الخلاف الأوروبي حول تدبير الهجرة ماز ال مستمرا


الميثاق الأوروبي للهجرة التي كشفت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لايين، لم يلق الإجماع المنشود، وناهضته بشدة بلدان أوربا الشرقية أو ما يسمى مجموعة «فيشيغراد، التي قاومت بشدة جهود الاتحاد الأوروبي السابقة لتوزيع اللاجئين باستخدام نظام الحصص الإلزامي.
وأصبحت هذه البلدان عائقا حقيقيا لإيجاد أي حلول توافقية بين البلدان الأعضاء بالاتحاد الأوروبي.
وقد استطاعت حتى الآن افشال كل المقترحات التي تمت منذ 2015 حيث تدفق أكثر من مليون مهاجر على أوروبا واستقبلت أغلبيتهم الساحقة ألمانيا.
الميثاق الأوروبي الجديد، والذي يريد تجاوز اتفاقية ديبلان الأوروبية، والتي وصلت إلى الباب المسدود، وهي اتفاقية تنص على أن يتم استقبال المهاجرين أو اللاجئين ببلد الوصول، وهو ما جعل بلدانا مثل اليونان،إيطاليا غير قادرة على تدبير هذا الوصول لوافدين جدد لوحدها.
الميثاق الأوروبي الجديد، الذي سيعرض على المجلس الأوروبي الأسبوع المقبل، ينص على فرض ضوابط جديدة أكثر صرامة على الحدود وإجراءات موحدة لطرد طالبي اللجوء المرفوضين.لكن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان قال إن هذه الإجراءات غير كافية، وأصر على ضرورة فرز اللاجئين في مخيمات خارج أوروبا، أي يتم معالجة ملفات اللاجئين والمهاجرين خارج اوربا أي بليبيا وتركيا وبلدان أخرى خارج الاتحاد الأوروبي.


الجدل بأوروبا حول الهجرة، والذي أدى إلى تقوية الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرف، لم يتراجع رغم الانخفاض الكبير للهجرة الوافدة إلى القارة العجوز، ورغم استمرار الأحداث المأساوية في عرض البحر المتوسط واستمرار عدد الضحايا في الارتفاع.
وبدأ عدد اللاجئين في الارتفاع منذ سنة 2011 مع اندلاع النزاع بسوريا، وتطور الوضع بشكل درامي سنة 2015 مع وصول أعددٍ ضخمة تجاوزت مليون نسمة، مما كان يهدد بأزمة إنسانية خطيرة. لكن قرار المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل، فتح أبواب بلدها، وساهم في إنقاذ الموقف، وتجاوز هذه الأزمة الإنسانية، وهو الأمرالذي أثار غضب جيرانها. لكن برلين التي كانت على وشك الوصول إلى ذروة قدرتها على استيعاب مهاجرين جدد، أعادت سريعا فرض قيود على حدودها، تلتها دول أخرى أولها النمسا وسلوفاكيا،وهو الأمر الذي استغلته بعض العائلات السياسية المتطرفة بأوروبا من أجل الفوز بالانتخابات التشريعية كما حدث بإيطاليا،ومن أجل طمأنة اليونان وإيطاليا، والحد من الضغط عليهما بسبب وصول أعداد كبرى من اللاجئين والمهاجرين.
لقد اعتمد الأوروبيون في سبتمبر من سنة 2015 نظام حصص توزيع طالبي اللجوء، وهو القرار الذي عارضته العديد من دول شرق أوروبا. وكان من شأن تلك الخطة المؤقتة التي لطالما كانت محط انتقادات، أن تزيد من بلورة الانقسامات الأوروبية. وهو الوضع الذي دفع العديد من البلدان الأوروبية إلى بناء أسيجة حديدية على حدودها مثل المجر وسلوفينيا.
بعد أزمة 2015 تراجع عدد الوافدين سنة 2016 ولم يتجاوز 400 ألف وأغلبهم وجد نفسه عالقا باليونان بعد تسييج حدود بلدان أوروبا الشرقية التي كانت معبرا للاجئين السوريين.
ونتيجة لهذه الوضعية الجديدة، تحولت ليبيا، التي تعرف عدم استقرار سياسي، إلى الطريق الرئيسية للهجرة، وأصبحت ايطاليا البوابة الأولى للهجرة نحو أوروبا.
لكن الوضعية تغيرت بفعل توقيع اتفاقات بين روما والسلطات والفصائل الليبية منتصف عام 2017، غير أنها أثارت الكثير من الجدل، فقد اتهم الاتحاد الأوروبي الذي يقدم الدعم لخفر السواحل الليبيين بغض الطرف عن احتجاز مهاجرين في ليبيا وتعرضهم للعنف، وهو العنف الذي كشفته عدد من التحقيقات الصحفية الدولية بل كان يتحول أحيانا إلى استعباد داخل بلد لا يتوفر على سلطة مركزية، وهو ما دفع ضغط الهجرة نحو المغرب واسبانيا في سنة 2018 ليصبحا بوابة الدخول نحو اوربا.
وفي غياب قرار أوروبي متوازن لتدبير الهجرة، أصبحت أزمة عبور المهاجرين واللاجئين نحو أوربا تتنقل بين محور تركيا،اليونان أو محور ليبيا، ايطاليا أو محور المغرب، اسبانيا، دون أي حل ملائم ومستمر بين أوربا وجوارها القريب. وفي غياب أي مقاربة تنموية عدا تغيير المقاربات الأمنية التي لم تعط أي نتائج تذكر.
في أواخر ماي سنة 2018 وصل إلى السلطة في إيطاليا ائتلاف بين اليمين المتطرف والشعبويين. كانت أولى قراراته رفض استقبال سفينة إنسانية على متنها 630 مهاجرا،وهو القرار الذي سيخلق أزمة السفن الانسانية بالمتوسط، والذي سوف ينتهي بمنع أغلبها من القيام بعملها، وهو إنقاذالمهاجرين التائهين بعرض البحر المتوسط، وهو ما حول ماتيو سالفيني وزير الداخلية عن اليمين المتطرف إلى «زعيم بايطاليا» في مواجهة الهجرة المتدفقة على بلده في غياب أي تضامن أوربي.
رست السفينة «أكواريوس» في إسبانيا، بعد أسبوع من النقاشات التي عززت التوتر في الاتحاد الأوروبي، لا سيما بين روما وباريس. ووصلت أزمة العلاقات السياسية إلى أوجها بشكل لم تعرفه من قبل، بل إن إيطاليا استدعت سفيرها مرتين بسبب تصريحات الرئيس الفرنسي حول الموضوع.
وفي ختام قمة أوروبية أواخر يونيو 2018 استمرت الحلول الترقيعية في أوربا في تدبير هذا الملف، وقررت الدول الأوروبية إنشاء «مراكز استقبال» للمهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي و»مراكز خاضعة لقيود» داخل أوروبا، يجري فيها التمييز بين المهاجرين غير الشرعيين الذين يجب طردهم، وطالبي اللجوء الذين سيجري استقبالهم، لكن العواصم الأوروبية أخفقت في الاتفاق على كيفية التنفيذ.
وبعد إغلاق الموانئ الإيطالية أمام المهاجرين من طرف وزير الداخلية ماتيو سالفيني، الذي يمثل اليمين المتطرف، تكرر السيناريو نفسه: رفض استقبال السفن التي تتيه في المتوسط للبحث عن مرفأ يستقبلها أو انتظار أن تتوافق بعض الدول في ما بينها على استقبال المهاجرين الذين يجري إنقاذهم.
وبعد التغيير الحكومي،الذي شهدته إيطاليا في أواخر صيف عام 2019 وسقوط التحالف الذي يقوده الشعبويون واليمين المتطرف، تم إعادة فتح الموانئ الإيطالية. أما سفن الإنقاذ أو الهجرة غير القانونية، فقد تم الاتفاق بخصوصها بين ألمانيا وإيطاليا وفرنسا ومالطا، وبدعم من عدد من الدول الأخرى على تقاسم اللاجئين،
وهو اتفاق ينص على آلية مؤقتة هدفها السماح بتسهيل رسو السفن، وجعل استقبال المهاجرين أمرا تلقائيا من جانب عدة دول تطوعت على القيام بذلك. لكنه هذا الاتفاق توقف هو الاخر بفعل الأزمة الصحية التي تسببت فيها جائحة كورونا سنة 2020.
المثير في هذه الأزمة الأوروبية حول الهجرة هو استمرارها رغم التراجع الكبير لعدد الوافدين من أكثر من مليون نسمة سنة 2015 إلى أقل من 130 الف مهاجر سنة 2019 والعدد من المؤكد تراجع أكثر سنة 2020 بسبب كوفيد19 في انتظار خروج الاحصائيات الجديدة الخاصة بهذه السنة.
والأزمة الصحية ساهمت في تقليص الهجرة بين ضفتي المتوسط، ونتيجة الوباء أيضا، أغلقت المرافئ الإيطالية والمالطية مطلع أبريل بينما بات وجود السفن الإنسانية نادرا بالبحر المتوسط.
بموازاة ذلك، تسرع الأزمة من عمليات العبور عبر وسط البحر المتوسط. وتخشى المنظمات غير الحكومية حصول «مأساة خلف الأبواب المغلقة»، في حين تطلب إيطاليا دعم الاتحاد الأوروبي. وبجانب الحدود المتوسطية ،ازدادت محاولات العبور السرية لبحر المانش من فرنسا نحو الجزر البريطانية، مما أثار التوتر بين لندن وباريس حول تدبير هذا الملف.
في هذا الإطار من الأزمات التي عاشتها أوربا مند 2015 جاء مشروع «الميثاق الجديد للهجرة» واللجوء الذي يريد تعديل سياسة الهجرة إلى وضع «آلية تضامن إلزامية» بين الدول الأوروبية في حال وجود ضغط من المهاجرين وإرسال من رفضت طلبات لجوئهم إلى بلدهم الأصلي، وهو المشروع الذي تحمله المفوضية الأوروبية الجديدة اورسولا فون دير لايين،وهي من أصل ألماني، وهي تسعى باسم المانيا إلى إيجاد ميثاق أوروبي حقيقي للهجرة واللجوء من أجل الحد من التوتر بين أعضاء الاتحاد الأوروبي 27 حيث إن أخطر الأزمات كانت بسبب أزمة الهجرة وحدثت سنة 2018 بين فرنسا وايطاليا حول تدبير هذا الملف، لأن ايطاليا تعتبر إحدى البوابات الرئيسة عبر ليبيا وتونس لوصول المهاجرين.
P / S / R رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي اعتبر «الميثاق الأوروبي حول الهجرة واللجوء» الذي قدمته المفوضية الأوروبية «لايزال غير كاف لبلوغ مقاربة أوروبية حقيقية «. وطالب المجلس الأوروبي بسياسة أوروبية حقيقية للهجرة و ضرورة تجاوز اتفاقية دوبلان لأن بلدان الوصول لا يمكنها تدبير تدفقات المهاجرين لوحدها باسم الاتحاد الأوروبي».
رؤساء حكومات الاتحاد سيبحثون اقتراحات المفوضية الأوروبية الأسبوع المقبل، ولكن يبدو أن اجتماع هذا الاسبوع، لم يمكن من تقريب وجهات النظر خاصة مع بلدان اوربا الشرقية، التي ترفض استقبال هجرة جديدة او لاجئين فوق اراضيها باعتبارها بلدان مازالت هشة اقتصاديا و مازالت تصدر الهجرة هي ايضا نحو باقي اوربا.
هذه الوضعية، تجعل الاتفاق على ميثاق جديد للهجرة عمل من باب المستحيل تقريبا، لعدم الانسجام بين أعضاء الاتحاد الأوروبي بين بلدان غنية مثل المانيا وفرنسا وايطاليا والتي مازالت في حاجة إلى الهجرة لقوة اقتصادها ولمعاناتها من العجز الديمغرافي في بنيتها السكانية وبلدان اوربية فقيرة ذات اقتصاد متواضع ومازالت هي الأخرى تصدر اليد العاملة نحو الخارج مثل بولونيا والمجر .

 

 


الكاتب : باريس- يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 01/10/2020