امرأة في مواجهة الموت -6- فريق شبيه بالربوهات لا يتحرك إلا بالتعليمات

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة ٠فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها٠من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز
خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

 

 

قبل ثلاث سنوات ونيف انتقلت ابو المعز لتستلم مصلحة الطب الشرعي بالجديدة مسؤولة عنها وهي المصلحة التي يفد عليها كل يوم عدد من الجثث من أجل تشريحها وكشف سبب وفاتها٠
شعور مخيف ينتابك وأنت تقترب من هذا المكان. صمت مريب يحيط بك لا يقطعه سوى دخول أو خروج سيارة إسعاف. الاسفلت وموقف السيارات المحيط بالبناية لا يوحي بالحياة، وأنفك لا يلتقط سوى رائحة الموت.
احذرأنت الان بمصلحة الطب الشرعي بالجديدة الذي تخفي الأسوار الحديدية المحيطة به حياة أخرى مرتبطة بالموت وبالعالم الآخر.
خلف البوابة المؤدية إلى الباب الرئيسي للمصلحة، كانت هناك جماعات متفرقة من المواطنين لا يوحّد بينهم سوى علامات الحزن البادية على أوجههم. في انتظار أن ينادي عليه مسؤولي المصلحة ، من أجل تسليمه جثة أو وثيقة أو قصد ولوج المصلحة للتعرف على أحد أفراد أسرته.
كان صوت القرآن يصدح من هاتف أحد المتطوعين الذي تمكن من تعلم أبجديات المساعدة في التشريح وتغسيل الجثت ٠حركة دؤوبة للموظفين هنا لخدمة المواطنين الذين يفدون على المركز تباعا إما لاستلام جثامين ذويهم من أجل دفنهم، أو لطلب نتائج التشريح لمعرفة أسباب وفاة أحد الأقرباء…
على يمين الباب الرئيسي ويساره توجد مكاتب خاصة بالإدارة، . وفي الجهة المقابلة توجد مراحيض مجهزة بكل الضروريات لكلا الجنسين. هنا مصلحة الطب الشرعي التي لايعرفها الا من تذوق مرارة موت أحد أقربائه ولايسأل عنها عامة زوار المستشفى.
وهي المصلحة التي ساهمت في حل العديد من ألغاز الوفيات الغامضة، وكشف عن حقائق صادمة في كثير من الحالات التي كانت تبدو وفاتها عادية كما تؤكد ربيعة ابو المعز الطبيبة الشرعية في الجديدة.
وبابتسامة رقيقة هادئة، لا تتوقف عن الكلام أثناء قيامنا بجولة استكشافية لجميع المرافق التابعة للمصلحة، بسعة صدر فريدة من نوعها.فهي امرأة بالف رجل بحكم عملها في مستودع اموات في الوقت الذي يستقبل زملائها زبناءهم احياء لاتقبل في مصلحتها الا الاموات وبحكم ايضا انها من النساء القلائل اللواتي اقدمن على هذه المغامرة ، تستقبل ابو المعز يوميا جثتا تحال عليها من طرف الأمن أو الدرك أو النيابة العامة من أجل تشريحها والكشف عن سبب وفاتها.
كما أن المصلحة تستقبل أيضا جثامين الأشخاص المجهولي الهوية، ليتم تغسيلها وتكفينها ومن تم دفنها وهي العملية التي لاتقتصر فقط على الجثث وإنما تشمل كذلك أطرافا بشرية لمرضى يعانون داء السكري أو غيره، ممن اضطر الأطباء إلى استئصال بعض أعضائهم فإنها تعامل كالجثث وترسل بدورها إلى مصلحة الطب الشرعي لنفس الغاية.
ابو المعز ضحضت السائد عند الناس بأن الطب الشرعي يهتم فقط بالموتى،فهي ايضا تتعامل مع الأحياء.
فإلى جانب الحالات التي ترد على المصلحة من أجل إثبات نسبها، أوضحت أنها تفحص بنفسها الأشخاص الذين يتعرضون للعنف كيفما كانت طبيعته، أي سواء كان جسديا أو جنسيا، مضيفة أن القضاء عندما يطلب الخبرة الشرعية فإنه يكون في حاجة إلى نتيجة دقيقة تطلعه على طبيعة الإصابات، أي هل هي عمدية أم إصابات مفتعلة، وما هو تأثيرها ومدة العجز الذي تسببت فيه وهل يمكن أن تترتب عنها عاهات مستديمة


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 08/04/2022