السلّ يحتل المرتبة التاسعة في لائحة الأمراض المميتة والحاجة إلى خطة حكومية عاجلة للحدّ من معدّلات انتشاره

المعدل الوطني للإصابات المسجلة في المغرب هو نفسه الذي عرفته أوروبا خلال نهاية الحرب العالمية الثانية

أطلقت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية حملة وطنية للوقاية من مرض السل، في الفاتح من شهر نونبر الجاري، التي ستمتد لستة أسابيع، والتي تهدف من ورائها إلى رفع مستوى الوعي، وتعزيز التشخيص المبكر، في حالة ظهور علامات تشير إلى الإصابة بالمرض، وذلك لتجنب المضاعفات والوفيات التي قد تحدث في حالة التأخر في اكتشافه، فضلا عن تعزيز العلاج الوقائي في أوساط المجموعات المعرضة لخطر العدوى.
خطوة تعتبر مهمة وتستحق كل التنويه، بالنظر لواقع هذا المرض الذي تتفاقم حدته، بشكل جعله يحتل المرتبة التاسعة في قائمة الأمراض المميتة، بالرغم من الجهود المبذولة لمكافحته، وعلى رأسها تقديم كل الخدمات الصحية المرتبطة به مجانا في مراكز التشخيص وكذا بالنسبة للدواء في المراكز الصحية القريبة من سكن المصابين. وتبيّن الأرقام الرسمية أن معدل اكتشاف مرض السل يقدّر بحوالي 85 في المئة، وهو الأمر الذي لا يعتبر مقلقا، مقابل معدل للشفاء يصل إلى 90 في المئة، كما أن نقص معدّل الإصابة بالداء لا يزال ضعيفا إذ أن نسبته تتراوح ما بين 1 و 2 في المئة في السنة، وهو ما يكشف حجم التحدّي الذي يفرضه المرض بتبعاته المتعددة، خاصة حين يتعلق الأمر بالسل المقاوم للأدوية جراء الانقطاع عن تناولها مما يفاقم الوضع الصحي للمريض.
ويؤكد المختصون على أن مرض السل يشكّل 40 في المئة من الوفيات بالنسبة للأشخاص المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة، لأن لديه خاصية تتمثل في أنه يكون مقرونا بمجموعة من الأمراض التي تضعف وتفقد المناعة بالنسبة للأشخاص. وبلغة الأرقام دائما فإنه يتم سنويا تشخيص حوالي 30 ألف حالة إصابة بالسلّ حسب ما يصرح به الأطباء، بالنظر إلى وجوب التصريح بالمرض عند اكتشاف كل حالة مرضية في هذا الصدد، في حين أن هناك حالات عديدة لا يتم تشخيصها. ويبلغ المعدل الوطني للإصابات بداء السل 88 حالة لكل 100 ألف نسمة، وهي نفس الوضعية الوبائية التي تم تسجيلها في أوروبا خلال نهاية الحرب العالمية الثانية وتم تجاوزها لاحقا، وفقا لما سبق وأن أكده الدكتور عبد الله طالب، عضو العصبة المغربية لمحاربة السل، في عرض له جرى تقديمه في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بعين السبع في الدارالبيضاء، مشيرا إلى أن عدد حالات السل في الدول الأوروبية يقدّر اليوم بـ 10 حالات كمعدل سنوي لكل 100 ألف نسمة.
وتتباين أرقام الإصابة بمرض السل حسب الجهات والمدن، إذ يتجاوز المعدل سقف 100 حالة إصابة لكل 100 ألف نسمة في جهتي طنجة تطوان الحسيمة والدارالبيضاء سطات، نموذجا، وفقا للأرقام الرسمية لسنة 2021. ويشدد الخبراء على أن هناك مجموعة من العوامل التي تتسبب في استمرار تفشي الداء رغم المجهودات التي يتم بذلها لمحاصرته، ورغم النتائج المشجعة التي تتعلق بمعدلات الشفاء وبتراجع نسبة المنقطعين عن استعمال الدواء، مع ما يعني ذلك من تقليص لأرقام الإصابة بالسل المقاوم للأدوية، والتي لها علاقة بالهشاشة في مختلف مستوياتها.
وإذا كانت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية قد أطلقت هذه المبادرة المحمودة، فإن مواجهة مرض السل، تتطلب خطة حكومة فعلية وملموسة الخطوات والآثار والنتائج، لمواجهة مختلف المحددات الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم بشكل أو بآخر في استمرار حضور المرض وبقوة، والمرتبطة بنمط العيش، والتغذية، وطبيعة السكن والإيواء، والتهوية، والتعرض لأشعة الشمس من عدمه، وحضور الرياضة، وإشكالات التدخين، واستمرار عدد من السلوكيات الناقلة للعدوى المرتبطة بعاملي الوقاية والنظافة، كالأكل والشرب في الفضاءات الخاصة والعامة باستعمال أشخاص متعددين لنفس الكأس أو الصحن أو غيرها من «النواقل» الأخرى للمرض.
هذه المحددات المختلفة تشكّل بيئة حاضنة للمرض، لا يمكن لكل البرامج ذات البعد الصحي أن تواجهها وتقضي عليها لوحدها، في غياب رؤية شمولية، تستحضر كل الإكراهات والتحديات وتجيب عن كل واحدة منها بناء على تشخيص دقيق، وهو ما تبينه نتائج المخطط الوطني الاستراتيجي للوقاية والتحكم في السل للفترة ما بين 2021 و 2023، نموذجا، الأمر الذي يتطلب تعبئة كبيرة لأن استمرار وفاة مواطنين مغاربة، من مختلف الأعمار، بمن فيهم الصغار، بسبب الإصابة بمرض السل، نتيجة لتأخر التشخيص أو لسبب آخر، يعتبر أمرا صعب الاستيعاب ويطرح العديد من علامات الاستفهام، في ظل التطور الذي تعرفه المنظومات الصحية والثورات العلمية والتكنولوجية في المجال الصحي.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 15/11/2023