بين صعوبة الملاءمة بين استدامة خدمات المدرسة وحق الاطر المداومين في العطلة كاملة : كيف يتم تنظيم المداومة بمؤسسات التعليم الثانوي؟

لا تخلو سنة دراسية، أو فترة من فترات العطل المدرسية من تجدد الجدل بين أطر الإدارة التربوية حول «المداومة»، وكيفية تطبيقها، في ظل الإكراهات، والمتغيرات الكثيرة التي همت تدبير المؤسسات التعليمية، منذ مطلع الألفية الثالثة، دون الحسم فيها عبر مساطر واضحة تواكب التحولات التي عرفتها المدرسة المغربية، والإدارة التربوية على حد سواء.
ويعود هذا الجدل ـ في جزء منه ـ إلى أسباب تتعلق بقدم النصوص المنظمة للمداومة، وعدم مسايرتها لواقع المؤسسات التعليمية، أو تجديد التنصيص على كيفيات تنظيمها في مذكرات رسمية حديثة؛ باستثناء ما يتم تضمينه في «مقرر تنظيم السنة الدراسية» الذي يصدر نهاية كل موسم من تأكيد على ضرورة اتخاذ «الإجراءات الضرورية لضمان المداومة خلال العطلة الصيفية (المادة 26 من المقرر الحالي)؛ وتنصيص المشرع على استدامة خدمات المرفق العمومي، وشموليتها لمختلف المصالح الخارجية للوزارة؛ وتأخير مواعيد توقيع محاضر الخروج بالنسبة لأطر الإدارة التربوية إلى نهاية شهر يوليوز.
ذلك إلى إضافة صعوبة الملاءمة بين استدامة خدمات المدرسة وحق أطر الإدارة التربوية المعنيين بالمداومة في «الرخصة السنوية» للموظف كاملة، أو مقسطة، وانفراد الإدارة «بصلاحية جدولتها، والاعتراض على تجزئتها رعيا لضرورة المصلحة» حسب منطوق الفصل 40 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية المعدل بتاريخ 21 يوليوز 2011؛ بالإضافة إلى نقص الموارد البشرية التي كانت تساهم سابقا في المداومة حدّ النّدرة؛ خاصة منهم المقتصدين ومساعديهم؛ مقابل تنامي إحداث المؤسسات الثانوية الصغيرة بالمجال القروي، مع ما يترتب عن ذلك من ضعف أعداد التلاميذ، وتكليف حارس عام واحد فقط، في المؤسسات التي يقل عدد المتعلمين بها عن ستمائة (600).
إن مقاربة الموضوع أعلاه، بطريقة عقلانية، تتطلب جردا لأهم النصوص القانونية، والتنظيمية للمداومة داخل المؤسسات التعليمية؛ والانفتاحَ في الوقت نفسه، على نصوص تنظيم المرفق العمومي في شموليته، وكيفيات استمرار خدماته؛ واستبعادَ ما درج عليه بعضُ الفاعلين من ممارسات قد تكون مخالفةً للقانون، ومضرةً بمصالح المرتفقين، وحقوقِهم في الانتفاع بخدمات المرفق العمومي.

المداومة في التشريع المدرسي :

أقر المشرع آلية «المداومة» منذ صدور النظام الأساس للمؤسسات الثانوية (1972)، وهو واحد من بين أقدم النصوص التشريعية المؤطرة لمؤسسات التعليم الثانوي، ومكوناتها، واختصاصاتها، بنظاميها الخارجي والداخلي، تحت مسمى «مصلحة الديمومة» خلال «أيام الآحاد، والإجازات غير الثابتة التاريخ، والعطل الكبرى» للمؤسسات التعليمية ( الفصول 18 و 19 و20 و21 و 22 المنظمة لمهام الناظر، والمسؤول عن المصالح الاقتصادية، والحارسان العامان للخارجية والداخلية، ورئيس الأشغال).
وتعني المداومة «استمرار العمل الإداري»، حسب المذكرة الوزارية رقم 700 بتاريخ 17 أبريل 1973؛ أو استمرار المؤسسات الثانوية ـ بوصفها مرفقا عموميا ـ في تقديم الخدمات العمومية للمرتفقين، وتلبية احتياجاتهم واحتياجات المصلحة العامة؛ (المادة الثانية من مشروع القانون 19 ـ 54 المصادق عليه بتاريخ 11 فبراير 2020) بشكل منتظم ومستدام (الفصل الخامس من مشروع القانون نفسه)، طيلة أيام السنة؛ ومنها تقديم خدمات الإيواء، والإطعام، والتأطير التربوي، والتنشيط الثقافي لفائدة المتعلمين المقيمين بالقسم الداخلي بها، طيلة أيام الأسبوع، بما في ذلك أيام الآحاد. وقد حدد المشرع ـ لاحقا ـ مواقيت المداومة، ونوع الخدمات المؤداة لفائدة المتعلمين، وآبائهم، وكذا، القائمين بها، وصيغ تنفيذها.
فقد نصت المذكرة الوزارية رقم 700 المشار إليها آنفا، على مجموعة من المهام والخدمات التي ينبغي للقائمين بالمداومة إنجازها، وعلى رأسها: الرد على «المراسلات الإدارية، وتمكين الآباء من سحب ما يحتاجون إليه من وثائق مدرسية»؛ والسهر على «أشغال الإصلاحات الكبرى، واستلام التجهيز، ومراقبة مواظبة الموظفين المكلفين بالمداومة، وموظفي الكتابة، والأعوان»، مع تحرير محضر عن فترة المداومة، وتوجيهه إلى النائب الإقليمي (المدير الإقليمي حاليا).
كما حددت المذكرة نفسها، مواقيت العمل بالمداومة خلال الفترة الصباحية من التاسعة إلى الثانية عشر زوالا فقط؛ مع التمييز ـ من حيث عدد الموظفين المكلفين بالمداومة ـ بين مؤسسات كبرى، وصغرى، وأخرى يقل عدد موظفيها عن ثلاثة، داعية إلى استثناء هذه الأخيرة من المداومة خلال شهر غشت بإذن من النائب الإقليمي؛ مع التأكيد على ضرورة استفادة الموظفين المكلفين بالمداومة من «عطلة مدتها ستة أسابيع، من بينها أربعة أسابيع متتالية».
وعلى العكس من ذلك، استثنت المذكرة الوزارية رقم 42 بتاريخ 17 فبراير 1975، رؤساء الأشغال من المشاركة في المداومة «طيلة فترة العطل المدرسية»؛ بينما تراجعت عنه المذكرة الوزارية رقم 165 بتاريخ 20 يونيو 1981، التي أكدت مجموعة من المقتضيات المنصوص عليها في المذكرة 700، ومن بينها الخدمات والمهام السابقة، وفترة المداومة من يوم الاثنين إلى يوم الجمعة من كل أسبوع؛ كما نصت على قيام موظفين اثنين ـ أولهما من الإدارة التربوية وثانيهما من المصالح الاقتصادية ـ بالمداومة معا، في آن واحد، وحضور موظف من الكتابة، باستثناء شهر غشت الذي يكتفى فيه بموظف واحد.
وقد نحَتِ المذكرة الوزارية 190 بتاريخ 11 شتنبر 1981، على بُعْدٍ من أحد عشر (11) أسبوعا، فقط، من صدور المذكرة 165، المنحى نفسه، مع تحديد فترة المداومة في العطل التي تبلغ ثلاثة أيام أو أكثر؛ والاكتفاء بنظام المداومة الخاص بأيام الآحاد بالمؤسسات ذات النظام الداخلي في العطل التي تقل مدتها عن ذلك. ومعلوم أن المشرع نظم أيضا المداومة الخاصة بأيام الآحاد بالأقسام الداخلية بالمؤسسات الثانوية، حيث يقوم الحارس العام للداخلية، والناظر، والحارس العام للخارجية، ورئيس الأشغال، والمقتصد، ومساعدوه ـ بالتناوب فيما بينهم في حدود موظّفَين اثنيْن أحدهما من المصالح المادية والمالية ـ بمهام المداومة خلال ثلاث فترات في اليوم، بقاعات الأكل، والمراجعة؛ ويعتبران ـ في الوقت نفسه ـ مسؤولين عما «يجري بالمؤسسة طيلة اليوم «.

المداومة خلال العطلة البينية :

أُحْدثت «العطلة البينية» ـ لأول مرة ـ بمقتضى قرار وزير التربية الوطنية رقم2071.1 بتاريخ 23 نونبر 2001 في موضوع «النظام المدرسي في التعليم الأولي والابتدائي والثانوي» الصادر في الجريدة الرسمية عدد 4985 بتاريخ 11 مارس 2002؛ وتم إدراجها ضمن العطل المدرسية التي يستفيد منها « الأطفال والتلاميذ بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي والثانوي « حسب منطوق المادة 29 من القرار المذكور.
وعلى الرغم من أن المشرع يسمح لبعض الموظفين من غير المكلفين بمهام الإدارة التربوية» بالتغيب لأكثر من شهر واحد خلال عطلة نهاية السنة الدراسية»، طبقا للمادة 93 من النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية 2003»؛ فإن المادة 30 من القرار السابق نصت على تنظيم» أنشطة رياضية وتربوية وثقافية على الصعيد المحلي والإقليمي والجهوي والوطني» خلال الفترتين البينيتين الأولى والثانية»؛ وتخصيص يومين منها «لتقويم فترات الدراسة وانعقاد مجالس المؤسسة، والتخطيط للمشاريع التربوية»؛ وهو ما يفيد أن الإدارة التربوية بوصفها مسؤولة عن «التنظيم المحلي» للأنشطة، ورئاسة وعضوية مجالس المؤسسة، بالإضافة إلى كونها مستثناة ـ في النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية ـ من السماح بالتغيب لأكثر من شهر، خلال العطلة السنوية ـ غير معنية بتنظيم المداومة خلال الفترتين البينيتين؛ علما أن مجموع العطل البينية انتقل هذه السنة من فترتين إلى أربع فترات حسب مقرر تنظيم السنة الدراسية 2020 ـ 2021 رقم 029 ـ 20 بتاريخ 5 غشت 2020.

المداومة خارج أوقات العمل الرسمية:

تم إقرار مداومة موظفي النيابات الإقليمية (المديريات الإقليمية حاليا) بالموازاة مع المداومة المنظمة بالمؤسسات التعليمية؛ بعد صدور المذكرة الوزارية رقم 155 بتاريخ 8 يونيو 1981 التي اعتبرت ذلك «نهجا جديدا» من شأنه « استمرارُ العمل بصفة عادية ومنتظمة» خلال شهري يوليوز، وشتنبر؛ لأسباب تتعلق بتجنيبِ الإدارة «الفتور وتأخر إنجاز الأعمال المرتبطة بإنهاء الموسم الدراسي الجاري، والإعداد للموسم القادم»؛ داعية في الوقت نفسه، إلى وضع «نظام للديمومة على صعيد المديريات، والنيابات الإقليمية»، وتعيين المكلفين بها من الموظفين اللذين يتوفرون على كفايات خاصة لتحقيق الأهداف المتوخاة من المداومة.
كما قررت وزارة التربية الوطنية، لاحقا، إرساء ّ»مداومة قارة» خارج أوقات العمل الرسمية، طيلة أيام الأسبوع؛ بما فيها السبت والأحد، والعطل الإدارية، وعلى مدار أربع وعشرين ساعة، بالمصالح المركزية، والخارجية للوزارة على حد سواء؛ طبقا للمذكرة الوزارية رقم 89 بتاريخ 17 شتنبر 1999؛ وذلك لتدبير الأحداث أو المستجدات التي يمكن أن تقع «خلال عطلة نهاية الأسبوع، أو أثناء العطل الرسمية، مما يستدعي التدخل الفوري للمسؤولين، المركزيين، أو الجهويين والإقليميين».
وجدير بالذكر أن مداومة موظفي الإدارات العمومية، والجماعات الترابية ـ خارج أوقات العمل الرسمية ـ تم إقراراها رسميا، في المادة الخامسة من المرسوم رقم 2.05.916 بتاريخ 21 يوليوز 2005، في موضوع « تحديد أيام ومواقيت العمل بإدارات الدولة والجماعات المحلية «والمعدل بتاريخ 9 نونبر 2018؛ مع تنصيص الفصل نفسه على تحديد «المصالح وأيام ومواقيت المداومة بها بموجب قرار لرئيس الحكومة يتخذ باقتراح من الوزير أو رئيس الإدارة المعني».

إكراهات ومقترحات مرتبطة بتنظيم المداومة :

لا شك إذن، في أن المداومة اكتسبت شرعيتها القانونية، والإدارية، بفضل تَعاقُب النصوص القانونية والتنظيمية التي صدرت بشأنها؛ وكذا، من خلال ممارستها فعليا بالمرفق العمومي بشكل عام، والمؤسسات التعليمية الثانوية بشكل خاص منذ حوالي خمسة (5) عقود خلَتْ. ولا شك أيضا، في أن هناك إكراهات كثيرة تحول دون تحقيق الأهداف المتوخاة من المداومة، وتلبية احتياجات المرتفقين، والمؤسسة التعليمية على حد سواء؛ بصرف النظر عن مدى كفاية الساعات الثلاث المخصصة لها يوميا في تلبية هذه الاحتياجات.
إن تعدد فئات المرتفقين المنتفعين بخدمات المؤسسة الثانوية المتنوعة، يقتضي تعدد، وتنوع المكلفين بالمداومة في وقت واحد. فالناظر، والحارس العام للخارجية، والداخلية، يمكنهم إمداد الآباء، والمتعلمين، و» التلاميذ القُدامى» بالوثائق المدرسية التي يحتاجون إليها؛ كما يمكنهم تأمين استقبال، وإرسال مختلف الوثائق ذات الصلة بالموظفين العاملين بالمؤسسة، إلى الإدارة الإقليمية، أو تسليمها إلى الموظفين أنفسهم؛ بينما يتطلب تتبع أوراش التأهيل، واستلام التجهيزات، وتوثيق ذلك حسب نوعها، ومجالها، وحل المشاكل الطارئة، موظفين آخرين بكفايات مغايرة، وعدد مناسب أيضا، يسهم في إقرار تلاؤم مقبول بين حاجة الإدارة إلى استمرار خدماتها بشكل مستدام، وحق الموظفين في الانتفاع برخصهم السنوية.
ومن المعلوم أن الشروع في تنظيم المداومة، يتم بعد التوصل بمقرر تصدره ـ سنويا ـ «السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية» حسب المادة الثالثة من قرار وزير التربية الوطنية رقم 01.2070 بتاريخ 23 نونبر 2001 «بشأن النظام المدرسي في التعليم الأولي والابتدائي والثانوي» يحدد تاريخ توقيع محاضر الخروج المسموح به لأطر الإدارة التربوية، «بعد إتمام جميع العمليات المرتبطة بنهاية السنة الدراسية والإعداد للدخول المدرسي» حسب المادة 28 من مقرر تنظيم السنة الدراسية 2020 ـ 2021؛ الأمر الذي يحول بين مدير المؤسسة، والمبادرة إلى تنظيم المداومة بمؤسسته بكيفية استباقية.
وإذا كان ذلك ممكنا بالتعليم الثانوي الإعدادي الذي تنتهي فيه جميع العمليات المرتبطة بإنهاء الموسم الدراسي، والإعلان عن نتائج الامتحانات خلال نهاية الأسبوع الثاني من شهر يوليوز؛ فإن الأمر يبدو صعب المنال بالثانوي التأهيلي لضرورات تنظيم الدورة الاستدراكية من امتحانات البكالوريا، والإعلان عن نتائجها خلال نهاية الأسبوع الثالث من شهر يوليوز؛ وهو ما يمس حق الموظف في رخصته السنوية، وحق الإدارة في ضمان استمرار خدماتها بشكل مستدامٍ لفائدة المرتفقين ، ومنصفٍ للموظفين المكلفين بالمداومة على حد سواء.
إن تصورا جديدا لكيفية تنظيم المداومة بالمؤسسات الثانوية؛ ومداها، وغلافها الزمنيين، على قواعد، وأسس مغايرة، عمادها «سيادة القانون، ووجوب الامتثال له» كما نص على ذلك دستور 2011، في فصله السادس؛ يتطلب إنجاز دراسة ميدانية لمعرفة وقياس حجم الطلب على خدمات المؤسسة الثانوية، ونوع المطلوب منها على وجه التحديد، حسب السلك، ونوع الفئات التي تقبل عليها، وطبيعة احتياجاتهم، و»فترات الذروة» التي تشهد إقبال المرتفقين عليها، ومدى كفاية الساعات الثلاث اليومية في تلبية احتياجاتهم؛ وكذا طبيعة وحجم الأشغال الجاري إنجازها بالمؤسسات الثانوية؛ من شأنه تأكيد حاجة الإدارة إلى الاستمرار في تنظيم المداومة بالمؤسسات الثانوية، أو تقليصها، أو التخلي عنها، واعتماد بدائل لها في توفير الوثائق المدرسية، ذات الصلة بتمدرس المتعلمين، أو العاملين بالمؤسسة، لعل أبرزها « دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصال « في إدارة، وتدبير مختلف الاحتياجات المعبر عنها من خارج المكاتب المخصصة للمداومة؛ وهو أمر «ليس بعزيز» على «الإدارة الإلكترونية» المتطورة في عصرنا، وبلادنا.

(*) فاعل تربوي


الكاتب : فتح الله بوعزة

  

بتاريخ : 31/12/2020