بسبب ارتفاع أسعار الاستشارات الطبية مقابل تدني المصاريف المسترجعة.. التعريفة المرجعية الوطنية تحرم فئات عريضة من المغاربة من الولوج إلى الصحة

 

يضطر عدد مهم من المغاربة إلى تأجيل زياراتهم للأطباء حين ظهور أعراض مرضية عليهم، ويتجهون للتداوي التلقائي بغية التخفيف من آلامهم باقتناء أدوية من الصيدليات أو يعتمدون بدائل تقليدية تصنّف ضمن خانة «الطب البديل»، وذلك بسبب استمرار ارتفاع كلفة العلاج، بحيث لا يتجه عدد منهم إلى العيادات والمؤسسات الاستشفائية إلا حين ظهور مضاعفات وارتفاع حدة الآلام، التي لا تختفي بالحلول التي تم اللجوء إليها في وقت سابق.
وضعية ترخي بظلالها على الكثير من الأفراد والأسر، بسبب استمرار ارتفاع النفقات الطبية والعلاجية رغم التوفر على تغطية صحية، إذ يضطر المريض لتسديد ما بين 150 و 200 درهما للخضوع لفحص والحصول على استشارة طبية عند طبيب في الطب العام، ويرتفع المقابل حين يتعلق الأمر بطبيب مختص، الذي يتباين حسب التخصصات المختلفة، إذ يحدّد عند طبيب مختص في طب الرضع والأطفال نموذجا في 250 درهما، ويرتفع إلى 300 عند طبيب مختص في أمراض النساء والتوليد، ثم ينتقل إلى 400 درهم عند مختص في الطب الباطني، ويتضاعف في حالة الاستشارة الطبية عند الطبيب المختص في الأمراض النفسية ليتراوح ما بين 400 و 800 درهم، ويرتفع أكثر عند الطبيب المختص في أمراض القلب والشرايين خاصة حين اعتماد فحوصات تقنية مختلفة.
استشارات طبية قد تختلف وتتباين الواجبات المادية التي تتطلبها حتى في التخصص الطبي الواحد، ما بين طبيب وآخر، في الوقت الذي لا تعوَّض الصناديق الاجتماعية مصاريف الملفات المرضية إلا على أساس مضمون اتفاقية التعريفة المرجعية الوطنية الموقعة في 2006، والتي تنطلق من كون استشارة الطبيب العام تتم بـ 80 درهما وبالتالي فالمبلغ المسترجع لا يتجاوز 64 درهما، وتحدد أن الاستشارة الطبية عند الطبيب المختص تتم بـ 150 درهما وتعوض المريض عن هذا الفحص بمبلغ 120 درهما؟
واقع معتل، لا يقف عند هذا الحدّ، إذ أن الملف المرضي الذي يقدمه المريض للصندوق وهو ينتظر تعويض المصاريف الطبية والعلاجية التي أنفقها، يطاله «حيف» آخر، وهذه المرة على مستوى الوصفة الطبية، لأنها وإن تضمّنت أدوية «أصلية» يكون سعرها مرتفعا، فإنه في حال وجود أدوية جنيسة لها، يتم اختيار الدواء الأقل سعرا وعلى أساسه يتم التعويض، كما لو أن الأمر يتعلق بإجراء عقابي آخر ضد المريض، الذي لم يقم باختيار الأدوية التي تخص مرضه وألمه، وإنما حرّرها الطبيب المعالج، وليس لأحد الحق في استبدال ما في وصفته باعتبارها عملا طبيا يتحمل فيه مسؤوليته الكاملة؟
كل هذه العوامل، تجعل من القيمة المادية المسترجعة لمصاريف عدد من الملفات الطبية تكون جد هزيلة، وهو ما يجعل الكثيرين يتحمّلون آلامهم وأمراضهم لأنه لا يمكن لهم زيارة الطبيب أكثر من مرة في الشهر، سواء تعلق الأمر بربّ الأسرة أو بأحد أفراد أسرته، لأنه سيكون مطالبا بتسديد مصاريف لا طاقة له بها، لاسيما في مرحلة تعرف تدني متواصلا للقدرة الشرائية أمام مدّ تصاعدي لموجة الغلاء!
وعلاقة بالموضوع، سبق للمدير العام للوكالة الوطنية للتأمين الصحي، خاليد لحلو، أن كشف خلال عرض قدّمه خلال أشغال الدورة 39 من المؤتمر الوطني الطبي الذي نظمته الجمعية المغربية للعلوم الطبية مؤخرا بالدارالبيضاء، أن نسبة المصاريف المتعلقة بكل ملف مرضي والتي تبقى على كاهل المريض تصل في القطاع العام إلى 31.5 في المئة وفي القطاع الخاص إلى 37.8 في المئة، وفقا لإحصائيات سنة 2021، علما بأن هذه النسبة، ووفقا لعدد من الخبراء في المجال، ترتفع في أمراض بعينها لتصل إلى حوالي 60 في المئة. بالمقابل يشدد فاعلون صحيون على أن هذا الوضع يفرضه عدم مراجعة التعريفة المرجعية الوطنية التي تم توقيعها في 2006، والتي تم التأكيد حين توقيعها على مراجعتها كل 3 سنوات، الأمر الذي لم يتم تفعيله، بل وحتى الاتفاقية الجديدة التي تم توقيعها قبل مدة في غياب أحد الأطراف الأساسية الممثلة للصناديق الاجتماعية، فقد ظلت حبرا على ورق ولم تجد طريقها إلى التنزيل.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 19/02/2024