الدكتور أحمد حموش محام بهيئة الدار البيضاء عضو أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي لـ «الاتحاد الاشتراكي»

الاعلام و القضاء سلطتان متكاملتان تسعى كل واحدة منهما إلى ترسيخ حقوق الإنسان والمثل العليا

 

o في نظرك كيف يمكن للأمن القانوني أن يساهم في تكريس ثقة المواطن في المؤسسات؟

n مما لا شك فيه أن الثقة لا تتجسد عمليا إلا من خلال ما تتضمنه القاعدة القانونية من حماية للحقوق والحريات، بحيث أن الغاية التي يتوخاها مبدأ الأمن القانوني هي ضمان إصدار تشريعات وقوانين متطابقة مع الدستور أولا، ومع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ثانيا، بهدف إشاعة الأمن والطمأنينة، وبتحقيق قدر من الثبات النسبي والاستقرار للمراكز القانونية، دون التعرض لمفاجآت مباغتة يكون من شأنها زعزعة هذه الطمأنينة أو العصف بهذا  الاستقرار.
مبدأ مساواة المواطنين جميعا أمام القانون – مبدأ عدم رجعية القوانين- مبدأ وضوح القاعدة القانونية وعدم تناقضها – مبدأ سهولة فهم و استيعابها من قبل المخاطبين بها- مبدأ معيارية القواعد – مبدأ قابلية القانون للتوقع– مبدأ حظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، لكن هذه المبادئ قد تصطدم بما يعرف بظاهرة «التضخم التشريعي» التي كثيرا ما ينجم عنها تعارض وتضارب النصوص التشريعية فيما بينها وتزاحمها، فضلا عن الصياغة التشريعية المعيبة، وأحيانا قد يتحقق ما يسمى «بالإغفال التشريعى» بأن يتناول المشرع أحد الموضوعـات التي يختص بها بالتشريع، لكن يأتي هذا التشريع غير مكتمل أو قاصراً على أن يحيط بكافة جوانب هذا المجال، وكذا غياب الدراسات المسبقة عند الاعداد للقوانين بعدم تمحيصها ودراستها على أرض الواقع وذلك بعدم الاستعانة بالخبراء المتخصصين والاكاديميين وعلماء الاجتماع وغيرهم، لهذا ينبغي أن تكون التشريعات متوافقة مع حاجات المجتمع، فالقاعدة القانونية ليست قاعدة تقنية بحتة إنما تجد مصدرها من العلاقات الاجتماعية والتفاعلات والتدافع الطارئ في المجتمع، وأن تتوافق كذلك مع التشريعات الدولية لتكريس القيم الإنسانية المشتركة مع كل الأمم المتحضرة.

o يقال إن توحيد الاجتهاد القضائي دعامة أساسية لتحقيق الأمنين القانوني والقضائي كيف ذلك؟

n إذا كان الاجتهاد القضائي هو مجموع القواعد الموضوعية التي تستنبط من استقرار أحكام المحاكم على قضاء معين ، مع إتباعها لهذه القواعد في كافة القضايا التي تتولى أمر النظر فيها كلما توافرت شروط انطباقها، وتوحيد المعايير القضائية لحل القضايا المختلفة. وبذلك تكتسي القاعدة التي جرى القضاء على احترامها خصائص القاعدة المعيارية .فإنه بهذا المعنى يعتبر أحد الحلول القانونية لتفادي القصور التشريعي، وذلك إلى غاية ظهور قانون يسنّه المشرّع. بمعنى أن الاجتهاد القضائي ضامن لاستمرارية القواعد التشريعية من خلال ملاءمتها مع القواعد والنوازل. كما أن الاجتهاد القضائي لا يمكنه ان يلغي نصا قانونيا معلوما. ولا أن يصدر حكما يعطي بواسطته حقا لا يوجد نص قانوني يسمح به او يمنعه أو يحرم شخصا من حق يعترف له به القانون.
فالقاضي في هذا السياق يتمتع بسلطة تقديرية في تأويل القاعدة القانونية، وهذا قد يؤثر على الحقـوق المكتسـبة والتي تولدت في سياق استقرار الأوضاع القانونية ، وبالتالي زعزعة ناصية العدل في الأنظمة القانونية، وهنا يحضرني الخلاف والنقاش الفقهي والقضائي والمجتمعي الذي جرى حول موضوع حق المطلقة في المتعة، والذي وصل حد حرمان المطلقة من المتعة في حالة كونها هي مقدمة طلب التطليق وذلك بمقتضى قرار لمحكمة النقض جاء في صلب حيثيات بأنه لا يتم الحكم بالمتعة طبقا لمقتضى المادة 84 من مدونة الأسرة، إلا في حالة الطلاق أو التطليق الذي يتم بناء على طلب الزوج، في حين لا يحكم بها في حالة التطليق للشقاق بناء على طلب الزوجة، وإنما يحكم لها بالتعويض بعد أن تثبت مسؤولية الزوج عن الفراق.
لهذا أعتقد ان الاجتهاد القضائي المعمول به للقول بتحقيق الأمن القضائي ينبغي الا يعتبر غرضا في ذاته، بل وسيلة للتطبيق السليم والعادل للقانون،وفق رؤية تعي جيدا التحولات العميقة الطارئة في المجتمع،وبضرورة مواكبة التشريع للاجتهاد القضائي المستقر والمتواتر فضلا عن أن يكون هذا الاجتهاد صادرا عن محكمة النقض باعتبارها تقع في قمة الهرم القضائي، وتتبناه بعده سائر المحاكم. وينبغي كذلك نشر جميع القرارات التي تصدر عن مختلف الغرف بمحكمة النقض وتعميمها، وهذا بغرض التوصل تدريجيا إلى التقليل من إصدار قرارات قضائية شاذة والتوصل في الختام الى توحيد الاجتهاد القضائي.

o كيف يمكن الاستفادة من سلطة الاعلام لدعم الأمن القضائي؟

n من المتعارف عليه دوليا أن حرية التعبير وحق الأشخاص في الحصول على المعلومة، من أهم الحقوق التي كرستها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، كما أن دستور 2011 ذهب في نفس المنوال بإقرار هذه الحريات وضمانها، وإنما كذلك أوكل للسلطات العمومية دعمها بالوسائل الملائمة والسعي لتطويرها وتنظيمها بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديموقراطية ومهنية وأخلاقية، كما أتاح للمواطنين الحق في الحصول على المعلومة الذي لا يَحُدُّ منه سوى ما ينُصّ عليه القانون لحماية الأمن العام والحياة الخَاصة للأفراد وحقوقهم وحرياتَهم المنصُوص عليها في الدستور
غير أن ممارسة الحقين المذكورين في مجال العدالة، قد يصطدم بضمان مبدأ حياد السلطة القضائية وحماية سرية البحث ، وقد يكون له تأثير من جهة أخرى على استقلال القضاء، التي تشكل هي الأخرى مبادى من مبادى حقوق الانسان،واحتراما لبعض المبادئ الدستورية والحقوقية الأخرى كقرينة البراءة وعدم المس بالحياة الخاصة للأفراد، يجعل من الحق في الحصول على المعلومة القضائية بواسطة الاعلام حقا مقيدا وليس مطلقا، وبما أن الاعلام و القضاء سلطتان متكاملتان تسعى كل واحدة منهما إلى ترسيخ حقوق الإنسان والمثل العليا. وأمام سعة المساحة التي يعمل فيها الاعلام والتي ﺗﺗﯾﺢ اﻟﺗدﻓﻖ اﻟﺣر ﻟﻠﻣﻌﻠوﻣﺎت وبطريقة سريعة، فإنه يمكن أن يكون تأثيره سلبيا اذا ما قام الاعلام بنقل صورة غير حقيقية على قضية معروضة على القضاء، مثلما يمكن تشويه الحقيقة وتحريفها عن طريق نشر الأخبار الزائفة، لذلك يتعين على الاعلام التقييد بالقيم التي تفرضها أخلاق المهنة ، مثلما عليه أن يدرك الاعتبارات والضمانات التي يوفرها القانون لمرتفقي العدالة، فضلا على أن القاضي ملزم بالتقيد والالتزام بالأخلاقيات والسلوك القضائي والمشهورة بمبادئ بانغالور، والتي تم تأكيدها في مدونة الأخلاقيات القضائية وهي – الاستقلالية، الحياد، النزاهة، الاستقامة، المساواة والكفاءة والاجتهاد وأعتقد ان الالتزام والتقييد بها يبقى كفيلا بأن تجنب القاضي التأثير المباشر على قراره القضائي باعتبارها تحصينا له.

o كلمة أخيرة

n أقول إن فعلية الأمنين القانوني والقضائي وبغض النظر عما اشرت إليه سابقا ستبقى جامدة عنـد الافتقار إلـى النزاهة، والشـفافية وإلى سيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة، ما لم تزرع فيهما المؤسسات المعنية بنفاد القانون الروح والحياة على أرض الواقع، وذلك بالتصدي لآفتي الفساد والافلات من العقاب، وبذلك المساهمة في تشكيل ودعم فضاء مؤسساتي ديمقراطي حداثي تكون فيه الأسبقيّة لسيادة القانون ولفعلية حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، وللحديث بقية.

 


الكاتب : حاوره: مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 27/05/2023