اليقين

– ذلك الجدار الفاصل بين ما تراه شكا، وما تنصبه في الضفة الأخرى ملاذا آمنا، و كأنه بيت جبلي تهرب إليه كلما احتدمت الأحداث، اخترت طلاءه بعناية تجعل ألوانه تريح ضميرك قبل بالك وأثثته بأفكار تشغل دور المهدئ حينما تخرج الأمور عن السيطرة. إنه اليقين، الحبل الممتد بين نقطة العقل والقلب، بدايته شعور ثم فكرة تنتهي بنفي يخرجه بعيدا عن الجدار أو تأكيد يطبع عليه فيغدو الجدار دون إدراك، سلما للحقيقة داخلنا .
– في معزوفة الحياة تتوالى المقاطع ولكل مقطع ضمن المعزوفة أثر حتى إن لم ننتبه، ففي عدم الانتباه، انتباه شرز. ضمن تفاعل لحن الحياة مع مساراتنا الداخلية، تتولد الحقائق التي ما تفتأ تصير رزنامة العمر .
– لليقين سحر عجيب، كلما تعمقت زاد خدرك، زادت قوتك في مجابهة ما تؤطره خارج أو عكس يقينك، مصنع بارود يعتريك، جمعت به كل عناصر الاشتعال بحذر لتبقيها بمنأى عن الهواء الخارجي، غير آبه أنه يمكن أن تحترق بها أنت وحدك بدواخلك، ولا دخان يتصاعد ليهرول أحدهم لإخماد حريقك أو إسعافك وكأنك تحصد ثمرة يقينك بمباركة جمود العالم الخارجي. لليقين مسافة فاصلة بين الراحة والعذاب ويمكن لمسافة راحة اليوم أن تؤول مسافة عذاب الغد، ولزيف وشك الماضي أن يتحول الى يقين الحاضر والمستقبل قاب قوسين. لذلك، كل شيء نابع منك ومتفاعل فيك ومطبق عليك، عظيم هو تكوين دواخل الإنسان.
– في اليقين تتفرع المستويات وتختلف، فيأتي أولا يقينك الذي تتعاقب عليه الضربات والكدمات حتى تزحزحه وتمرغ أنفه أرضا، ففي لحظات تصيح لآخر وتر من أحبالك الصوتية وبكل جهد قطعه الألم، أين الله، أين عدله لينصفني، أين قوته لتناصرني أنا الذي صبرت وأحسنت، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، يقينا أن هاته هي أعظم مستويات تجديد وتجدد يقينك بالقوة العليا التي أخلت لك حقول التجربة وجعلتها تحت إمرتك وتصرفك لتقف مع يقينك بنفسك، على آخر قطرة من جسد أطعم قلبه من عرق تجاربه.
– القوة العليا التي بذرت جميل ما أودع فيك لينبت ويحصد في موسم قد تستعجله أنت، لكن محصولا عن محصول يختلف، وغلة عن غلة تغني عمرا .
– في المستوى الثاني وهو يقينك بذاتك والذي يستمد من المستوى الأول، صورتك الذاتية التي لن تفارقك حتى أثناء حلمك. تلميعها أمر مناط بك. فيقينك بنفسك يأتي من شساعة حقل استحقاقك والمرتبط برؤيتك لذاتك، بحبها أولا وإغداقها رأفة وحنانا ثم رحمة وغفرانا، لكل هفوة وكبوة. فليس لديها قوة خارقة لاستباق الخطر أو ترقبه، ذلك الترقب الذي يحول قدرتك عجزا صدأت طاقته لأنها لم تدخل حيز التجربة ومجال التفاعل .
– حب ذاتك وإيمانك بها شرط اليقين بنفسك لمواصلة السير بخطى ثابتة في دروب الحياة، خطى فخر واعتزاز، خطى توقير وتعظيم لأقدام مازالت تطاوع نفسها للمضي قدما، ولقلب ما زال يدق ليس بطريقة أو بأخرى ليعيش وإنما بحتمية ضرباته يقينا بوفرة الحب الذي يزهر بفراشات الفرح واستحقاقه على مرأى ومسمع الفقد والألم.
– يأتي في المستوى الثالث والأخير يقينك بالآخر وهذا الباب يعنون بالنسبية، بالإحساس اللحظي، الآني الذي إذا رأيت حباله تمتد لتأخذ منك مأخذا قد يجهز على نبيل فيك، اقطع حباله….لك ظاهر الشخص وما أبداه، نيته لنفسه، عتمته لكيانه، وشره لن يحيق إلا به، لذلك اغتنم ودا، خذ من الشمس ضياءها ومن القمر نوره ومن الكلمات ظاهرها، من الشعور أوله ومن المواقف نهايتها .
– أنت في هاته الحياة مستند لقوة عليا تفوق حجمك وتتخطى مستوى استيعابك متكئا على عكاز ذاتك، لذلك لا ترفع سقف يقينك بأحد خارج شخصك، لا توقن بزيف يغتال فرحة الحياة وبريقها، مغالطات تئد بنات أفكارك ظلما وكفرا، أنفق وتمادى في تعزيز يقينك الأول حتى تؤتى مفاتيح أقفال اليقين بذاتك، أما اليقين الثالث فتغافل أنى استطعت وتوسم الخير واضمره، ثم امنحه لأنك أنت أنت وبك من مستويات اليقين ما يفوق جبال الشك و الريبة.


بتاريخ : 16/04/2024