تحديات إبداعية في «الخيط المقطوع»

 

بإمكانيات بسيطة جدا، تم مؤخرا إنجاز شريط سينمائي قصير بمستوى يرقى للاحترافية، سواء من حيث الموضوع أو التقنية، عمل على إخراجه الفنان محمد لوزيني صحبة عدد من الممثلين والتقنيين، عنوان الشريط موسوم ب “الخيط المقطوع” مدته 16 دقيقة و30 ثانية شارك فيه الممثلون الآتية أسماؤهم: (عمر مقتدر، أحكيم محمد، هشام شوقي، رشيد عماري وعبد الرحيم طلحة) إلى جانب ممثلين أطفال وهم: (آدم لوزيني، زياد مقتدر وغيثة مقتدر)، ويحمل دلالات متعددة تنطلق من داخل إشكاليات الإبداع نفسه، أي من صلب القضايا المطروحة والعالقة في مجال السينما والمسرح معا والمتعلقان بقضايا الطفل، حيث القصص الخيالية النابعة من الواقع على شاكلة مواعظ وحكم موجهة للصغار والكبار معا عبر وسائل التواصل التي لا يمكن أن تتوفر إلا في المشهد السينمائي والمسرحي المغربي.
إن اللافت للنظر في هذا الشريط، هي الحبكة الفنية بوسائل بسيطة جدا يحكمها العنصر الإبداعي، التي اعتمدت تقنية الشريط الوثائقي، في تفاصيله ولقطاته العابرة على لسان محركي الدمى، وما يعرفه هذا القطاع من شوائب وإحباطات نفسية ومادية لمزاولي هذه المهنة العتيدة في تاريخ المسرح المغربي، فلحقهم التهميش والنكران، من وراء ستار هو بمثابة الحجاب الذي يفصلهم عن حقيقة الوضعية التي يعيشونها، لذلك جاء هذا الشريط ليوثق لهذه الحقيقة الغائبة.
إنه شريط سينمائي بالمفهوم الوثائقي، تحمل فيه مخرجه مسؤولية الدفاع عن قطاع المسرح، فأصبح العمل في حد ذاته يحمل رسالتين في كلتا التعبيرين (السينما والمسرح)، إيمانا منه بترابط هذين الجنسين تاريخيا، ومدى حضورهما في الذاكرة المشهدية المغربية.
إن هذا العمل، جاء ليبرهن بقدرته على تجاوز الإنتاجات التلفزية فنيا وموضوعيا، بمنحى عن الأموال الطائلة التي تهدر بغير حسيب ولا رقيب، ضدا على إرادة ورغبة أغلب المشاهدين المغاربة، واقتحام بيوتهم عنوة دون استئذانهم أو مراعاة شعورهم كمساهمين بطريقة غير مباشرة من خلال ضرائب السمعي البصري التي يؤدون واجباتها مع فاتورة الماء والكهرباء في إنتاج مثل هذه المسلسلات أو غيرها من البرامج الرديئة التي تدخل ضمن الإنتاجات الترفيهية المملة، التي تخلو من عنصر التشويق.
لذلك، اعتبرت شريط “الخيط المقطوع” ردا إيجابيا على هذا الزخم من الإنتاجات الرمضانية المملة التي أصبحت تقتحم بيوت المغاربة بشكل فج، ولا تتوفر على الشرط الإبداعي عند كتاب السيناريوهات والمخرجين المقترحين باستثناء الممثلين، والتي كانت سببا في خلق حوار لسنا في حاجة إليه في هذا الظرف، لأنه حوار مغلوط حول قضايا لا تهم إلا المجال الإبداعي بعيدا عن التأويلات الذاتية، في هذه الآونة تحديدا، مع الارتفاع الصاروخي لتكلفة المعيشة وأثمنة المحروقات، ثم ما أثاره من جدال على وسائل التواصل الاجتماعي من التصريحات العفوية والعصبية التي لا تستحضر التفكير، ولا ترجح العقل في مثل هذه المواقف لبعض الممثلات المغربيات والممثلين، دون مراعاة شعور من لهم غيرة على المنتوج الدرامي بالقنوات التلفزية، ودون اعتبار لما قد ينعكس على مسارهم الإبداعي المحترم من نفور المشاهدين.
إن هذه السجالات تتكرر كل سنة من شهر رمضان، سواء كانت إيجابية أو سلبية، لكن الغريب في الأمر، هو التهميش وعدم الاكتراث لآراء المواطنين، من طرف اللجنة المشرفة على انتقاء الأعمال، والإنصات لنبض الشارع، لتجاوز كل الأخطاء السالفة للالتحاق بالركب الإبداعي المتميز بالقنوات العربية الأخرى.
ولهذا كنت ولازلت أرجح الكفة للإنتاجات السينمائية والمسلسلات الدرامية التي أنتجها الشباب مؤخرا، ولم يتمكن المشاهد من الاضطلاع عليها، ومن بينها الفيلم القصير الموسوم ب “الخيط المقطوع” وأفلام أخرى تشبهه.
ما تميز به هذا الشريط، هو طرحه لأسئلة متعبة بالنسبة للمشاهد العادي، لأنه يحمل مشروعا ثقافيا وجماليا خارجا عن طقوس ما هو متداول ويحثه على التفكير، بحيث يمكن تصنيفه ضمن أفلام المؤلف، أو ما يسمى بالسينما التجريبية، التي تحاول أن تصل إلى مدارك المجهول في النفسية البشرية، كما يمكن أن يحتل وضعه ضمن الأشرطة الوثائقية كما ذكرت سالفا، إنه يحمل طاقة إيجابية لتحرير السينما من شوائب التكرار، وهي فكرة كان يحملها مخرج هذا الشريط محمد لوزيني بالمغرب قبل أن يلتحق بالديار الكندية ليطور تجربته بعين مغايرة، لأجل البحث عن الخروج من الرتابة كتحد لبناء تصور جديد في هذا المجال. فجاء “الخيط المقطوع” استجابة لرغبته في رد الاعتبار إلى محركي الدمى صانعي الفرجة للكبار والصغار ومعاناتهم مع اليومي، بسبب غياب المتلقي، ومدى استماتة فرق محركي الدمى على قلتهم من أجل إدخال الفرحة على قلوب المشاهدين، كوسيلة فرجوية هادفة وتربوية، تعمل على تحسين ذوق المتفرج من خلال الحكايا الشعبية التي افتقدناها في عصر العولمة والتكنولوجيا.


الكاتب : شفيق الزكاري

  

بتاريخ : 03/04/2024