النّاقدُ الأسْطُورِي

إلَى رُوحِ
بَنْعيسَى بُوحْمَالَة

_1_
يشقّ على النّفس أن تصدّق رحيل الصّديق العزيز بنعيسى بوحمالة. رأيتُ أم لم ار صورته، ذُكر أم لم يُذكر اسمه، مِلءَ العين والقلب، يتراءَى لي دائما في شريط فنّي طويل جميل جدا، يمرّ سريعا أمامي، صامتا وناطقا، بالأبيض والأسود والألوان، في أماكن شتّى، داخل الوطن أو خارجه، هناك، على سبيل المثال، في ليالي القاهرة واحتفالية الشاعر صلاح عبد الصبور، وهنا، على سبيل الجمال، في احتفائية جرسيف، بنا معا والصديق العزيز الفنان التشكيلي محمد سعود.
وفي لقاءات أخرى كثيرة، كان فيها جميعا، موسوعة معرفية شاملة، ومعلمة جمالية كاملة، وقامة فنية عالمة، راسخة، وباذخة، وشامخة، في أعالي الجمال والمعرفة والفن.
وكم كان يحلو لي أن أحييه بالناقد الأسطوري، منذ احتفائنا الجماعي بتازة المحروسة شقيقة مكناسة حوريتي الجبل والغابة والماء، وأن أناديه بترجمان أشواق المحبين والعشاق من كل الآفاق، التي أسرى إليها جسَدا وأسَرّت إليه بالروح.
وفي كل تلك المواقف والمخاطبات والمناسبات، كنا معا كثيرا ما نردّد هذه العبارة، لازمةً موسيقيةً صادحةً وفاتحةً وخاتمةً لأحاديثه المرحة، بمختلف أساليب اللغو والنحو : الخساراتُ الجميلةُ، ياصاحبي، ما أجملها من خسارت، إن هي إلا خساراتنا التي بها نحيا! وكم كنّا نردّدها مبتسمَين ومبتئسَين، تعليقا على مواقفِ إرضاء الناسِ على حساب النفسِ، ومصداقا لقول المصحفِ الشريفِ: «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسَكم لا يضرُّكم من ضلّ إذا اهتديتم» والكتابِ المقدسِ: «ماذا ينفع الإنسانَ لو ربح العالمَ كلّه وخسر نفسَه»!
وعسَى أن يستجيبَ العالمُ كلُّه لجمال بَنْعيسَى بُوحْمالَة والكاملِ الهادي بَنْ عيسَى الفادي شيخِ مَكناسَ وكلِّ أنواعِ الإبداعِ الإلهيّ والطبيعيّ والإنسانيّ!

_2_
الْأُسْطُورِي
..
لَكَمْ كَانَ
بُوحْمَالَة بَنْعِيسَى
يَقُولُ
وَهُوَّ يُشِيرُ
إِلَى جِهَةٍ مَا
مِنَ الْقَلْبِ
سَوْفَ تَظَلُّ
هُنَا…لِكَ دَائِماً
فَارِغَةً أَبَداً
لَيْسَ يَمْلَأُهَا غَيْرُهُ:
..
هُوَّ الْمُسْتَحِيلُ
نُحَقِّقُهُ الْآنَ
فَوْراً، وَكُلُّ
الّذِي يَتَبَقَّى
مِنَ الْمُعْجِزَاتِ
الَّتِي لَيْسَ يُعْجِزُهَا
مَنْ فِي حَضِيضِ السَّمَاوَاتِ
وَلَا يُعْوِزُهَا
مِنَ الْوَقْتِ إِلَّا الْقَلِيلُ
الْجَمِيلُ الْخَسَارَاتِ!
..
هُنَا…لِكَ دَائماً
جِهَةٌ مَا مِنَ الْقَلْبِ
سَوْفَ تَظَلُّ
فَارِغَةً أَبَداً
لَيْسَ يَمْلأُهَا
إِلَّا الْقَليلُ الْجَمِيلُ
مِنَ الْحُبِّ
هُوَّ الْأَسَاطِيرُ
وَالْمُعْجِزَاتُ
وَالْمُسْتَحِيلُ!
_3_
إِلَى أَجَلٍ لَا يُسَمَّى
..
أَنَا فِي ذِمَّةِ اللهِ !
قُلْتُ لِنَفْسِي
وَأَرْدَفْتُ : مَنْسِي !
..
إِلَى أَجَلٍ لَا يُسَمَّى
وَمَهْمَا
يَكُنْ لنْ …!
..
كَمَا
لَمْ يَكُنْ
أَبَداً !
..
لَا غَداً
وَلَا الْيَوْمَ
وَلَا أَمْسِ!
..
لَمْ أَرْبَحِ الْعَالَمَ
لَكِنَّ مَا
خَسِرْتُ فِيهِ نَفْسِي!
_4_
سُلْوَانَة
..
يَرْتَجُّ قَلْبِي
كُلَّمَا ضَرَّجَ وَجْهِي
بِدَمِهِ
وَفَجَّرَ الدَّمْعَةَ
مِنْ مَحَاجِرِ الْأَجْفَانْ !

فِي ذِمَّةِ الَّلهِ
وَدَاعاً
أَيُّهَا الْغَالِي
لِرُوحِكَ السَّلَامُ
وَلِذَوِيكَ الصَّبْرُ وَالسُّلْوَانْ !

وَقَبْلَ أَن يَنْبُتَ عُشْبٌ
وَيُرَشَّ الْمَاءُ
عَلَى أَدِيمِ الْقَبْرِ
تُنْسَى كَلِمَاتُ النَّعْيِ- وَالْعَزَاءُ
فِي شَاهِدَةِ النِّسْيَانْ!


الكاتب : إدريس الملياني

  

بتاريخ : 25/03/2023