الفنان التشكيلي و النحاث عبد القادر بوطافي

خلق فنا حيا بأحاسيسه لمصارعة الجماد و فك القيود

 

عبد القادر بوطافي، فنان تشكيلي زاوج ما بين الرسم والنحث، من مواليد مدينة الجديدة سنة 1955، أحب الرسم وهو في سن الطفولة، حيث فتح عينيه على الصباغة و ألوانها من خلال عمل والدته التي كانت تشتغل على الصوف و صباغته، ومن أب كانت حرفته الحدادة، فتعلم منه كيفية تطويع الحديد و خلق أشكال متناسقة ومتناغمة منه، خاصة بعد مغادرته للمدرسة والتحاقه بورشة أبيه مما ساهم في تطوير موهبته و بالتالي خوض تجربته على مستوى الحديد والطين والخشب، حيث اشتغل في بداياته على تجسيد أجساد بشرية و أخرى حيوانية لكنها لقيت الرفض من والده بحكم أن ذلك مخالف للدين والشريعة الإسلامية كما يرى الوالد لينعرج للرسم من خلال رسومات انطباعية وواقعية، قبل أن يعود مجددا للنحث.
لم يتلق التشكيلي والنحاث عبد القادر أي دراسة أو تكوين أكاديمي حول فن النحث أو الرسم، بل طور مهنيته و أدواته بشكل ذاتي مستفيدا من ورشات عمل فنية محلية و دولية إلى جانب مشاركاته في عدد من المعارض الجماعية التي ساهمت بشكل كبير في صقل موهبته التي تحولت فيما بعد إلى حرفية صادقة وبليغة المعاني، خالقا مدرسته الخاصة التي يمزج فيها ما بين السريالي والواقعي والتجريدي، يقول عنه الناقد عبد لله الشيخ «إن النحاث عبد القادر بوطافي له قدرة كبيرة على خلق تشكيلات نحثية متولدة متربصة بفعالية الجسد التجريدي وانتشاليته قصد تنويع المبنى التشكيلي وتنغيمه في ضوء أشكال لها جماليتها وتقنياتها».
من خلال بعض أعمال الفنان بوطافي يبدو جليا أن الفنان يتميز ببراعة إبداعية هائلة في تعامله مع الأشكال المنفردة منها المنتصبة و الجاثمة ومنها الممتدة على الأرض، وقد ساهم في هذا الإبداع حسه التشكيلي المرهف، فأن تكون رساما و نحاثا في نفس الآن فذاك نوع لا يمكن أن ينجب إلا ما هو راق ومتميز، فأعمال عبد القادر تبرز الهم الإنساني والواقع الذي يحيط بالفنان و يلازمه في دواخله كما عبر عن ذلك النحاث العالمي هنري مور «ليست تماثيلي قطع زينة تتحلى بها الصالونات و تتألق تحتها المناظر، إنني أبحث لأسجل شعوري بالحياة.. لا لأملأ فراغا في غرفة، إني أسجل إحساسي بالقوة التي تصارع الجماد و لتخلق فنا حيا يصارع القيود».
لقد أكد عبد القادر بوطافي حضوره كفنان تشكيلي عصامي، على مستوى الرسم أيضا من خلال أسلوبه المتميز المختلف مؤكدا تفرده عن مجموعة من الفنانين التشكيليين، خاصة ببعض المعارض القليلة التي شارك فيها حيث جعل من المواضيع التي يختارها رسائل لهواجس روحه ومدى انفعالاته وكينونته في غمار الطبيعة وتجلياتها وسحر التراث وألوانه، عاكسا بذلك الفن اللوني الذي يشد المتأمل لأعماله المشبعة بالألوان الزاهية و الأشكال المتداخلة متجاوزا الحدود المغلقة لمساحات اللوحة و تلخص الزمان والمكان، عاكسة نوعا من الفنتازيا والإيقاعات البصرية المتراقصة الدائرية أحيانا أو المستوية في تراكيب تلقائية على شكل أجساد بشرية أو حيوانات أو نباتات حية أو مبهمة، ينسجها على منواله الخاص محاكية جمال المشاعر، ملامسة البعد النفسي.


الكاتب : محمد الصفى

  

بتاريخ : 03/02/2023