روني براومان، فرانسوا روفين ومارين توندلير: «طلب فرنسا دخول المحكمة الجنائية الدولية إلى غزة سيجعل صوت بلادنا مسموعا مرة أخرى دوليا»

لكسر صورة الأمة التي تطبق بشكل «انتقائي» قواعد ومبادئ القانون، طلب «روني براومان» الرئيس السابق لمنظمة «أطباء بلا حدود» و «فرانسوا روفين» عضو مجلس النواب (LFI) رفقة «مارين توندلير» السكرتيرة الوطنية لحزب (أوروبا إكولوجيا الخضر) (EELV) في مقال افتتاحي في جريدة «لوموند» من الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» دعم دخول محققين من المحكمة الجنائية الدولية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وجاءت هذه الدعوة لرئيس الجمهورية الفرنسية إلى دعم الدخول العاجل لمحققي المحكمة الجنائية الدولية إلى غزة، بغرض وضع حد للإفلات من العقاب، ولن يتحقق ذلك دون إثبات وقائع ومسؤوليات المتحاربين من الطرفين بطريقة محايدة وموضوعية في إدارتهم للحرب، كما يجب على فرنسا أن تمد يد المساعدة لمحققي المحكمة الجنائية الدولية، كما تفعل بالفعل في «أوكرانيا».
إن وضع حد للإفلات من العقاب، هو واجب أخلاقي وسياسي. ويكمن أساس المسألة، في تذكير المتحاربين بالتزاماتهم القانونية، وأيضا لتذكريهم بأن تجاهل هذه الالتزامات لا يمكن أن يبقى دون عواقب. إذ يجب ممارسة الضغط بكل طريقة ممكنة من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهو أمر ضروري لإنهاء معاناة الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين المحاصرين تحت القنابل، فضلا عن الرهائن المدنيين التابعين لحماس في الأسر.
إن رفض إسرائيل، التصديق على «معاهدة» المحكمة الجنائية ليس عقبة أمام القانون. ففي وقت سابق، أعلنت فلسطين – من جانبها – خضوعها للقانون الدولي، ومنذ عام 2021، اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية مختصة في شؤون الأراضي المحتلة وغزة. وبالتالي، فإن التحدي يكون لديهم في إمكانية الوصول إليها من أجل التحقيق. إن طلب «فرنسا» دخول المحكمة الجنائية الدولية إلى غزة، من شأنه أن يجعل بلدنا ذا كلمة مسموعة مرة أخرى على الصعيد الدولي، وخاصة في البلدان العربية والصاعدة، ويجب أن يكون مصحوبا بالمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار ورفع حقيقي للحصار على الفلسطينيين.
تأتي هذا الصرخة الوحيدة، التي يمكن سماعها الآن في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، بعد نظيرتها حول التدخل الأمريكي في العراق عام 2003، والتي تم إخمادها وقمعها للأسف على مدى السنوات الـ15 الماضية، لتصبح صورتنا الدولية الآن صورة قوة تطبق بشكل «انتقائي» قواعد ومبادئ القانون والديمقراطية التي تدعي أنها عالمية.
* تصعيد في ازدواجية المعايير!
ساهمت سياسة «فرنسا» بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي قبل تاريخ 7 من أكتوبر إلى حد كبير في هذه الصورة السلبية، لكونها (سياستنا) «تحريضية» و«غير فعالة»، ولا تستخدم أيا من الأدوات الملموسة المتاحة لها، والتي يمكن أن تؤثر على سياسة إسرائيل الاستعمارية والتمييز التي تمارسه ضد السكان الفلسطينيين.
هذا النقص في نفوذ فرنسا ازداد سوءا بعد 7 أكتوبر. وبالرغم من أنه لا يمكن مقارنة السياقين في كل شيء، فإن المعايير المزدوجة بين سياستنا تجاه أوكرانيا منذ الغزو الروسي والسياسة المتعلقة بفلسطين تبعث على التفكير.
ففي الحالة الأولى، تدين فرنسا- وهي محقة في ذلك – العدوان الروسي وجرائم الحرب، بما في ذلك استهداف السكان المدنيين والمناطق والمنشآت المدنية التي يحميها القانون الإنساني الدولي، ثم تتخذ تدابير ملموسة وقوية، كما تربط هذه الإدانات بعقوبات قوية ضد روسيا، مما يظهر الدعم النشط للأوكرانيين والمحكمة الجنائية الدولية في إثبات الحقائق المتعلقة بجرائم الحرب المرتكبة منذ فبراير
2022.
وفي الحالة الثانية، أعطت فرنسا، إن صح التعبير، «الضوء الأخضر» للعملية العسكرية الإسرائيلية لأكثر من شهر، مكتفية ببعض التذكيرات العامة بضرورة امتثال إسرائيل للقانون. وحتى الآن، لم تتخذ أي إجراء ضدها لوقف المذابح والقصف المستمر للمدنيين في غزة، أو استهداف المستشفيات وغيرها من المناطق والمنشآت التي تحميها قوانين الحرب، أو وضع خد للتهجير القسري الجماعي، أو رفع الحصار الكامل عن القطاع.
وبالنظر إلى هذا التناقض الكبير، نحن مقتنعون بأن «الضغط الدبلوماسي» الفرنسي لإثبات هدف فرنسا المتمثل في دخول المحكمة الجنائية الدولية إلى فلسطين المحتلة، مصحوبا بعرض الدعم المادي لهذه التحقيقات، أمر ضروري اليوم. وبدافع من هذه الإجراءات
– قبل كل شيء – فإن الحاجة الملحة إلى إثبات الحقائق بموضوعية من أجل الحد من الإفلات من العقاب، وهذا من شأنه أن يساعد على وضع ذلك البلد في المكان الذي ينتمي إليه: «إلى جانب جميع الشعوب المضطهدة»، بغض النظر عن أصل الانتهاكات التي يتعرضون لها، مما يوجب على فرنسا أن تعمل على ضمان تطبيق القانون الدولي وقوانين الحرب بالتساوي على الجميع ودون أي تمييز.
إن «ثني» مبادئنا من أجل مصالح قصيرة الأجل، يعني فقدان المصداقية على المدى الطويل. ففي الوقت الذي تتبنى فيه معظم الدول الغربية مواقف دعم غير مشروطة تقريبا لإسرائيل، وعندما يبدو أننا ننسى أن الاستعمار الإسرائيلي قد استهزأ بالقانون الدولي لعقود عديدة في الأراضي المحتلة، يجب على فرنسا أن تمنح نفسها الوسائل للعب دور «مركزي» لصالح العدالة واحترام الحقوق. هذا الموقف وحده، هو الذي يمكن أن يقود أطراف الصراع إلى إيجاد حل سلمي وعادل.
نعم، هذا يعني الدعوة إلى «وقف فوري» لإطلاق النار، يتزامن مع الضغط الدبلوماسي من أجل دخول المحكمة الجنائية الدولية إلى غزة وجميع الأراضي المحتلة. إذ، ومن شأن مثل هذا الخطاب، أن يسمح لفرنسا بـ«إستعادة» الصوت الوحيد الذي كانت تمتلكه ذات يوم في الدبلوماسية العالمية، وخاصة في الشرق الأوسط.


الكاتب : ت:المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 04/12/2023