تاريخ العبودية، العرق والإسلام 23 .. عبيد غرب إفريقيا بعيون المؤرخين القدامى

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ
«أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم.

 

 

…تزعم التقاليد الشفهية في “مالي»أن “بلال كان لديه سبعة أبناء غادر أكبرهم، “لوالو»، المدينة المقدسة واستقر في مالي»، يذكر أن بلال ولد في ظل العبودية وكان في الأصل من “إثيوبيا”، اعتنق الإسلام وهو لا يزال في الأسر وتعرض للتعذيب بسبب ذلك من قبل سيده “أمية بن خلف”. عندما سمع الصحابي الجديد “أبو بكر الصديق» (المتوفى 634)، عن بطولة بلال اشتراه وحرره باسم الإسلام، وأصبح بلال بعدها المساعد الشخصي للنبي، وكانت علاقة بلال الخاصة مع النبي علاقة مرموقة.
استخدم “كيتا»، عامل بلال لإضافة عنصر آخر إلى هوية شعبه من الناحية الإسلامية. مع “سوندياتا»، توسع التأثير الإسلامي في “السافانا»، مما جعل مالي شريكا كبيرا في العالم الإسلامي. في الواقع، أصبح ابن أخيه»مانسا موسى»، الذي أدى فريضة الحج إلى مكة عام 1324، ملكا أسطوريا في العالم الإسلامي. جعل حكم الملك المسلم في “مالي»أكثر انفتاحا على جميع التجار المسلمين. تحت حكم “مانسا موسى»، أصبحت “ولاطة»هي المركز التجاري والديني المهم في الصحراء الكبرى، تقع على طول الطريق التجاري عبر الصحراء الكبرى بين “المغرب»و»مالي»، وتحت سلطة “مالي”.
عرض “والاتا»مالي لانتشار إسلامي أكبر. كتب “ابن خلدون”: «أصبحت السلطة [المالية] قوية ووقفت جميع شعوب السودان في رهبة منها. سافر التجار من المغرب العربي وإفريقية إلى بلادهم”. كتب الكتاب الناطقون بالعربية بتفصيل كبير حول ثروة مانسا واهتمامه بالتعليم الإسلامي. وفقا للمؤرخ العربي الدمشقي “ابن فضل الله العمري» (ت 1349): “[مانسا موسى] جمع [أرض السودان] عن طريق الفتح وأضاف [ذلك] إلى مجالات الإسلام. هناك بنى المساجد والمآذن، وأقام احتفالات أيام الجمعة، والصلوات في الجماعة، (وغيرها من الشعائر). جلب فقهاء المذهب المالكي إلى بلاده، واستمر هناك كسلطان للمسلمين وأصبح طالبا للعلوم الدينية».
وكما هو الحال في أي جزء آخر من العالم الإسلامي، كانت العبودية جزءا من القاعدة الاجتماعية في غرب إفريقيا. كتب ابن خلدون: «قام(يقصد موسى مانسا)في رحلة حجه […]وفي كل محطة كان يمتعنا [حاشيته] بالأطعمة والحلويات النادرة. تم حمل معداته وأثاثه من قبل 12000امرأة من العبيد (الوسطيف) يرتدين أثوابا من الديباج والحرير اليمني […] جاء “مانسا موسى»من بلاده مع 80حمولة من غبار الذهب (التيبر)، كل حمولة تزن ثلاثة قناطير».
لاحظ المؤرخ المصري “تقي الدين المقريزي» (المتوفى 1442) أن “أوصاف ثروة ملك مالي أعطت مزيدا من التبصر في ممارسة العبودية الواسعة في العالم الإسلامي عبر الخطوط العرقية. يقال إن [مانسا موسى] أحضر معه 14000جارية لخدمته الشخصية. شرع أفراد حاشيته في شراء الجواري التركية والإثيوبية، بحيث انخفض سعر دينار الذهب بمقدار ستة دراهم “. وصلت شهرة هذا الملك إلى أوروبا، وتم توضيحها جيدا في “الخريطة الكاتالونية»لعام 1375التي رسمها “أبراهام كريسك»من “مايوركا”. وصف القسم الخاص بغرب إفريقيا “مانسا موسى»بأنه “أغنى وأنبل ملك في كل الأرض، أظهرته وهو يحمل كتلة من الذهب وعلى يساره تاجر قادم على ما يبدو من المغرب”.
في الواقع، قدم ابن بطوطة، الذي زار المنطقة في عام 1353بتكليف من “أبو عنان فارس» (توفي عام 1358) سلطان المغرب، شهادة حية على “أمن المجتمع المالي وعدالته واحترامه وازدهاره”، ووصف مالي بأنها “شريك غني في العالم الإسلامي”. أخذته رحلته التي استمرت لأكثر من عام، متتبعا طريق تجارة القوافل من “فاس»إلى “غاو»ومر بالعديد من مراكز الأسواق مثل “سجلماسة»و»ولطة”. كانت العلاقات الدبلوماسية بين مالي والمغرب قوية ومهمة، إذ يتضح هذا التحالف المهم جيدا في النصب التذكاري الذي قدمه “مانسا سليمان»لسلطان المغرب المتوفى “أبو الحسن”، وفي هذا الوقت كانت طرق تجارة القوافل مزدهرة للغاية.
قام سكان غرب إفريقيا، بتصدير «الذهب»و»العاج»و»النعام»و»الجلود»و»العبيد»مقابل منتجات شمال إفريقيا مثل “الملح»و»الخيول»و»المنسوجات»و»الكتب»و»الورق”. سمح دخل التجارة للحكام الماليين بزيادة قوتهم العسكرية والحصول على المزيد من الخيول لسلاح الفرسان، مما أدى بدوره إلى المزيد من الغارات على العبيد. ذكر المؤرخ “العمري» (ت 1349): “ملك هذا البلد [مالي] يستورد الخيول العربية ويدفع ثمنا باهظا لها. يبلغ عدد جيشه حوالي 100000، منهم حوالي 10000من سلاح الفرسان على الخيول والباقي مشاة بدون خيول أو أسلحة أخرى. لا بد أن ملك “مالي»كان بالتأكيد غنيا جدا لتحمل نفقة 10آلاف حصان”.لاحظ “ابن بطوطة»، الذي زار المنطقة، أن سعر الخيول كان باهظ الثمن، وذكر أن “الحصان كان يساوي 100مثقال من الذهب”.
يعطينا “ليو أفريكانوس»، الذي زار غرب إفريقيا حوالي عام 1512، مزيدا من التفاصيل حول هذه التجارة وقيمة الخيول في غرب إفريقيا بعد قرن ونصف. تؤكد هذه المصادر الأولية النمط التجاري الذي تم تطبيعه لحكام الساحل الإفريقي لتبادل العبيد بالخيول…


الكاتب : ترجمة: المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 06/04/2024