تاريخ العبودية، العرق والإسلام- 12 – كيف واجه الحراطين الدلالة السلبية للون الأسود

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ
«أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم.

 

 

…والمسألة المطروحة في هذه الرسالة، هي مسألة ما «إذا كان الجهاد يمكن أن يمارس بحق من أجل الحصول على العبيد، وما إذا كان الناس المستعبدون الكفار الذين يعتنقون الإسلام بعد ذلك يمكن أن يظلوا عبيدا». إن استعباد المسلم ممنوع في القرآن – وإذا تم تطبيق القواعد المالكية – فلا ينبغي أن يؤدي التحول إلى الإسلام إلى استمرار الاستعباد. «أجاب أحمد بابا» أنه «لم يكن على علم بالمعلومات التي أوردها هذا القاضي المسلم من السودان، وأن قصة تنحية قواعد المالكي جانبا وشن غارات على العبيد كانت على الأرجح غير صحيحة»، وأكد «أن سكان «بورنو» كانوا مسلمين، واعتنقوا الإسلام مبكرا دون أن يتم غزوهم، ولكن بجوار أرضهم عاش الكفار الذين داهموهم وأسروهم وباعوهم. ومن ثم، فإنه يعتقد أنه لا حاجة إلى إجراء مزيد من التحقيقات».
مما يثير الفضول في هذا الرد، هو «تنحية مسألة الجهاد لغرض الاستعباد جانبا»، إذ تجاهل رد «احمد بابا» القواعد المالكية ال5 المعروفة، مؤكدا «أنها لن تنطبق، لأن الأشخاص الذين تمت مداهمتهم في الأراضي المجاورة لم يكونوا من أهل الكتاب وكانوا فقراء أيضا، وبالتالي ليس لديهم أمل في الحصول على ما يفتدون به أنفسهم، وهذان خياران فقط من ال5 التي حددها «خليل ب. إسحاق» التي كان من شأنها أن تحافظ على حرية الأسرى».
من خلال تجاهل القضايا المركزية، أكد «أحمد بابا» في نهاية المطاف «فكرة جلب الجهاد إلى دار الكفر أو «الوثنيين»، وبالتالي الحفاظ على مؤسسة العبودية»، إذ تم تطبيق هذا المنظور على السود المستعبدين في المغرب الكبير. ظهرت حالة مماثلة في قلب المغرب، عندما «أصدر السلطان «مولاي إسماعيل» أمره – المثير للجدل – باستعباد جميع المغاربة السود لإنشاء جيشه الملكي». هنا مرة أخرى، أثيرت مخاوف خاصة من قبل العلماء المسلمين في فاس الذين عارضوا بشدة هذا الانتهاك الكبير لحقوق الناس لمجرد أنهم كانوا عبيدا سودا سابقين، وكان من بين هؤلاء العلماء «عبد السلام جسوس» الذي أصدر فتوى ضد أمر السلطان وقتل بسبب اعتراضه.
من الأهمية التاريخية الكبيرة، أن العديد من العلماء من عصور مختلفة أعربوا عن اعتراضاتهم على الطريقة السلبية التي تم بها تصوير الأفارقة السود ومعاملتهم، وكان من بين هؤلاء العالم العربي النوبي الشهير «الجاحظ» (776-869)، الذي انتقد العرب الذين اعتنقوا ما اعتبره «مفاهيم استنكارية كاسحة» بشكل خاطئ عن الأفارقة السود استنادا إلى عدد قليل من السود المستعبدين الذين لا حول لهم ولا قوة. في مقالته بعنوان «فخر السودان على البيضان»، أكد الجاحظ على «الصفات الإيجابية للسود وصحة ثقافتهم، مستشهدا بحالة «إثيوبيا»». هناك أمثلة أخرى ك»عبد الرحمن بن الجوزي» (1126-1200) المؤرخ والراوي الشهير في بغداد، الذي انتقد «لعنة الحامية» باعتبارها خاطئة، وألف كتابا بعنوان «تنوير الغباش في فضل السودان والحبش» دفاعا عن السود.
في بعض المرويات الشفهية، رفض السود «سخافة» التصوير السلبي للون بشرتهم. جمعت «نينا إبتون»، أثناء قيامها بالعمل الميداني في المغرب في خمسينيات القرن ال20، سردا مثيرا للاهتمام حول «سواد الحراطين» في «وادي درعة» (جنوب المغرب) ؛ كتبت: «يروي الحراطين أنهم من نسل ابن «نوح» الثاني (أي حام) وأنهم كانوا في ما مضى من البيض. لكن في أحد الأيام، قام حام بحماية رأسه أثناء عاصفة ممطرة غزيرة بحمل الكتاب المقدس فوق رأسه، وكان المطر غزيرا لدرجة أنه طبع أسماء جميع شخصيات الكتاب المقدس على جلد «حام»، وكونها مقدسة، حولت جلد حام وذريته إلى اللون الأسود إلى الأبد!».
توضح هذه القصة، مدى الإبداع القصصي للمغاربة السود وتعكس مقاومتهم وتوفيقهم داخل ثقافة مهيمنة معادية، مأكدين أن سوادهم يخلو من أي دلالات سلبية، وعلى العكس من ذلك فهي مقدسة. إنه لأمر مدهش، كيف واجه «الحراطين» هذه «الأسطورة الحاميتية» بأسطورة أكثر ملاءمة داخل نفس الخطاب، وإن كان عفا عليها الزمن. لم ترق علامات التشكيك في مؤسسة العبودية هذه أبدا، إلى خطاب إلغاء عقوبة الإعدام المماثل لذلك الذي جادل به نظراؤهم الأوروبيون. شكك معظم هؤلاء العلماء في ممارسة العبودية في الخطاب الشرعي الإسلامي، الذي تغاضى عنها ولم يحلها إلى النقاش إلا بعد المواجهة الاستعمارية الأوروبية…


الكاتب : ترجمة: المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 25/03/2024