الذكرى 19 لتفجيرات 16 ماي بالدار البيضاء

المغرب رائد دولي في مجال مكافحة الإرهاب و«البسيج»

القبضة المرعبة لخلايا داعش

 

 

يحيي المغرب، يومه الاثنين، الذكرى 19 لتفجيرات 16 ماي في الدار البيضاء، والتي أدت إلى مقتل 45 شخصا وإصابة نحو 100. وقد ساهمت تلك التفجيرات، التي كانت عبر أحزمة ناسفة، في تغيير المغرب استراتيجيته لمواجهة الإرهاب، حيث شرع المغرب، منذ ذلك التاريخ، في تعزيز أمنه باعتماد مقاربة أمنية شاملة ومندمجة ومتعددة الأبعاد، ارتكزت بالأساس على تقوية الترسانة القانونية، وتطوير الآليات الأمنية من أجل مواجهة المخاطر الإرهابية التي تهدد كافة التراب الوطني، مع الالتزام التام بمبادئ الحكامة الأمنية المبنية على روح المسؤولية، واحترام مبادئ حقوق الإنسان.
وقد مكنت هذه المقاربة الأمنية الاستباقية من تفكيك عدة خلايا إرهابية واجهاض عدة عمليات تخريبية، خصوصا بعد ظهور ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على ساحة الأحداث بالمنطقة السورية العراقية، وتفريخه لخلايا بمناطق أخرى من العالم.
وبفضل المقاربة الأمنية الاستباقية التي اعتمدتها المملكة منذ العمليات التفجيرية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003، تم تحقيق نتائج إيجابية في ميدان محاربة الجريمة الإرهابية، كما تم منذ سنة 2002 تفكيك أكثر من 210 خلايا إرهابية على خلفية إيقاف ما يزيد عن 4304 أشخاص منها، ومنذ مطلع 2013 تم تفكيك مجموع 88 خلية، على ارتباط وطيد بالمجموعات الإرهابية بالساحة السورية العراقية، لاسيما داعش، كما تم احباط ما يزيد عن 500 مشروع تخريبي.
وحقق المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج) منذ إنشائه نتائج إيجابية في مجال مكافحة الجريمة الإرهابية، حيث تمكن من تفكيك 83 خلية إرهابية، منها 77 لها علاقة بداعش. كما تم تفكيك سنة 2015 21 خلية إرهابية، و19 خلية سنة 2016، و9 خلايا سنة 2017، و11 خلية في 2018، و14 خلية في 2019، و8 خلايا في 2020، وخلية واحدة سنة 2021 إلى حدود الآن، وثمانية من هذه الخلايا كانت مسلحة.
وتمكن «البسيج» من إيقاف 1347 شخصا في إطار قضايا الإرهاب، منهم 54 شخصا من ذوي السوابق القضائية في قضايا الإرهاب، و14 امرأة و34 قاصرا. كما عالج المكتب ذاته، بخصوص العائدين من بؤر التوتر، 137 حالة، منهم 115 حالة من الساحة السورية العراقية، و14 من ليبيا و8 أشخاص تمت إعادتهم من سوريا إلى أرض الوطن.
وفي ما يتعلق بتتبع المقاتلين المغاربة الملتحقين بالساحة السورية العراقية، تم اعتقال أزيد من 1659 مقاتلا مغربيا ببؤر التوتر، و225 منهم من ذوي السوابق في إطار قضايا الإرهاب، ومجموع العائدين 270 شخصا من بينهم 137 تمت معالجة حالاتهم على مستوى المكتب المركزي، بينما لقي أكثر من 745 مقاتلا حتفهم بالساحة السورية العراقية، أغلبهم عن طريق تنفيذ عمليات انتحارية.
أما في ما يخص النساء الملتحقات بالمنطقة السورية العراقية فبلغ عددهن حوالي 288 امرأة، عادت من بينهن إلى المغرب 99 امرأة فقط، وبلغ عدد الأطفال 391 طفلا، عاد منهم 82 فقط.
وساهم المغرب في إحباط مخططات إرهابية بالخارج من خلال التنسيق والتعاون المشترك مع شركائه وتبادل المعلومات والخبرات.
بموازاة مع هذا السجل الحافل بالإنجازات في مجال مكافحة الإرهاب، اتخذ المغرب في هذا الإطار جملة من التدابير القانونية والمؤسساتية الهامة، تتجلى في سن القانون رقم 03.03 سنة 2003 المتعلق بمكافحة الإرهاب وتمويله والتعديلات التي طالته، لاسيما القانون رقم 86.14 الخاص بمكافحة ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، فضلا عن تخصيص العديد من الأجهزة الرامية إلى ضمان الفعالية والنجاعة اللازمتين في مواجهة الإرهاب والتطرف، في ظل احترام تام للحقوق والحريات وضمانات المحاكمة وسيادة القانون، «إيمانا منه بأن التطبيق العادل للقانون مدخل أساسي من مداخل مكافحة التطرف، فضلا عن تخصيص محكمة الاستئناف بالرباط بالولاية العامة في قضايا الإرهاب وتمويله في مراحل التحقيق والمتابعة والحكم، وكذا المحاكم الابتدائية بالرباط، وفاس، والدارالبيضاء، ومراكش في ما يتعلق بجرائم غسل الأموال؛ وإحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية على مستوى المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، كآلية لتعزيز جهات البحث والتحري ذات الاختصاص الوطني.
إلى جانب ذلك، تم إحداث فرق جهوية للشرطة القضائية، وإنشاء الهيئة الوطنية لمعالجة المعلومات المالية، إلى جانب اللجنة الوطنية المكلفة بتطبيق العقوبات المالية المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وانتشار التسلح وتمويلهما.
وصادق المغرب على جل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، والتزامه الدؤوب بفحوى القرارات الأممية ذات الصلة، وإسهامه في تطوير استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، واتخاذه للعديد من المبادرات على صعيد المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، أو على مستوى مجلس وزراء العدل العرب التابع لجامعة الدول العربية، إلى جانب قيام مؤسساته بتنزيل مجموعة من البرامج والخطط الإقليمية المرتبطة بتطويق مختلف صور الجريمة الإرهابية. بل إن المغرب تمكن من إبرام اتفاق مع الأمم المتحدة يوم 6 أكتوبر 2020، تم على أثره إنشاء «مكتب برنامج الأمم المتحدة المعني بالإرهاب والتدريب في إفريقيا»، الأول من نوعه في إفريقيا، والذي يروم تطوير وتنفيذ البرامج المعتمدة الهادفة بالدرجة الأولى إلى تطوير وتعزيز القدرات والمهارات في مجال مكافحة الإرهاب، لاسيما ما يتعلق بأمن الحدود، وإدارتها، والتحقيقات، والمتابعات، وإدارة السجون، وفك الارتباط، وإعادة التأهيل والإدماج.
وسيعتمد هذا المكتب الإقليمي الجديد على تجميع خبرات المغرب ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب من أجل توفير تدريب جيد لفائدة الدول الإفريقية، وفق مقاربة تعكس روح المسؤولية الجماعية.
وتميزت مقاربة المغرب، بخصوص مسار الدعم والحماية المخصصين لضحايا الأعمال الإرهابية، بالتعاطي الإيجابي مع كل الفاعلين في هذا الموضوع، وخاصة جمعيات المجتمع المدني، ذلك أن التجربة المغربية ذات الصلة بتعويض ضحايا الأعمال الإرهابية تعتمد على مقاربتين، تتجلى الأولى في تدخل جلالة الملك محمد السادس، وتخصيص منحة مالية وجزافية من الميزانية العامة للدولة تصرف لفائدة المستحقين عن ضحايا الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها مدينة الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003. بينما تتمثل الثانية في تعويض الضحايا بناء على قواعد التسوية الودية المؤطرة بموجب القانون، موضحا أنه سبق للقضاء المغربي أن أصدر مجموعة من الأحكام والقرارات في نوازل تتعلق بتعويض ضحايا العمليات الإرهابية. كما أنه، وبموجب القانون رقم 110.14 الصادر سنة 2016 تم إقرار إمكانية تعويض ومساندة ضحايا الإرهاب، بناء على النظام الخاص بتغطية العواقب الناجمة عن ارتكاب الأعمال الإرهابية.
كما اعتمد المغرب، بشأن إعادة تأهيل المعتقلين المتطرفين الإرهابيين، على برنامج مغربي رائد ومعروف على المستوى الدولي «برنامج مصالحة»، والذي يقوم على مقاربة متعددة الأبعاد، أتاحت للمستفيدين منه، فهم واستيعاب النص الديني والقيم المجتمعية الصحيحة.
وقد أفضت القراءة التحليلية لهذه التجربة إلى استجلاء بعض المؤشرات الدالة على فعالية برنامج مصالحة التي تتجلى خاصة، في إمكانية استفادة المنخرطين فيه من العفو، إذ بلغ إجمالي عددهم 643 مستفيدا منذ سنة 2005، بمن فيهم المستفيدون من برنامج مصالحة، والبالغ عددهم 131 من أصل 222، أي بنسبة بلغت 63,27 في المائة، كما بلغ عدد المستفيدات من هذا البرنامج 8 نساء.
إلى ذلك، كان للمغرب دور حيوي كبير في محاربة الإرهاب على المستوى الدولي، حتى أصبح مرجعا ورقما لا يمكن القفز عليه في مجال محاربة الإرهاب العابر للحدود، حيث أثبتت الأجهزة الأمنية المغربية والاستخباراتية علو كعبها على الواجهة الدولية، تدخلا وتنسيقا وتعاونا وتبادلا للمعلومات وتقاسم خبرات. وليس أدل على ذلك من احتضان مراكش للاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش. وهو المؤتمر الذي أبرز فيه وزير الخارجية، ناصر بوريطة، أن القارة الإفريقية أصبحت الهدف الرئيسي لتنظيم «داعش»، حيث تشكل مسرحا لـ41 في المئة من إجمالي هجماته في جميع أنحاء العالم. مبرزا أن أعمال العنف بالقارة الإفريقية سجلت زيادة تتراوح بين 40 و60 في المئة من حيث الوفيات والهجمات، مقارنة بفترة ما قبل الجائحة.
وأوضح الوزير أن إفريقيا جنوب الصحراء أحصت 48 في المئة من مجموع الوفيات الناجمة عن الإرهاب حول العالم خلال سنة 2021، بتسجيل 3461 ضحية، ليرتفع بذلك عدد ضحايا الإرهاب بالمنطقة إلى 30 ألفا على مدار الـ15 عاما الماضية. مضيفا أن منطقة الساحل تأوي جماعات إرهابية تتطور بسرعة هائلة وتتسبب في ارتفاع حصيلة الضحايا حول العالم، مشيرا إلى أن هذه المنطقة تحصي 35 في المئة من الوفيات الناتجة عن الإرهاب حول العالم خلال 2021، مقابل 1 في المئة فقط قي سنة 2007.
وأوضح المتحدث أنه تم إدراج 27 كيانا إرهابيا متمركزا في إفريقيا ضمن قائمة عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بصفتها جماعات إرهابية. محذرا من أن التهديد الإرهابي في إفريقيا بلغ في الوقت الراهن سواحل المحيط الأطلسي وممراته البحرية، مؤكدا أن الروابط بين الإرهاب والقرصنة ظهرت في خليج غينيا كما في القرن الإفريقي، وأن الجماعات الإرهابية تسعى أيضا إلى السيطرة على الموارد الطبيعية.

 

 


بتاريخ : 16/05/2022