رغم وطأة إكراهات «الحرب» ضد كورونا : أنامل الصائغة التقليدية بتيزنيت تواصل تطويع «النقرة» وفق منهجية متوارثة عن الأجداد

وفق منهجية تقليدية توارثت عن الأجداد، تواصل أنامل الصائغة التقليدية بتيزنيت التفنن في صياغة الفضة، المعروفة عند المغاربة «بالنقرة»، حيث لم تثنها تداعيات جائحة كوفيد- 19 عن مواصلة الإبداع في صياغة أجود المنتجات.
بمدينة تيزنيت، الواقعة بجهة سوس ماسة (حوالي 90 كلم جنوب أكادير) على الطريق المؤدية إلى مدينة كلميم/ باب الصحراء، اشتهرت هذه المدينة العريقة ،على مستوى المملكة، بصياغة الحلي الفضية بمختلف أشكالها وتجلياتها الثقافية العميقة، لتنجب أنامل نسائية قادرة على تطويع هذا المعدن الثمين وتشكيله بإتقان وخبرة في صنع الخواتم الفضية وغيرها..
ورغم الظرفية الصحية الصعبة التي يشهدها العالم، ومن بينه المغرب، بسبب تفشي جائحة كورونا، وكذا وجود تطور في صياغة الفضة، سواء من حيث آليات التصنيع أوالتشكيل ومسايرة عالم الموضة، فإن أنامل النسوة بتزنيت لا تزال تبدع، متحدية الإكراهات، في تشكيل أنواع الحلي من «خواتم، وأقراط وقلائد وأساور وغيرها»، محافظة في الوقت ذاته على عراقة وأصالة الحلي المغربي الأمازيغي.
تقول السيدة أمينة اخربوش، وهي نموذج للمرأة التي أبدعت في صياغة الفضة بتزنيت، إنها ورثت هذه الحرفة عن الآباء والأجداد الذين اشتغلوا طوال سنين على تشكيل هذا المعدن، مشيرة إلى أنها «عملت على تطوير حرفتها ضمن قالب محلي يلائم الأذواق.»
وأضافت، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنها آثرت البقاء في هذه الحرفة حتى بعد زواجها، لافتة إلى أنها «انخرطت في تأسيس «تعاونية تيفلوت ن نقورت» بجماعة المعدر الكبير، التابعة لدائرة تيزنيت، وهي تعاونية متخصصة في صياغة الحلي الفضية التقليدية.»
واستحضرت السيدة أمينة البعد الجمالي وأدوات الزينة، التي ميزت الثقافة المحلية، والتي لا تزال تجود بها أنامل تلك النسوة بالتعاونية التي انخرطت في تأسيسها، مثل «إسرسن» (قلادة الرأس)، و«تيزرزيت» (الرمز الأمازيغي المحلي) و«النبايل» و»الخواتم»، و«الخلالة» المزينة بالنقود القديمة، والقلادة المرصعة بالأحجار الكريمة وغيرها من الحلي التي ارتبطت بزينة المرأة.
وحسب المتحدثة ذاتها فإن «هذه التعاونية لا تزال تشتغل منذ تأسيسها، بالرغم من الاكراهات المرتبطة بانتشار فيروس كورونا المستجد، من أجل الإبداع والحفاظ على هذا الموروث الثقافي، في انتظار تعافي القطاع السياحي الذي يرتبط به تسويق المنتوج بشكل كبير».
من جانبه، أوضح عبد الحق أرخاوي، رئيس جمعية الصياغين بالمدينة، «أن التميز الذي تعرفه صياغة الفضة بهذه المدينة يرجع إلى عدة عوامل من بينها عراقة هذه الحرفة بالمنطقة وكذا تواجد اليهود المغاربة من أصول أمازيغية الذين أتقنوا هذه الحرفة وعلموها للأبناء والأحفاد من المسلمين واليهود الذين تعايشوا في هذه المدينة في جو ساده الود والإيخاء»، مضيفا «أن المهارة في صياغة الفضة بتيزنيت تتجسد في صياغة الحلي الفضية بجميع أشكالها مثل «السلك الفضي»، و«الطلاء الزجاجي»، و»الترخام» و«الترصيع»
وذكر الفاعل في صياغة الفضة، «أن المرأة الأمازيغية، خاصة بيتزنيت، لعبت أيضا دورا كبيرا في الحفاظ على هذا الموروث الثقافي»، مشيرا إلى «أن المرأة لا تقل مهارة عن شقيقها الرجل في صياغة هذا المعدن وتحويله إلى أشكال تسر الناظرين».
وتبقى صياغة الفضة بيتزنيت، بالرغم من الظروف الحالية، من بين الحرف الأصيلة التي تميز هذه الربوع الغالية من المملكة، نظرا لعراقتها وخبرة ممتهنيها. كما تجدر الإشارة إلى أن المغرب يتوفر على موروث حرفي تقلیدي ذي إشعاع دولي، یتمیز بتنوعه وغناه وأصالته ،حیث شكلت الحرف التقلیدیة، عبر العصور، المجال المتمیز لبلورة وتجسید مھارات وإبداعات الصانعات والصناع التقلیدیين المغاربة الذین تفننوا في تقنیات النقش والنحت والزخرفة، مستلھمین إبداعاتھم من الطبیعة والأشكال الھندسیة المختلفة للتراث الثقافي والحضاري المغربي.
« و.م.ع»


بتاريخ : 10/05/2021