الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس 16 .. دلالات حفلة تقديم الهدايا … وتراتبيتها..

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث المتخصص في الانتروبولوجيا السياسية والبحث في شوون الدولة والاسلام السياسي، محمد الطوزي، وسلخ فيه، رفقة الباحثة اليزابيت هيبو ثلاثين سنة من البحث والتنقيب والتراكم.
وهو كتاب كل فصل فيه يشكل بنيانا قائم الذات، يسعى الباحثان من خلاله الى الدفاع عن اطروحة لم تكن بدهية حول الدولة، والبرهنة على تعايش الدولة ـ الامبراطورية والدولة ـ الأمة، بسجلَّيْهما المادي التاريخي و الروحي الرمزي، في راهن المغرب.
وهي عودة إرادية، لما لمسنا فيه من قدرة على تسليط الأضواء على فهم المسار الفيبيري (نسبة الى السيكولوجي الأمريكي ماكس فيبر) للدولة، وفهم الكثير من تحولاتها الراهنة. وهوكتاب يمنح قارئه كما قد يمنح رجال السياسية في مراكز القرار والمناضلين أدوات التحليل الضرورية لفهم تحولات المغرب الحديث ، وفهم الكثير من موضوعات الراهن السياسي والإعلامي المغربي (كما هو الحال في دستور 2011 وقدرة النخب السياسية والحاملين لمشاريع الليبرالية الجدد وتعالق شرعية الانتخاب مع شرعية التعيين في دولة تجمع سجلين ، واحد امبراطوري والاخر ينتمي الى الدولة ـ الأمة الي غير ذلك من المواضيع الراهنة).

 

 

إن الوثيقة التي تشكل خلفية تحليلنا تأخذ بعين الاعتبار نص ابن زيدان والحواشي التي وضعها عبد الوهاب بنمنصور مؤرخ المملكة من 1962 إلى 2008، ونجد أن خمسة مشاهد يتم وصفها فيه:ـ صلاة العيد، توزيع الهدايا، تنقلات الملك بين الباب الداخلي والباب الخارجي، استقبال المقربين ثم المحطة الحميمية التي يستقبل فيها السلطان رعاياه الذين طلبوا ذلك. وهذه المشاهد الخمسة تقدم لنا صورة عن الطريقة التي ينظر بها إلى الجماعة السياسية في مضمونها التجريبي ، حيث إن الإمبراطورية الشريفة تنظر إلى نفسها هي بالذات باعتبارها جماعة الجماعات، وذلك بهدف تحقيق تمثيلية لا يجب أن تفهم بمعناها الديموقراطي، بل باعتبارها إبرازا للتعددية والتنوع باعتبارهما عنصرين تكوينيين. والآلية برمتها تعتبر تمثيلية رهيفة الأسلوب للجماعة السياسية، تم تجويدها جماليا ورمزيا، بل يمكن القول إنها تمثيلية تم تنميطها لأنها تعد كما هي دوما. وهذه الجماعة متعددة بحيث إنها مقسمة ومرتبة وتراتبية، كما أن طريقة إبرازها مقننة..بحيث لا يتعلق الأمر فيها ببيان حصيلة موسع، كما هو حال السجلات الضريبية أو العسكرية التي تستخدم في تعبئة الموارد وتوزيع المساهمات بين المجموعات، بل يتعلق بطريقة وأسلوب للمرور من الساكنة، المنظور إليها باعتبارها نقطة سوداء أو فوضى إلى مجموعة سياسية، مجموعة أوسع وأكثر امتدادا من أهل الحل والعقد، التي تثار في أدبيات النظرية السياسية الإسلامية، والمفروض أنها تلزم الأمة الإسلامية.. هذه النمذجة التبسيطية ترمي إلى إبراز النظام في تلك اللحظة، والذي يحدد موازين القوى والتراتبيات. ومصفوفة هذا الإخراج بطبيعة الحال تظل هي نفسها دوما، وإذا حصل وعرفت بعض التنويعات حسب الأوقات والأماكن فإن هذه التنويعات تخضع بدورها للتقنين.
ولنعد الآن للنص، وسنرى أن المشهدين الأولين يقدمان صورة عن التمثيل الترابي للجماعة، وبذلك يحضر التراب الإمبراطوري بكامل تنوعه وتشظيه وانقسامه، عبر زعماء القبائل وممثلي المجموعات والمدن في الحفلة، لاسيما العمال الذين »يمثلونهم بمقتضى سلطة التفويض أو الانتداب. وهكذا توضع جنبا إلى جنب العديد من التنويعات والمراتب والمستويات، القبائل واتحادات القبائل، المدن والضواحي، التي يصفها المؤرخ بدقة بوضع لائحة القبائل التي تشملها. ولعل حجم هذه القبائل بنفسه جد متغير إذ أن عدم التجانس الظاهري هذا ليس كذلك، ففي هذا النظام من التمثيلية ليست أهمية المجموعات في حد ذاتها ( أي المرتبطة بالعدد والمساهمة في الموارد الضريبية أو الحربية) هي التي تسترعي الانتباه بل أهميتها بالنسبة للسلطان والحكم ،،، وهذا مرهون بموقع هاته المجموعات الجغرافي الاستراتيجي على طريق الحركات أو الموانئ أو مرتبط بجدواها الوظيفية( الحربية منها أو غيرها).. وعليه فإن هذا النظام أو الترتيب يرسم ترابا، والحفل يقدم لنا استعارة وصورة مجردة عن الجماعة التي تشكل هذا التراب. كما أنه يقدم في الوقت نفسه صورا عن المعايير الخاصة بالتمثيلية، وهذه التمثيلية تبنى حول أهمية المجموعة في السيطرة على التراب ومراقبته، وعبر إقفال معابره وأماكن اللقاء فيه، وبناء على تاريخانية الدولة.. هكذا نفهم مثلا الأولوية الممنوحة للأدارسة أو الأسبقية الممنوحة للتلمسانيين الذين يجسدون استقلالية المغرب ومجيئهم كمهاجرين منفيين يرسمون الحدود والسيادة، بالتالي استقلال المغرب إزاء الإمبراطورية العثمانية..

 


الكاتب : عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 29/03/2024