بلفور يعتبر السكان الفلسطينيين المحليين عابرين مؤقتين -14-

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد السكان الأصليين من جهةٍ عدّة فُرقاء لإجبارهم على تسليم بلادهم إلى شعب آخر غصبا عنهم وضد إرادتهم، وفهم حقيقة أن هذا الصراع الاستعماري الذي جرى بدعم هائل من قوى خارجية، أصبَحَ مواجهة قومية بين
جهتين قوميتين جديدتين وبين شعبين.
كما يتطرق الكتاب “ حرب المئة عام على فلسطين: قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة (1917-2017 )” ، وإلى الجدل واختلاف وجهات النظر بين زعماء الصهيونية وميولهم، وبين دعوة هرتسل الصريحة لإنشاء دولة لليهود تتمتع بحق “السيادة” للسيطرة على الهجرة.
كـان هرتسـل زعيم الحركة الصهيونية الناشئة قـد قـام بزيارته الوحيدة إلى فلسطين سنة 1898 في ذات الوقـت الـذي زارهـا فـيـه قيصر ألمانيـا ويـلـهـلـم الثـاني Wilhelm II . كان قد بدأ صياغة أفكاره حول بعض قضايا استيطان فلسطين، وكتب في مذكراته سنة 1895: «يجب أن نستولي بلطف على الممتلكات الخاصة في المناطق المخصصة لنا. يجب أن نشجع الشعب الفقير فيما وراء الحدود للحصول على عمل في بلاد اللجوء وعدم منحهم أي فرصة عمل في بلادنا. سيقف ملاك الأراضي في صفنا. يجب تنفيذ سياسات الاستيلاء
على الأرض وتهجير الفقراء بتحفظ وحذر».
انخفض عدد السكان الأصليين أكثر بسبب القمع القاسي للثورة العربية الكبرى في فلسطين ضد الحكم البريطاني في 1936-1939 إذ قُتِل خلالها 10% من الذكور العرب البالغين أو جُرحوا أو سجنوا أو تم نفيهم. استخدم البريطانيون مئة ألف جندي وقوات جوية للسيطرة على المقاومة الفلسطينية، بينما تدفقت موجات ضخمة من الهجرة اليهودية نتيجة للاضطهاد النازي في ألمانيا مما رفع عدد السكان اليهود في فلسطين من 18 %من عدد السكان الكلي سنة 1932 إلى أكثر من 31 %سنة 1939.
يعتمد كتاب « حرب المئة عام على فلسطين: قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة (1917-2017 )» من ترجمة عامر الشيخوني،على البحث الأكاديمي والبعد الشخصي ….

 

كما رأينا، كان اللورد أرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا أحد المسؤولين الذين شاركوا بعمق في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم، وكان نبيلاً عالمياً مختلفاً ورئيس وزراء سابق وقريباً من اللورد ساليزبوري Lord Salisbury رئيس الوزراء من حزب المحافظين الذي استمر طويلاً في ذلك المنصب، كما كان قد خَدَمَ مدة خمس سنوات بصفته الممثل الرئيسي لبريطانيا في إيرلندا التي كانت أقدم مستعمرات الإمبراطورية حيث كان مكروها جداً وحَصَلَ على لقب «بلفور الدموي».
ومن المفارقة أن حكومته كانت هي التي أصدرت قانون الأجانب لسنة 1905 الذي كان معنياً بشكل رئيسي بإقصاء اليهود الهاربين من مذابح روسيا القيصرية بعيداً عن بريطانيا. كان معروفاً بسخريته إلا أنه آمن ببعض المعتقدات وكان منها فائدة الصهيونية للإمبراطورية البريطانية واستقامتها الأخلاقية، وكانت تلك قضيةٌ جَنَّدَهُ فيها حاييم وايزمان. على الرغم من هذا المعتقد إلا أن بلفور كان واعياً بنتائج تصرفات حكومته التي فَضَّل آخرون الادعاء بعدم وجودها. في ملاحظة سريّة في سبتمبر سنة 1919 لم تُعرَف عَلنا إلا بعد نشرها بعد أكثر من ثلاثة عقود في مجموعة وثائق عن الفترة بين الحربين شَرَحَ بلفور للوزراء في تحليله التعقيدات التي خلقتها بريطانيا لنفسها في الشرق الأوسط بسبب وعودها المتناقضة. كان بلفور لاذعا فيما يتعلق بوعود الحلفاء الكثيرة المتناقضة، بما فيها الوعود الموجودة في مراسلات حسين – ماكماهون واتفاقية سايكس- بيكو وميثاق عصبة الأمم. بعد أن لَخَّصَ تشوشّ السياسة البريطانية في سورية وما بين النهرين، قيم الوضع في فلسطين بصراحة «التناقض بين الميثاق وسياسة الحلفاء أكثر فظاعة بالنسبة لحالة «الدولة المستقلة» في فلسطين من حالة «الدولة المستقلة» في سورية. لم نقترح في فلسطین اتباع شكل من أشكال استطلاع رأي ورغبات السكان الحاليين…بل التزمت القوى العظمى الأربع بالصهيوينة والصهيونية سواء كانت على حق أو على خطأ وسواء كانت جيدة أم سيئة إلا أنها متأصلة بتقاليد عميقة الجذور وبمصالح معاصرة وبآمال في المستقبل ذات آثار أكثر أهمية بكثير من رغبات وآراء ومواقف 700.000 عربي يعيشون الآن في تلك الأرض القديمة. وهذا صحيح في رأيي. الأمر الذي لم أتمكن أبداً من فهمه هو كيف يمكن انسجامه مع التصريح أو الميثاق أو مع تعليمات لجنة الاستقصاء. لا أعتقد بأن الصهيونية ستؤذي العرب إلا أنهم لن يعترفوا أبداً بأنهم يريدونها مهما كان مستقبل فلسطين فإنها الآن ليست «أمة مستقلة» وليست في طريقها لكي تصبح كذلك. ومهما كان الاهتمام الذي يجب منحه لوجهات نظر وآراء الناس الذين يعيشون هناك، إلا أنني حسبما فهمتُ فإن القوى العظمى عند اختيارهم لتفويض ما فإنهم لا يقترحون استشارتهم.


الكاتب : إعداد : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 16/04/2024