وقد طرحت مؤخرا، وبحدة ملحوظة، إشكالية الأجهزة التنظيمية لمهنة المحاماة، خاصة بعد مراجعة مفهوم السلطة القضائية بمقتضى دستور 2011، وتحديث هياكلها التنظيمية بمقتضى القوانين التنظيمية ذات الصلة بتنزيل الفصل السابع من هذا الدستور، حيث بدا واضحا بعد هذه التعديلات، تراجع في أداء المؤسسات والتنظيمات المهنية للمحامين التي لم يعد ثوبها التشريعي يتسع لأداء رسالتها الإنسانية بالشكل المطلوب، الأمر الذي طفى معه للسطح مطلب دسترة المحاماةبشكل يضمن تصورا جديدا للدولة بشأن الأدوار المنتظرة من المهنة، كما هو الشأن بالنسبة لبعض التشريعات المقارنة، وذلك كله عبر مدخل أساسي يتجسد في إحداث مجلس وطنيللمحاماة (أو للمحامين)يكون ممثلالمهنة المحاماة أمام القضاءوأمام السلطات والإدارات العمومية المركزية، وكذلك في كل ما يتجاوز نطاق اختصاصات هيئات المحامين المختلفة.
فهل يمكن اختزال أزمة المحاماة حاليا في كونها مجرد أزمة بنية تنظيمية، أم أن تجاوز كل أزمات المهنة لن يتم دون البدء بمراجعة شاملة للهندسة الهيكلية للمهنة بشكل عام؟
قبل البحث عن أجوبة لهذه الإشكالية، لابد من الإشارة إلى أن المحاماة ليست في منآى عن التحولات التي يشهدها محيطها، ولا عن رياح التغيير الجارفة التي لا تؤمن بالجمود والسكون، الأمر الذي يدعونا جميعا إلى إبداء الاستعداد للتعايش مع كل المستجداتالتي قد تفرض مراجعة شاملة لتصور الدولة والمهنيين على حد سواء لمهنة المحاماة، ومن ثمة للتشريع المنظم للمهنة، والذي سيتولى صياغةالآلياتالتنظيمية القادرة على مسايرة كل هذا الكم الهائل من التحولات.
وسنحاول هذه المساهمة ملامسة أهم العوامل الداعية لمراجعة البناء التنظيمي لمهنة المحاماة في المغرب، قبل الانتقال لعرض بعض الاقتراحات في هذا الشأن:
أولا: موجبات المراجعة:
يمكن رصد أهم العوامل الداعية لمراجعة الهيكل التنظيمي لمهنة المحاماة من خلال العناصر التالية:
تصور الدولة لمهنة المحاماة يحد من نجاعة أجهزتها:
لا يمكن الوقوف على حقيقة هشاشة البناء التنظيمي للمحاماة دون الوقوف على طبيعة التصور الذي يحكم فكر الدولة في تفاعلها مع مهنة المحاماة، وهو التصور الذي تختزله نصوص القانون المنظم للمهنة نفسه من مقتضيات، على اعتبار أن هذه النصوص القانونية بحكم طبيعتها، تتولى وضعها الدولة من خلال سلطات دستورية خاصة بالتشريع، دون إغفالالأحكام الدستورية المتعلقة بالدفع بعدم الدستورية والتي لم تفعل لحد الآن ويتم الالتفاف حولها بشكل يكرس نوعية الانطباع الذي للدولة حيال المهنة.
ففي جميع هذه الحالات، يكون من الطبيعي أن تفرغ الدولة تصورها لمهنة المحاماة ضمن أحكام هذه المقتضيات التشريعية، مما يسمح بأخذ فكرة كافية عن هذا التصور من خلال تلك النصوص، وبالتالي الوقوف على ما إذا كانت ستساعد على تأهيل المحاماة لأداء رسالتها كاملة، أم أن الأمر بخلاف ذلك، وهو ما سيلي عرضه من خلال النقاط التالية:
عدم دسترة مهنة المحاماة:
لا غرابة في أن يصبح أهم مطلب للمحامين المغاربة مؤخرا هو التعجيل بدسترة مهنة المحاماة واعتبارها مؤسسة يوثق بها في القيام بمهام الدفاع والنيابة والمؤازرة، وكذلك في تكريس دورها المجتمعي كرسالة إنسانية نبيلة، تشارك القضاء في تحقيق العدالة.
وقد سبق للمحامين قبل رفع هذا المطلب أن أكدوا على أهمية إنشاء مجلس وطني للمحامين، وهو ما صادق عليه الحوار الوطني للإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، وتم تضمينه، وإن بشكل متأخر، بالمسودة الحالية لمشروع قانون المهنة المزمع عرضه قريبا على المؤسسة التشريعية.
وقد يكون إنشاء المجلس الوطني للمحامين مدخلا مهما لدسترة المحاماة بالمغرب، على اعتبار أن هذا المجلس سيكون ممثلالمهنة المحاماة أمام القضاءوأمام السلطات والإدارات العمومية المركزية، كذلك في كل ما يتجاوز نطاق اختصاصات هيئات المحامين، وفقا لما سيلي تفصيله لاحقا.
المحامون كمساعدين للقضاء:
كما لا يخفى على الجميع، فإن المحامين في تصور الدولة –على الأقل في ظل القانون الحالي – هم مجرد مساعدين للقضاء بصفتهم جزء من أسرة القضاء.
ولا غرابة في أن يكون هذا الموقع الذي أراده المشرع للمحاماة قد ساعد بشكل أو بآخر في تواضع الأداء المهني للمحامين وفي تراجع أدوار مؤسساتهم وإطاراتهم على مستوى قيادة الفكر الحقوقي والسياسي بالمغرب، وجعل بالتالي المهنة تتحول يوما بعد يوم لمجرد مهنة لكسب العيش اليومي، مما جعل الدولة تواجه إشكالات كبرى بنخب فاقدة لأي وعي سياسي قادر على مواجهة التحديات والرهانات المستجدة.
كما أن اعتبار المحامين مجرد مساعدين للقضاء، والمحاماة جزء من أسرة القضاء، هو أمر يفرض على القضاء أن يتولى بنفسه معالجة مختلف القضايا بكل حمولاتها السياسية، وهو ما يحضر على القضاة الخوض فيه وفقا لأحكام الدستور، وكذلك وفقا لمقتضيات النظام الأساسي للقضاة، ولنصوص مدونة الأخلاقيات القضائية.
هذه المعطيات، تجعل من المبرر الإسراع بإخراج المحاماة من تلك الجبة الضيقة، ووضعها في فضاء يتسع للقيام بالمهام المنتظرة منها، خاصة في ظل الحديث عن قرب الافراج عن قانون جديد للمهنة، الأمر الذي يشكل مناسبة قد لا تتكرر إلا بعد ما يزيد عن عشرين سنة أخرى، وهي مساحة زمنية لا ينبغي هدرها نصرة لقضايا كبرى تهم الدولة والمجتمع على حد سواء.
غياب أي دعم رسمي للمؤسسات والاطارات المهنية بالمغرب:
يكاد يجزم المتتبع لشأن المحاماة بالمغرب أنه لولا الإمكانيات المادية التي يوفرها الفصل 57 من قانون المهنة لهيئات المحامين (حساب ودائع وأداءات المحامين)لأصبح من المستحيل على هذه الهيئات الاستمرار في تحمل تكاليف تسيير وتدبير المهام التي أوكلها لها القانون المنظم للمهنة، سواء المتعلقة منها بنفقات التسيير أو المتعلقة بتكاليف التكوين والتكوين المستمر للمحامين، والإشراف على إعداد وتكوين الأفواج المتلاحقة من المتمرنين، وتحمل مصاريف كل ما يرتبط بتجهيز الفضاءات المهنية، وأداء مستحقات المؤسسات المكلفة بالحماية الاجتماعية من استشفاء وتغطية صحية وتقاعد وتأمين عن مختلف أشكال المسؤولية. (مع التذكيربأن شريحة واسعة من المحامين وإطاراتهم قد عبروا عن رفضهم لمقتضيات الفصل 57 المشار إليه بداية الأمر).
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لهيئات المحامين، فإن الأمر يبقى أكثر إحراجا بالنسبة للإطارات المهنية للمحامين، وفي مقدمتها جمعية هيئات المحامين بالمغرب وغيرها من الإطارات المهنية المؤسسة في إطار ظهير الحريات العامة، وكذلك الشأن بالنسبة لنقابة المحامين بالمغرب والمؤسسة في نطاق ظهير 1957 المتعلق بالنقابات المهنية.
فكل هذه الإطارات المهنية خارجة عن دائرة اهتمام المشرع بشكل تام، ولا تستفيد بالتالي من أي دعم من قبل الدولة ومؤسساتها، الأمر الذي قد يحد من فعاليتها ومن نجاعة كأليات تنظيمية فادرة على لعب أدوار حاسمة خدمة للشأن المهني وخدمة كذلك للصالح العام.
ثانيا: مقترحات تنظيمية:
سيلاحظ من خلال تصفح بسيط للقانون رقم 08/28 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة أنه يتكون من قسمين، خصص الأول منهما لتبيان مقتضيات الولوج للمهنة ولكيفية ممارستها، ولواجبات المحامين ولحقوقهم خاصة المرتبطة منها بحصانة الدفاع، والتأديب والتوقف والانقطاع عن المزاولة، وهي الأحكام التي وردت في سبعة (7) أبواب مقسمة لعدة فروع صيغت فيما يزيد عن 30 صفحة. بينما خصص القسم الثاني من هذا القانون للجانب الهيكلي للمهنة، وهو القسم الذي تولى تبيان الأجهزة التنظيمية للهيئات واختصاصاتها، والذي بالرغم من أهميته، إلا أنه لم ينل حظه من اهتمامات المشرع بالقدر المطلوب بحيث لم يشر إلا لمؤسستي النقيب والمجلس (وبشكل موجز ومختصر لا يتجاوز أربع (4) صفحات) في تجاهل تام لباقي الإطارات المهنية للمحامين، وفي مقدمتها جمعية هيئات المحامين بالمغرب ونقابة المحامين بالمغرب والإطارات الشبابية والنسائية وهو ما جعل كل هذا الزخم التنظيمي خارج دائرة المشاركة الهيكلية الفعالة للمهنة، الأمر الذي انعكس سلبا على التكامل التنظيمي للمهنة وكرس هشاشة في بنيتها الهندسية، فأصبح البعد التنظيمي للمهنة عامل ضعف، بدل أن يكون عنصر قوة.
لذلك فإن القانون المنتظر لمهنة المحاماة، لا يمكنه بأي حال من الأحوال إلا أن يستحضر هذه المعطيات البالغة الأهمية، ويعمل على سن مقتضيات عملية تهم الشكل التنظيمي الفعال الذي من شأنه تأهيل الهيئات وأجهزتها ومختلف الإطارات المهنية للمحامين للقيام بأدوارها بشكل يساعد على النهوض بالأدوار التاريخية للمحاماة. وفي هذا الإطار يمكن اقتراح ما يلي:
مراجعة البناء التنظيمي لمهنة المحاماة:
لا شك أن القانون الحالي المنظم لمهنة المحاماة أصبح متجاوزا بشكل واضح بفعل متغيرات واقعية وتشريعية لاحقة على صدوره، وفي مقدمتها دستور 2011 الذي أعلن مجموعة من المبادئ التي جعلت من القانون رقم 08/28 تلاحقه شبهة عدمالدستورية.
لذلك، فإن المراجعة الشاملة لهذا القانون أصبحت أمرا مطلوبا بإلحاح شديد، خاصة في الشق المتعلق منه بتحديد الأجهزة واختصاصاتها، وعلاقتها بالتنظيمات المهنية الموازية.ويمكن تحديد أهم المقترحات الآنية بهذا الشأن فيما يلي:
الإسراع بإحداث المجلس الوطني للمحاماة:
شكل إحداث المجلس الوطني للمحاماة بالمغرب مطلبا لدى فئة من المحامين، رفعوه بشكل محتشم خلال منتديات ولقاءات مهنية طيلة العقدين الأخيرين. غير أن هذا المطلب، قدم بشكل رسمي للحوار الوطني للإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة من طرف نقابة المحامين بالمغرب، وهو المقترح الذي تبناه ميثاق الحوار الوطني الصادر ستة 2013، وصاغه في شكل توصية رقم 164 من هذا الميثاق والتي نصت على ضرورة إحداث مجلس وطني لهيئات المحامين يكون من ضمن مهامه بالإضافة لوضع التصورات العامة للتكوين الأساسي والمستمر للمحامين، وضع نظام داخلي موحد لهيئات المحامين ومدونه سلوك وأخلاقيات المهنة، كما تم ربط هذه التوصية بتنزيلها ضمن أجندة زمنية لا تتجاوز سنة 2015.
ويلاحظ في هذا الإطار بأن المشرع ماض نحو تنزيل هذا المقتضى من خلال ما يبدو من مسودة مشروع قانون المهنة المقترح من طرف وزارة العدل، والذي فضل تسمية هذا الجهاز بالمجلس الوطني للمحامين، بدل «لهيئات المحامين».
ورغم أن وزارة العدل قد أغلقت – لأسباب مختلفة – باب الحوار مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب بشأن الحوار حول إيجاد صيغة مشتركة للمجلس الوطني، إلا أن المقترحات المقدمة من طرفها، وإن كانت لا ترقى للحد الأدنى المطلوب، وتكرس في ذات الحين التصور التقليدي للدولة حيال مهنة المحاماة، إلا أنها مع ذلك تبقى مقترحات يمكن الانطلاق على قاعدتها من أجل التأسيس لمجلس وطني تراعى في تشكيله واختصاصاته وسلطاته معايير متعارف عليها، ولا تقل عما هو مقرر في التجارب المقارنة، وهو أمر يدعو كافة المتدخلين في الشأن المهني لتقديم مقترحاتهم بخصوص هذا المجلس بدل الاكتفاء برفضه، أو بمجرد انتقاد المقترحات دون تقديم البدائل.
تفعيل دور الجمعية العامة:
تعتبر الجمعية العامة من أهم الأجهزة التنظيمية للهيئات بحكم أنها تتألف من جميع المسجلين بالجدول. ومع ذلك فهي لا تملك أية سلطة لاتخاذ أي قرار باستثناء القرار الانتخابي على رأس كل ثلاث سنوات أو بمناسبة انتخابات جزئية إذا لزم الأمر. بل الأدهى من ذلك أن هذا الجهاز لا يملك حتى سلطة محاسبة لا مؤسسة النقيب ولا مؤسسة المجلس اللتين ينتخبهما خلافا لكل الضوابط المتعارف عليها بهذا الخصوص والتي تعطي للجهة الناخبة سلطة محاسبة ومراقبة الجهة المنتخبة، وهو الأمر الجاري به العمل داخل كل المؤسسات والأجهزة المنتخبة.
لذلك فقد ارتفعت منذ مدة أصوات تدعو لإنصاف الجمعية العامة لهيئات المحامين وذلك بجعلها جهازا تقريريا في كل ما يتعلق برسم توجهات وبرامج وأنشطة الهيئة، مع تحويل مؤسستي النقيب والمجلس لجهازين تنفيذيين لقرارات الجمعية العامة، مع منح هذه الأخيرة صلاحيات مراقبة ومحاسبة الجهازين المذكورين، بما في ذلك منحها سلطة سحب الثقة إذا لزم الأمر.
وتعتبر هذه النقطة بدورها إحدى مخرجات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، حيث أكدت التوصية رقم 166 من الميثاق على ضرورة إعطاء الجمعية العمومية لهيئات المحامين صلاحية المراقبة والمحاسبة المهنية.
غير أنه بالرغم من ذلك، فإن المسودة مشروع قانون المهنة المقترح من طرف وزارة العدل، لا تتضمن للأسف الشديد أي تنزيل لهذا التوجه الذي يشكل مطلبا أساسيا للمحامين، والذي خصه الميثاق الوطني لإصلاح العدالة بتوصية لم تلتزم بها المسودة، الأمر الذي يدعو إلى تكثيف الجهود من أجل فرض هذا المقتضى ضمن نصوص مشروع القانون هذا.
كما أن نفس هذه المعطيات، تدعو الهيئات إلى تضمين أنظمتها الداخلية مقتضيات تمكن الجمعية العمومية من التقرير ومن مراقبة أجهزتها المنتخبة ومحاسبتها طبقا لما تتيحه ضوابط المحاسبة المعمول بها في المهن والقطاعات المماثلة.
الانتخاب باللائحة:
من القضايا التنظيمية التي أضحت مطلبا أساسيا للمحامين، ضرورة اعتماد التصويت بنظام اللائحة أو القائمة فيما يتعلق بانتخاب مؤسستي النقيب والمجلس، بغية ضمان نوع من التناغم والتجانس بين المؤسستين.
فجل التجارب تؤكد على أن الانتخابات المهنية غالبا ما تفرز نقيبا من تيار أو من توجه مهني أو سياسي معين، بينما يتشكل المجلس من توجه آخر، وهو أمر ينقل الأجواء التنافسية لما قبل عملية الاقتراع، لتصبح موجها لعلاقات المؤسستين معا، ويحد من فعاليتهما معا، وهو أمر مشهود به، جعل فترة ولايات مهنية تمر في صراعات لا تخدم مصالح المهنة والمهنيين ولربما المتقاضين على حد سواء. وهو أمر يشرعن لبعض النقباء ولبعض أعضاء المجالس التحجج بعدم الانسجام، وبتبرير ضعف أداء المؤسستين بمنطق «الأغلبية والمعارض».
لذلك فإن اعتماد التصويت باللائحة، قد تكون له نتائج إيجابية، خاصة وأنه يصير بالنقيب المنتخب وبفريق عمله لموقع مسؤوليتهما معا كفريق متناغم ومنسجم، ينكب على تنزيل برنامج متوافق عليه سلفا، ويغني عند المحاسبة عن التحجج بغياب التوافق في الرؤى بين المؤسستين.
كما أن نظام التصويت باللائحة يضمن توفير الجهد وهدر الزمن الانتخابي وتكلفته، بحكم أن الاقتراع يتم في عملية تصويت واحدة، عبر اختيار لائحة تضم على رأسها مرشح لمنصب النقيب (وكيل اللائحة)، كما تضم باقي أعضاء المجلس بتنوع فئاتهم.
اعتماد مقاربة النوع:
من المطالب المرفوعة كذلك بشأن تحديث الأجهزة والهياكل التنظيمية لمهنة المحاماة، اعتماد مقاربة النوع والتمثيلية النسائية داخل مؤسساتها. وفي هذا السياق، نذكر كذلك بمضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي أورد في توصيته رقم 165 دعوة لمراجعة قانون المحاماة بما يضمن تحقيق المناصفة (حسب التعبير الحرفي للتوصية).
ويبدو أن هذا التوجه بدوره تم اعتماده من طرف مسودة المشروع المقترح، والذي جاء في الفقرة الأخيرة من مادته 121 على أنه «يجب ضمان التمثيلية النسبية للنساء المحاميات من بين الأعضاء المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل الهيئة.»
ولا ينبغيبأي حال من الأحوال، اعتبار هذا المنحى ترفا تشريعيا، وإنما هو توجه يروم تحديث البنيات التنظيمية للمحامين عبر إشراك الشباب والنساء في تدبير الشأن المهني وفق رؤى وتصورات جديدة تضمن الأخذ بعين الاعتبار لمصالح وحقوق كامل فئات المهنية دون أي استثناء.
اعتماد الإطارات المهنية شريكا:
لا يتضمن القانون المنظم لمهنة المحاماة الحالي أية إشارة لأي إطار مهني بما في ذلك جمعية هيئات المحامين بالمغرب، بالرغم من أهمية هذه الإطارات وأدوارها التاريخية في المشهد المهني. وهذا أمر يحيلنا بدوره على التصور الذي يخيم على فكر الدولة حيال مهنة المحاماة.
والواقع أن التجربة أثبتت أن العمل بين الهيئات وبين مختلف الإطارات المهنية للمحامين، هو عمل تكاملي وليس إقصائي، على اعتبار أن المشهد المهني لا يمكن تجزئته ولا فصل مشهد منه عن الآخر.
لذلك فإن المطلب هنا لا يتعلق بإدماج الإطارات المهنية للمحامين ضمن هياكل الهيئات، ولا تنظيم هذه الإطارات بمقتضى القانون المنظم للمهنة، وإنما تضمين قانون المهنة آليات كفيلة بتمتين أواصر العمل المشترك بين الهيئات والإطارات المهنية بشكل يجعل من هذه الأخيرة (كإطارات يتولى المحامون تأسيسها بمقتضى أنظمة أساسية) شريكا مهنيا للهيئات (كمؤسسة تتولى الدولة تأسيسها بمقتضى القانون).
هذا موجز مقتضب لبعض المقترحات التي تروم تحديث الهيكل التنظيمي لمهنة المحاماة على ضوء المتغيرات والمستجدات الراهنة، والتي تتوخى تأهيل الأجهزة المهنية بنيويا لتقوى على مجابهة تحدياتها الآنية.

(*)محامي بهيئة مراكش


الكاتب : الراجي الحسين (*)

  

بتاريخ : 25/11/2023