الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -15- «لهدية» كدليل على استمرار المرجعية الإمبراطورية.. (2)

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث المتخصص في الانتروبولوجيا السياسية والبحث في شوون الدولة والاسلام السياسي، محمد الطوزي، وسلخ فيه، رفقة الباحثة اليزابيت هيبو ثلاثين سنة من البحث والتنقيب والتراكم.
وهو كتاب كل فصل فيه يشكل بنيانا قائم الذات، يسعى الباحثان من خلاله الى الدفاع عن اطروحة لم تكن بدهية حول الدولة، والبرهنة على تعايش الدولة ـ الامبراطورية والدولة ـ الأمة، بسجلَّيْهما المادي التاريخي و الروحي الرمزي، في راهن المغرب.
وهي عودة إرادية، لما لمسنا فيه من قدرة على تسليط الأضواء على فهم المسار الفيبيري (نسبة الى السيكولوجي الأمريكي ماكس فيبر) للدولة، وفهم الكثير من تحولاتها الراهنة. وهوكتاب يمنح قارئه كما قد يمنح رجال السياسية في مراكز القرار والمناضلين أدوات التحليل الضرورية لفهم تحولات المغرب الحديث ، وفهم الكثير من موضوعات الراهن السياسي والإعلامي المغربي (كما هو الحال في دستور 2011 وقدرة النخب السياسية والحاملين لمشاريع الليبرالية الجدد وتعالق شرعية الانتخاب مع شرعية التعيين في دولة تجمع سجلين ، واحد امبراطوري والاخر ينتمي الى الدولة ـ الأمة الي غير ذلك من المواضيع الراهنة).

 

إذا فرغ الخطيب من الخطبة والدعاء وكان العيد عيد أضحى خرج السلطان لذبح نسكه بيده، فيجد الجزارين واقفين في بزتهم الرسمية اللافتة للأنظار وبيد قائدها السكين والمنديل، فيناول الأمير السكين، ويقدم إليه الأضحية، فيذبحها بيده اقتداء بخير الأنام جده صلى الله عليه وسلم، وتحمل حالا على دواب تكون مهيأة لحملها من أسرع الدواب سعيا وراء وصولها للقصر قبل سكون جثتها، وسكون حركتها، والقصد بذلك والله أعلم هو أن يحصل الحريم نصيب من المشاهدة التي أمر بها صلى الله عليه وسلم بعض أمهات المؤمنين في قوله: قومي اشهدي أضحيتك، ثم بعد ذبح النسك يمتطي الجناب العالي صهوة فرسه ويحدق به أصحاب الأروى، وتكون الهيأة على نحو ما وصفنا، ثم يولي وجهه نحو القبائل، فيقدم خليفة المشور لقائده القبائل قبيلة فقبيلة، معرفا بالقائد والقبيلة، فيتقدم قائد المشور أمام صاحب الجلالة وخلفه القبيلة يقدمها أو قوادها إن كانوا متعددين، فيعرف السلطان بها من هي فتؤدي تحيتها الواجبة، ويحييها قائد المشور على لسان السلطان بالدعاء، ثم يأمرها بالانصراف، فتنصرف وتأخذ مركزها الذي كانت به، وتتقدم الأخرى إلى الأخرى إلى النهاية، فإذا تم الاستقبال المولوي ونال الكل أوفر حظ من صالح الدعوات أخرجت الأنفاض إشعارا بانتهاء الاستقبال وأداء مراسيم التهنئة لصاحب الجلالة، ثم يتوجه السلطان لقصره الكريم في جلالة ومهابة على الكيفية التي وصفنا في الخروج، فإذا قرب من القصر أسرع الوزراء والكتاب للقصر فيصطفون أمام بابه الداخلي حيث يكون صف الخاصة من العائلة الكريمة، فإذا وصل السلطان في موكبه إلى باب القصر الخارجي حيته الموسيقى بنغماتها الشجية، فإذا دخل باب القصر الخارجي رجع قائد المشور إلى القواد والعمال ليودعهم، ويجد السلطان داخل الباب عن يمينه صف أعيان العائلة، فيتقدمون للسلام عليه، وتقبيل ركبته واحدا بعد واحد، وما زال العمل جاريا على هذا برباط الفتح حتى الآن، وأمامه صف الوزراء والكتاب فيتقدمون كذلك واحدا بعد واحد، ثم يدخل السلطان للقصر، فيجد جمع الحريم الكريم على اختلاف طبقاته لتقديم مراسيم التهنئة العيدية لجلالته، فيهش ويبش في وجه الكل، فيصل ويواصل ويجامل، وتخرج أواني التمر والحليب للوزراء ومن ذكر معهم والجيوش، وينتهي حفل السنة العيدية ويذهب كل إلى حال سبيله وهكذا يكون الشأن في عيد الفطر والمولد النبوي لا ينقص غير ذبح النسك، والثاني غير الصلاة والأضحية، وفِي عشية يوم العيد نفسه يؤم شريف الأعتاب الشرفاء والعلماء والموظفين والأعيان لتقديم مراسيم التهنئة العيدية للجلالة المولوية، فإذا أدت الجلالة فريضة العصر جلست على أريكة ملكها، فيتقدم إليها رئيس المشور بجريدة فيها أسماء الذين يأملون أن يحظوا باستقبال الجناب السلطاني الكريم، فتأذن لهم في المثول بين يديها فيتقدمون على هذا الترتيب خليفة جنابه العالي، فأبناؤه، فإخوانه، فأعمامه، فبنو عمه، وحدانا وزرافات، فالقضاة والعلماء، فالأشراف الأدارسة، فأهل تلمسان، فالبدراويون، فالحموميون، فأهل وزان، فالأفراد من الأعيان، فالباشاوات، فالمحتسبون، فالنظار فأهل مراكش بهداياهم.
وفي ثاني يوم العيد إن كان الجناب السلطاني بالحور يقابل صباحا عمال الغرب، وفِي صبيحة ثالثة عمال وفود الحوز، وإن كانت الجلالة بالغرب فيقدم في الملاقاة صبيحة اليوم الثالث عمال الحوز وقواده، وعلى نحو ما ذكر في كيفية الملاقاة العيدية يكون العمل في ملاقاة الوداع.
وعلى هذا كان العمل جاريا فيما قبل غروب شمس الدولة الحفيظية، أما اليوم فإن الملاقاة لا تكون للجميع إلا صبيحة اليوم الثاني ما لم يكن جمعة، وفِي اليوم التالي ليوم العيد تبتدئ الوفود بتقديم هداياها للجلالة وذلك بعد أداء فريضة العصر، ويخصص كل يوم من أيام الأسبوع لقوم طبق التراتيب النظامية المقررة، وكيفية ذلك أن قائد المشور يقدم للجلالة زماما يذكر فيه أسماء العمال الذين يقدمون هداياهم في ذلك اليوم مع بيان الهدية كما وكيفا ويركب السلطان جواده وتنشر المظلة على رأسه، وتنعقد الهيأة الملكية النظامية كانعقادها في صلاة العيد حذو النعل بالنعل، فإذا وصل السلطان للمشور وجده مكتظا بالوفود الواردة على جلالته وهداياها، فيقدمهم خليفة قائد المشور لقائده، ويعرفه بأسمائهم قبيلة قبيلة، والقائد يقدمهم للجلالة كذلك تباعا على نحو ما شرحنا في استقبال المصلى، وكل يقدم ما أتى به من الهدية فيدعو له السلطان بالخلف، وهذا كل يوم إلى غاية اليوم السابع، وعلى هذا كان العمل في ما سلف، أما اليوم وقبله بيسير فقد وقع الاقتصار في تقديم الهدايا على ثلاثة أيام، وهي عشية ثاني العيد وثالثه ورابعه، وأبطل العمل بملاقاة الوداع، ثم ما يقدم من الهدايا بالمشور… «


الكاتب : n عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 28/03/2024