الصين تنافس «وادي سيليكون».. وحرب «الجيل الخامس» على الأبواب


سلطت صحيفة التايمز البريطانية الضوء على مدينة شنجن الصينية، التي قالت إنها تحولت إلى مركز تقني كبير ينافس عالميا، وفيها عدد من عمالقة التكنولوجيا، وأبرزهم شركة هواوي، التي أثارت حفيظة بعض دول العالم بشأن الخصوصية والبيانات الشخصية وشبهات التجسس.
وقالت الكاتبة ديدي تانغ إن مستقبل الحزب الشيوعي الصيني هو مدينة شنجن التي أشاد بها الرئيس الصيني، واعتبرها نموذجا يطمح إليه باقي الأمة، بعد أن كانت قبل جيلين فقط مدينة صيد هادئة، وتحولت إلى “مدينة ذات تقنية عالية نالت تفوقها على جارتها المزعجة هونغ كونغ”.
ولفتت إلى عدد من الشركات الصينية العملاقة “التي تشكل تهديدا للنظام الراسخ للتفوق التكنولوجي الغربي. وحتى وإن كان تصميم مقر شركة هواوي مستلهما من الهندسة المعمارية الأوروبية الكلاسيكية، فإن التكنولوجيا الداخلية فيها متطورة للغاية لدرجة أنها أصبحت مصدر قلق في جميع أنحاء أمريكا وأوروبا، بحسب ما أوردت هيئة الإذاعة البريطانية.
وبحسب الكاتبة فقد ساعدت هواوي في تحويل المنطقة الجنوبية على ضفاف نهر اللؤلؤ إلى مركز عالمي للابتكار وريادة الأعمال، تنافس وادي السيليكون في الولايات المتحدة، وتقود من خلاله بكين العالم.
وأشارت إلى أن لدى هواوي “طموحات أكبر لتطوير حياة المدينة، ما يتوافق مع رؤية الرئيس الصيني لـ”استراتيجية تنمية مدفوعة لابتكار تكنولوجي وصناعي ذي تأثير عالمي”.
وتشير الكاتبة إلى أن المدينة فيها 70 ألف شركة تكنولوجيا، وبورصتها المحلية ثامن أكبر بورصة في العالم من حيث القيمة الإجمالية للشركات المدرجة فيها، أي أكثر من تلك المدرجة في ألمانيا.
وفي المدينة أكبر شركة لإنتاج الطائرات بدون طيار الاستهلاكية، وأكبر منتج لألعاب الفيديو في العالم، إلى جانب شركة هواوي التي تنافس عالميا.
ونوهت الكاتبة إلى أن “النقاد يقولون إن أجهزة هواوي يمكنها اعتراض البيانات والرسائل، وهي ملزمة بموجب القانون الصيني بتسليم أي معلومات تجمعها إذا أرادت بكين رؤيتها. ويقولون أيضا إن اندفاع الصين نحو التفوق التكنولوجي يسمح للدولة بالانغماس في الاستبداد الرقمي، ما يسمح لعمالقة التكنولوجيا في شنجن بإجراء مراقبة واسعة الانتشار، والبحث داخل كميات هائلة من البيانات الشخصية”.
وتابعت بأن “شنجن أول مدينة صينية تستخدم تقنية التعرف على الوجه في الشوارع، المزودة بكاميرات عالية الدقة وحوسبة سريعة، وبحسب ما ورد فقد تم ربطها بـنظام الائتمان الاجتماعي للمواطنين، وهو مقياس يمكن أن يقيد الوصول إلى الخدمات المالية أو غيرها من الخدمات إذا انخفض بشكل كبير. إلا أنها أزيلت بعد عامين”.
تجري بريطانيا اتصالات مع الولايات المتحدة من أجل تشكيل ناد من عشر دول يمكنه أن يعمل على تطوير تقنية خاصة به من الجيل الخامس بهدف تقليص الاعتماد على شركة هواوي الصينية، وفق ما أوردت صحيفة “ذي تايمز” الجمعة.
ويأتي هذا الاقتراح قبل قمة لمجموعة السبع يأمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستضافتها الشهر القادم.
وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الجمعة “نبحث عن أطراف جديدة تدخل السوق من أجل تنويعه”، مضيفا “هذا أمر تحدثنا عنه مع حلفائنا، بمن فيهم الولايات المتحدة”.
وعلى الرغم من تحذيرات أمريكية متكررة، سمحت الحكومة الأمريكية لهواوي ببناء 35 في المئة من البنى التحتية المطلوبة لنشر شبكة جديدة من الجيل الخامس في البلاد.
وقالت “ذي تايمز” إن بريطانيا تقترح، بعد تدهور علاقاتها مع الصين، إنشاء ناد من عشر ديمقراطيات تضم أعضاء من مجموعة السبع وكوريا الجنوبية والهند.
والشركتان الوحيدتان حاليا الموجودتان في أوروبا والقادرتان على التزويد بتجهيزات للجيل الخامس، هما الشركة الفنلندية نوكيا والشركة السويدية إريكسون.
في وقت سابق من الشهر الجاري، قالت هواوي إنه لن يكون هناك مفر من تأثر أعمالها بسبب التحرك الأمريكي الأحدث لتقييد مبيعات الرقائق لعملاق التكنولوجيا الصيني لكن الشركة أضافت أنها واثقة في أنها ستجد حلولا قريبا.
وتلك التصريحات هي الرد الرسمي الأول للشركة بعد أن أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة إجراءات جديدة لمحاولة وقف إمدادات الرقائق العالمية لهواوي.
والقواعد الجديدة التي أصدرتها وزارة التجارة توسع سلطات الولايات المتحدة لتشمل طلب تراخيص لمبيعات أشباه الموصلات المصنعة في الخارج بتكنولوجيا أمريكية لهواوي، بما يزيد على نحو كبير من نطاق قدرتها على وقف الصادرات لثاني أكبر شركة لصناعة الهواتف الذكية في العالم.
التنافس الشرس
لا تزال بعض الحكومات الغربية تناقش ما إذا كانت ستسمح لشركة هواوي الصينية للاتصالات بتوفير المعدات لشبكات الجيل الخامس الجديدة التي ستدعم البنية التحتية الوطنية الحيوية. قالت الولايات المتحدة لا. كذلك الحال بالنسبة لأستراليا. وتتمثل إحدى طرق تفكير الآخرين في هذه المسألة في التساؤل عما إذا كانت بكين ستسمح لشركاتهم بتضمين هذه التكنولوجيا في الأنظمة الوطنية الصينية.
أي شكوك حول الإجابة ستكون قد تبددت من خلال الأخبار التي تفيد بأن الحكومة الصينية قررت أن كيانات الدولة والمؤسسات العامة يجب أن تزيل في غضون ثلاثة أعوام جميع أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات الأجنبية.
وتعكف بكين على تمزيق التكنولوجيا الأجنبية القديمة، و بالتالي إزالة فكرة السماح للغرباء بلعب دور في بناء اتصالات الجيل المقبل فكرة تفوق الخيال.
ليس علينا أن “هواوي” تخضع لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني لتقول إنه سيكون من الحماقة على ألمانيا، أو فرنسا، أو بريطانيا السماح للصين بدور في الجيل الخامس. المخاطر والأمور التي على المحك عالية جدا. ستوفر هذه الشبكات فائقة السرعة سرعات البيانات اللازمة للقفزة الكبيرة التالية للأمام -لشبكة إنترنت الأشياء، والتعلم الآلي المحسن إلى حد كبير، والذكاء الاصطناعي. من الواضح منذ الآن أن التطبيقات ستكون مهمة في الفضاء والأنظمة العسكرية المتقدمة بقدر أهميتها في تحويل البيئات الحضرية وطريقة عيش الناس.
في ظل هذه الظروف، من نافلة القول إن الصين ستستخدم كل الأدوات التي لديها في محاولة سرقة التفوق، وفي الوقت المناسب، لتصبح المزود المهيمن وواضع المعايير في التكنولوجيات الجديدة. نحن نعرف هذا ليس فقط لأن بكين أقرت قانونا للمخابرات ينص على أن الشركات الصينية تدين بالولاء النهائي للدولة، لكن لو أتيحت الفرصة لوكالات الاستخبارات الغربية فإنها لن تتوانى عن اغتنام أي فرصة تقدم نفسها للدخول داخل شبكات الصين.
بالطبع، إن الرئيس الأمريكي لا يجعل الأمر سهلا على حلفاء أمريكا. فنهجه المتشدد يفضي إلى حدوث شقاق مع بكين، ويتجاوز كثيرا حقيقة أن الجانبين سيبذلان دائما قصارى جهدهما للتجسس على بعضهما بعضا.
لكن إدارة ترامب للحرب بين القوتين ليست سببا كي يتجاهل الأوروبيون مصالحهم الخاصة. في هذه اللحظة هم متخلفون في المركز الثالث. وهناك أشخاص، في بريطانيا على وجه الخصوص، يقولون إن مخاطر مشاركة “هواوي” يمكن تخفيفها عن طريق تشديد المراقبة. وكالة الاتصالات السرية البريطانية GCHQ لديها بالأصل رقابة وثيقة على عمل الشركة الصينية في شبكات الاتصالات الحالية. لكن بالنسبة للجيل الخامس تتطلب الرقابة موارد متنامية باستمرار، وتكون عواقب عدم إتقانها أعلى بشكل لا يمكن قياسه.
ولهذا ينبغي أن تشعر أوروبا بالقلق من أن تترك في المؤخرة. فهي تأتي وراء كل من الولايات المتحدة والصين في تكنولوجيات مثل تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي. كما أن وجود “نوكيا” و”إريكسون”، يجعلها تتوفر على اللاعبين العالميين الوحيدين القادرين على المنافسة مع “هواوي”، وسيكون من الغريب تماما التخلي عن هذه الميزة المتواضعة عن طريق شراء الأجهزة الصينية.
روبرت زوليك، المسؤول الأمريكي ورئيس البنك الدولي السابق، قال ذات مرة إن هدف السياسة الأمريكية تجاه الصين يجب أن يكون إقناعها بأن تصبح “صاحب مصلحة مسؤولا” في النظام الدولي القائم على القواعد.
فهل صحيح أن بكين تظهر مرارا وتكرارا أنها مستعدة لتجاهل القواعد وخرقها في السعي لتحقيق مصلحتها الوطنية؟
جزئيا، نعم. محاولات الصين للتلاعب بالنظام لا يمكن إنكارها. لكن لا يترتب على ذلك أن تصبح الولايات المتحدة شريكا راغبا في تدمير مجموعة من القواعد التي صممت وصنعت إلى حد كبير في واشنطن. فكما لاحظ زوليك في خطاب ألقاه هذا الشهر أمام مجلس الأعمال الأمريكي – الصيني، أن من النادر أن تكون سياسة المواجهة مفيدة لمصالح الغرب إذا كانت تحفز الصين “على التصدر في نظام مواز، منفصل، مع قواعد مختلفة للغاية”.
المتنافسون ليسوا بحاجة إلى أن يصبحوا أعداء صريحين. يجب أن تكون المنافسة حافزا لتحسين أداء كل متنافس بدلا من محاولة للتغلب عليه أو إزاحته.
بعبارة أخرى، إذا أرادت أمريكا الفوز في سباق التكنولوجيا، فعليها أن تقدم اللعبة الخاصة بها. ويركز النهج البديل، الذي يبدو أن ترامب يفضله، على إسقاط المنافسين. سيؤدي ذلك فقط إلى مواجهة صينية – أمريكية أوسع.
بطبيعة الحال، يجب أن تكون الرسالة الموجهة إلى الرئيس الصيني تشي جينبينج واضحة. لا تستطيع بكين إلقاء الحواجز الخاصة بها والشكوى عندما تفقد إمكانية الوصول إلى التكنولوجيات الغربية المتقدمة. لا تزال هناك قطاعات كبيرة في صنع السياسات العالمية يستفيد فيها كلاهما من التعاون.
كما يقول زوليك، التنافس مع الصين يكون بإنتاج أفكار أفضل وتكنولوجيات أكثر ذكاء، وليس بالتنمر والتقوقع.
حرب الجيل الخامس
منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدّة الحُكم في الولايات المتحدة، رافعاً شعار “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” وشعار “أمريكا أولاً”، وتتّخذ إدارته من العجز في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين، ونمو ودخول الشركات الصينية إلى الأسواق الأميركية والغربية على أنه خطر عظيم على الأمن القومي الأمريكي، ومن ثم تسخّر هذه الادّعاءات العدوانية كذرائع لتحجيم الشركات الصينية ومنعها من الوصول إلى الأسواق الأمريكية وتأليب حلفاء أميركا عليها مُتّهمة الصين بالسطو على حقوق الملكية الفكرية الغربية.
رفعت إدارة ترامب الرسوم الجمركية من 10% إلى 25% على واردات من الصين، كما أنها جهّزت لحرب تجارية كُبرى مع الصين، أعدّت قوائم لفرض رسوم على سلع صينية إضافية بقيمة 300 مليار دولار، لكي تُطيح بقُدرتها على التنافُسية.
ولذلك، فهذه هي أكبر حرب تجارية يشهدها الاقتصاد العالمي عبر التاريخ. الصين والولايات المتحدة، اليوم هما أكبر اقتصادين في العالم، وشنّ الأمريكان حربا تجارية على الصين، بنهاية المطاف يضرّ بالمصلحة الأمريكية المباشرة.
فلم تحقّق هذه الحرب التجارية، تقليصاً للعجز في الميزان التجاري بين البلدين، بل على العكس، لقد زاد العجز التجاري بحوالى 10.4% لصالح الصين، خلال العام الماضي. كما أن الفلاحين وعموم فئات المُستهلكين الأمريكان والشركات الأمريكية الأساسية، هم مَن يدفعون ثمن “البلطجة الاقتصادية” لإدارة ترامب.
تعمل الولايات المتحدة جاهدة لتُنهي هيمنة المجموعة الصينية العملاقة هواوي على سوق الجيل الخامس، من خلال جرّ كل من شركة “نوكيا” و”إريكسون” الأوربيتين إلى تحالف تكنولوجي مضاد لهواوي. وترامب يُعيد تدوير تجربة قام بها في مطلع الثمانينات من القرن الماضي الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، ضد الشركات اليابانية رائدة صناعة “Semiconductors ” أشباه الموصلات. هذه الشركات آنذاك جعلت من اليابان، سيّدة تكنولوجيا الإلكترونيات بلا مُنازِع.
وقد قام رونالد ريغان بصوغ كارتيل تحالف شركات تكنولوجية أمريكية، موّلته إدارته وخلال بضع سنوات استطاع أن يزاحم اليابان، ليس بالمنافسة الشريفة والنجاح في تحقيق قفزات صناعية وتكنولوجية، بل من خلال فرض قوانين وإجراءات حدّت من قُدرة اليابان التنافسية ليس في السوق الأمريكي وحده بل عالمياً أيضاً.
ولهذا، تم إنشاء كارتل تحالفت فيه نحو ثلاثين من شركات التكنولوجيا والاتصالات العملاقة في الغرب من أجل إنشاء أنظمة جيل خامس (5 جي)، وذلك لكي يستطيعوا اللحاق بهواوي العملاق الصيني رائد هذه التكنولوجيا، الذي يسبق الغرب بسنين في هذا المجال.
وتقوم هذه الشركات بإلغاء الاعتماد على هواوي كمورد أساسي لهذه التكنولوجيا ومُستلزماتها. وفي عضويّة هذا التحالف مجموعات عملاقة مثل “غوغل” و”مايكروسوفت” و”آي بي إم” و”إي تي أند تي” و”فودافون” بالإضافة إلى مجموعات تصنيع الرقائق الإلكترونية مثل “كوالكوم” و”إنتل” و”سامسونغ”.
وتسعى إدارة ترامب اليوم إلى إعادة عقارب الزمن إلى الوراء وأن تكرّر ما قامت به إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، حين أجبرت اليابان على قبول القيود التي سمّاها الأمريكان “بالطوعية” على صادراتها، وخاصة الإلكترونيات والسيارات، من أجل تقليص العجز التجاري الأميركي-الياباني وحماية الشركات الأمريكية من القدرة التنافسية المرنة للشركات اليابانية.
لكن السؤال هو: هل يدرك ترامب طبيعة الفرق بين اليابان والصين ؟
لو كان مُدرِكاً للفرق لما ذهب إلى هذا الحد في الصراع مع الصين. هل يُدرِك بأن اليابان أحد دول المحور، إلى جانب ألمانيا النازية، قد هُزمت في الحرب العالمية الثانية. وآنذاك خشي البريطاني والأمريكي، من الانتصارات والزحف السريع والمُبهِر التي يحقّقه الجيش الأحمر السوفياتي في تلك الأثناء؟ وقبل أن يواصل الغرب بتزييف تاريخ الحرب العالمية الثانية ويُظهر كما يدّعي اليوم، بأنه هو مَن حقّق هزيمة هتلر على كل الجبهات، واليابان أيضاً، وليس الجيش الأحمر السوفياتي، لا بد من التذكير بالتالي:
في يوم 09 غشت 1945، شنّت الجيوش السوفياتية، عملية اقتحام وهجوم استراتيجية على منشوريا، تعتبر أعجوبة عسكرية، لضرب وطرد القوات اليابانية من هناك وعلى طول الحدود الصينية المنغولية. وفي هذه الحملة العبقرية تمكّنت فرق الجيش الأحمر السوفياتي من سحق الجيش الياباني، وفرض السوفيات سيطرتهم الكاملة على منشوريا. استسلمت كامل القوات اليابانية المتواجدة في المنطقة للجيش الأحمر، وبلغ عدد المُستسلمين 700,000 جندي ياباني، وأخذ الجيش الأحمر منشوكو ومينغجيانغ (منغوليا الداخلية)، وشمالي كوريا وجنوب ساخالين وجزر كوريل.
صُدِم الأمريكان من هذه النجاحات السوفياتية الخاطفة والباهرة، وتخوّف الأمريكان من دخول الجيش الأحمر السوفياتي إلى الصين، واحتلاله اليابان نفسها، كما فعل الجيش الأحمر في ألمانيا، بوصوله إلى مقر هتلر نفسه وقيادة الجيوش الألمانية ورُفع العلم السوفياتي فوقها، قبل 75 عاماً من اليوم.
استسلمت اليابان بعد هذه الهزيمة لقوات الحلفاء ورفعت الرايات البيض، لكن لم تكتف الولايات المتحدة برفع الرايات البيض في اليابان، وبموجب أمر رئاسي تنفيذي أصدره الرئيس هاري ترومان، في التاسع من شهر غشت، قامت الطائرات الأمريكية بإلقاء السلاح النووي “الولد الصغير” على مدينة هيروشيما فقتلت أكثر من 140.000، وبعدها ألقيت قنبلة “الرجل البدين” على مدينة ناكازاكي، وقتلت ما يزيد عن 80.000.
الهدف الرئيس من وراء هذه الوحشية المفرطة بضرب المدنيين العُزَّل في هاتين المدينتين في بلد كان للتوّ قد أعلن الاستسلام، كان هو بالتحديد الإعلان للعالم وللاتحاد السوفياتي بالذات، الذي أظهر على عكس ما كان مرجوّاً له من هزيمة ساحقة ماحِقة عل يد جيوش الفاشية. بل على العكس من كل ذلك أظهر قوّة لم يتوقّعها الغرب في تكبيد اليابان وألمانيا هزائم ساحقة. القنابل ضربت لتعلن الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تمتلك سلاحاً يشكّل كابوساً للبشرية، رهيباً ومرعباً ويأتي بالدمار الشامل، والفناء الكامل.
اليوم، اليابان ورغم كل إنجازاتها الصناعية والتطوّر الذي حقّقته، إلا أنها لا تزال تعتبر دولة عملياً تحت سيطرة الولايات المتحدة ورغم انتهاء الاحتلال الأميركي لجزيرة أوكيناوا في عام 1972، إلا أن القواعد الأميركية منتشرة فيها وتجبر الولايات المتحدة اليابان على دفع 6 مليارات دولار سنوياً لصيانة القواعد الأمريكية على ترابها. أهم بنود الاتفاقية الأمنية الأمريكية – اليابانية التي وقّعت عام 1951 المادة الأولى: تحدّد واجبات القوات الأميركية في اليابان “حماية اليابان من أيّ اعتداء خارجي أو اضطرابات داخلية واسعة ضد السلطات اليابانية”.
المحتل سيحمي البلد من اعتداء خارجي، والأهم سيقمع الشعب الياباني إذا ثار ضد السلطات اليابانية المفروضة أمريكياً بقوّة السلاح الأمريكي، أي بقوّة “الولد الصغير” و “الرجل البدين”.
في حين أن الصين كحضارةٍ وكشعبٍ وقبل أن تكون دولة اشتراكية عصريّة، كانت تواجه الفاشية اليابانية والعدوان الأوروبي والغربي المستمر، وحروب الأفيون البريطانية. قاد “ماو تسي تونغ”، مؤسّس الصين الحديثة، وبدعمٍ وإسنادٍ سوفياتي حقيقي، ثورة عمالية فلاحية عظيمة، ضد الاستعمار وبقايا الاستعمار والتخلّف.
الإنفاق الصيني
خلال عام 2018 أنفقت الصين كدولةٍ أكثر من 300 مليار دولار أمريكي على البحث العلمي وحده. هذا أعلى مما تنفقه دول أوروبا الغربية وأعضاء الاتحاد الأوروبي مجتمعين، والذي لم يتجاوز 280 مليار يورو عام 2019 أي بنسبة (2.03 %) من الناتج المحلي الإجمالي. في حين تنفق الصين نسبة (2.08 %).
لقد حقّقت الصين المُعجزة، النهضة، القفزة، الرخاء والرفاه لأكثر من مليار وثلاثمئة مليون صيني، خلال عشرات السنوات من دون أن تحتل الصين دولة أخرى أو أن تقوم بنهب خيرات وثروات أمم وشعوب ضعيفة. لم تستعبد ولم تسخّر شعوباً لتعمل لها بالمجّان أو بفتات الخبز، لتراكم الثروات، كما فعلت الإمبراطوريات الغربية قاطبة.
وقد أنجزت الدولة الصينية المعاصرة، تنمية شاملة، وبسموّ أخلاقي واضح للعيان. أول مَن يحسدها على هذا النجاح، هو العالم الغربي، الذي استمر يغزو وينهب ويستعمر شعوب الأرض ويسفك الدماء، ولعدّة قرون في سبيل تحقيق مُراكمة رأس المال والثروات. الشعب الصيني ليس ضعيفاً، بل هو صانع مُعجزة وانتصارات هذا العصر، هو سيّد وطنه وهو حاضِنة لمصانع الكرة الأرضية.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 19/10/2020