تونس تحتفي بأيقونة السوسيولوجيا المغربية تكريما لعطائها، شارع باسم فاطمة المرنيسي

 

في التفاتة رمزية دالة، أطلقت بلدية النور التونسية اسم المفكرة والكاتبة المغربية وأيقونة السوسيولوجيا المغاربية، فاطمة المرنيسي على أحد شوارع تونس بمدينة القصرين بتونس، وذلك في إطار شراكة السلطات المحلية في إنجاح تظاهرة جمعوية تحمل اسم «النور 3.0»، والتي ينظمها مركز (الكريديف) للبحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة، و قد تضمنت ضمن فعالياتها عملية إطلاق أسماء رائدات من تونس ومن العالم على شوارع حي القضاة بمدينة القصرين.
الالتفاتة هاته تجدها صداها في ما أنتجته الراحلة من رصيد فكري وبحث دؤوب في دروب السؤال السوسيولوجي، خاصة في ما يتعلق بوضعية المرأة ضمن نسق ثقافي تقليدي، ينتصر للصوت الذكوري، موظفا التراث والدين حيث قامت من داخل هذا النسق، بنقد وتفكيك القراءات الأصولية للنص الديني.
أنصتت الراحلة عميقا الى هواجس واقعها الثقافي وهو في المنطقة المتذبذبة بين حبال الماضي وأراجيح المستقبل، انتبهت مبكرا الى أن أي تناول للمشاكل الاجتماعية لا يمكن أن يتم دون تفكيك الخلفيات الثقافية التي تقف وراء معاناة النساء ، ومن أولى هذه الخلفيات الواقع والتراث وما يختزنه المتخيل الذكوري عن المرأة. تلك كانت منطلقات رائدة السوسيولوجيا المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي.
أبحاثها جعلت نصب عينيها هدفا واحدا هو تحرير التصور الذكوري عن المرأة من المألوف والعادة والتقليدي، لذا شكلت أعمالها بدءا من رسالتها لنيل الدكتوراه « ماوراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية» 1973)، رجة في طمأنينتنا الفكرية وجعلتنا كمسلمين نقف أمام ذواتنا عراة.
في كل أعمالها زاوجت الراحلة فاطمة المرنيسي بين معطيات الواقع والخطابات الإيديولوجية والدينية. ففي كتابها الجنس الإيديولوجيا، الإسلام»(1983) «الحريم السياسي: النبي والنساء»، «هل أنتم محصنون ضد الحريم؟» 1998، راهنت المرنيسي على تفكيك ونقد الخطابات الذكورية في المجتمع المغربي والعربي لتصل الى خلاصات ضمنتها في كتابها «الاسلام والديمقراطية» (2010).
تجاوزت المرنيسي المحظورات الثقافية والاجتماعية والدينية، وسخّرت الشريعة والثقافة المكتسبة والمكان والزمان لخدمة قضيتها، لتثبت أن الفضاء مهما تغير لا يمكن أن يغير هواجس الذات ومعاناتها من الموروث القابع داخل الانسان العربي، خصوصا إذا تعلق الأمر بقضية المرأة داخل مجتمع عربي وإسلامي يرفض التغيير . كما أنها بفضل تنقلاتها واطلاعها على الثقافات الغربية، استطاعت استثمار التحرر من رقابة السلطات الدينية والاجتماعية والسياسية، وتسخير الانفلات الجغرافي لاختراق كل ما هو محظور وإشكالي في مكان الحدث الواقعي؛ بما يخدم قضيتها النضالية الاجتماعية، لكنها لم تبتعد عن جذور الاستبداد الذكوري في الثقافة العربية.
قدمت المرنيسي قراءة جديدة للتراث بأسلوب جريء اعتمد كسر الطابوهات، ونقد الفكر الذكوري التقليدي، لكن بذكاء جعلها تلعب ضمن مساحة وحدود الأط ر الشرعية لتفكيك السلطوية الذكورية في الوعي الإسلامي الذي استخدم الدين والشريعة لتطويع المرأة، فقد نهلت من القرآن والشريعة ودرست الكتب السماوية واستشهدت برأي العلماء، رابطة الحداثة بالتراث الاسلامي من خلال سبر النصوص الشرعية لتؤكد أن الإسلام خلص المرأة من دونية أفظع.
تعرضت كتبها «الحريم السياسي النبي والنساء»، و»ماوراء حجاب: الجنس كهندسة اجتماعية»، «الحجاب والنخبة الذكورية» للحظر بتهمة الاستشراق والاستغراب، والسعي الى تقويض أصول التراث الاسلامي على الرغم من اعتمادها في كل كتاباتها على التراث والاسلام، وإعادة قراءتهما من منطلق التدقيق والنقد العلمي أي من داخل النسق الثقافي الاإسلامي نفسه.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 10/04/2021