الصحافة .. في الإنعاش

صدمني اليوم مشهد أكشاك الصحافة التي باتت صدئة ومهجورة وهي تحتل مواقع استراتيجية بفاس العاصمة العلمية للمملكة المغربية . كان المشهد مؤلما وفظيعا بل صاعقا على الأرجح .لا تقتصر الصدمة هنا على قراء الجريدة الورقية فحسب، بل تطال جميع أولئك الذين لهم حساسيات ونوازع اتجاه كل ما هو مقروء أكان كتابا أو جريدة . لقد بات من شبه المؤكد اليوم أن الاقتراح الذي تقدمت به قبل سنوات “سبريس” أحد أهم شركات توزيع الصحف في المغرب، والقاضي بطرح أكشاك لبيع الصحف والمنتوجات الثقافية بمحاور استراتيجية بالمدن المغربية بهدف تقريب المواد الثقافية من جمهورها النوعي قد باء بالفشل … الفشل الذريع .
أجل ، الجمهور لا يقرأ ، الجمهور يشاهد . لذلك يبدو أن سلوك المثقف أوالقارئ المغربي وموقفه اتجاه الصحف والمجلات وباقي الأجناس الثقافية الأخرى دخل هو الآخر في القفص العولمي ، حيث عرف تحولا جذريا بقياس 360 درجة خلال العقدين الأخيرين. واستفحل الأمر بعد أزمة كورونا ، ليتفاقم على نحو مهول بعد ذلك.
إن مشروع التفكير اليوم في تقريب الصحف والمجلات والكتب الثقافية من المستهلكين عشاق الورق المكتوب لم يعد مجديا الآن بل مشروعا فاشلا للغاية ،وربما غدا يتفاقم أكثر في ظل الأزمة الكبيرة التي يعرفها حقل القراءة والإقراء بالمغرب وبما في العالم العربي .
ويعيش أصحاب أكشاك باعة الصحف أوضاعا صعبة، في ظل تراجع رهيب للإقبال على الجرائد والمجلات والكتب، حيث إن عددا منهم يشير إلى أن ضعف الإقبال على الجرائد وصل إلى درجة إرجاع حزمها كما تم استلامها، وفي بعض الأحيان دون حتى أن يتم عرضها كبضاعة.
وضع مقلق ومريب للغاية يعبر بوضوح عن المتغيرات التي حدثت في كل مناطق العالم عموما وتأثيرها الفادح في عالمنا العربي والإسلامي على نحو كارثي. يحدث ذلك نتيجة تداخل عوامل كثيرة نقفز عن مسبباتها إجرائيا .فظاهرة انحدار الفعل القرائي وندرة القراء فاقمه ظهور جاذبية الصورة والشاشة والذكاء بأنواعه . لتتلى صلاة الجنازة على القراءة الورقية . ويصبح متصفح الجريدة الورقية اليوم يثير الاستغراب بعدما كان يثير الاحترام كل الاحترام قبل عقدين .
لذلك يبدو البحث حاليا عن جريدة ورقية فعلا غير عادي. ربما لتوفر الجريدة على منصة إلكترونية وربما لأسباب أخرى يطول المقام لشرحها. كان بيع الجرائد والمجلات قبل عشرين عاما مشروعا تجاريا مربحا.ثم جاءت الهواتف المحمولة والشاشات وأنعشت التواصل…. لكنها أدخلت قراءة الكتاب إلى الموت السريري ..قاعة الإنعاش !!!
حين طلبت من صاحب الكشك نسخة من جريدة الاتحاد الاشتراكي تفحصني مليا كما لو كنت أطلب منه حشيشا ، وتطلب الأمر الحفر والتنقيب في حقل كتب ومرجوعات ،ليمكنني أخيرا من النسخة . بعض ملاك الأكشاك درء للعناء يتركون الجرائد في حزمها ويرجعونها كما استلموها . وأحيانا لا يعرضونها كبضاعة للاستهلاك ما يفاقم الأزمة.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 01/04/2024