سفاحون في مواجهة جرائم استثنائية (23) : بعد أن اغتال حبيبة قلبه ارتكب مجزرة في حق سكان الدوار أسفرت عن وفاة شخصين

سيبحر معنا القارئ من خلال هاته الحلقات في ملفات تتسم بالرعب جراء أفعال إجرامية قام بها متهمون أدانهم القضاء نهائيا بأحكام تتراوح مابين الإعدام والسجن المؤبد حيث ارتبطت أسماؤهم بملفات كبيرة مرتبطة أساسا بعالم الجريمة وتفننوا في ارتكاب أفعال إجرامية خطيرة بوعي منهم أو بدون وعي إلى أن تحولوا إلى كوابيس مزعجة بالنسبة للمواطنين ورجال الأمن. منهم من ظل لسنوات بعيدا عن أعين الامن التي كانت تترصده فيما آخرون وقعوا كما تقع الطيور على أشكالها مباشرة بعد ارتكابهم لفعلهم الجرمي أو في مسرح الجريمة
الاتحاد الاشتراكي تفتح اليوم تفاصيل هذه الجرائم فإنها تبقى مجرد قضايا من مجموعة ملفات عرفتها المحاكم المغربية منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي إلى يومنا هذا.. فيما تاريخ العدالة المغربية مليء بالقضايا المشابهة وبأعداد كبيرة، إلا أن القضايا التي أخترناه اليوم تعتبر مثيرة شدت إليها انتباه الرأي العام الوطني، كما عرفت نقاشا وجدالا واسعا من طرف الإخصائيين وعلماء الاجتماع وعلماء الجريمة.. فيما ظلت تفاصيلها راسخة في عقول العديد من الضحايا وعائلاتهم..

يعد المتهم أحد أبناء دوار أولاد بوعزة بجماعة خميس متوح حيث جاء إلى دنيا الناس شهر يوليوز من سنة 1986 بل و ترعرع به حتى إذا ما بلغ سن التمدرس ولج مدرسة الدوار فتابع دراسته إلى حدود المستوى الثالث ابتدائي ليغادر طاولة التعليم و يستبدلها بحصير الكُتاب حيث انخرط في حفظ القرآن الكريم و تفرغ للقيام بالأعمال الفلاحية كمساعدة منه لوالده الذي زحف به العمر قليلا.
لم يكن سلوكه يدعو للشك أو الريبة بل على العكس من ذلك فقد ظل يتسم بأخلاق حميدة بين سكان الدوار رغم ما عُرف عنه من حب للعزلة و الانفراد بالنفس، إذ بدا مواظبا على أداء الصلاة في أوقاتها بمسجد الدوار بل و دأب على صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع تشبثا منه بتعاليم الدين الإسلامي.
في يوم الحادث استيقظ المتهم كعادته مع طلوع الشمس، توضأ و أدى صلاة الصبح قبل أن يتناول وجبة الفطور ليمتطي عربة مجرورة و يشق طريقه نحول الحقول التي قرر حرثها ذاك الصباح، غير أن حرارة الجو التي اجتاحت المنطقة جعلته يعدل عن فكرة الحرث و ينخرط في إصلاح أحواض نبات العنب حتى إذا ما توسطت الشمس كبد السماء و اشتد لهيب الحرارة تلمس خطوات عودته نحو المنزل فأدى صلاة الظهر و تناول وجبة الغذاء و خلد للراحة في أفق أن يستأنف نشاطه الفلاحي بعدما يتلطف الجو مساء.
و بينما كان يلقي بجسده على فراش الراحة كان شقيقه قد حضر من مدينة أكادير  فتوجه لتوه رفقة احد أعمامه نحو والده الذي كان منهمكا في توفير الكلأ للبهائم، إذ ما أن التفوا في جلسة عائلية وسط احد الحقول حتى لاح لهم طيف الفتى و هو قادم نحوهم بواسطة عربته المجرورة فهرع والده نحوه أملا منه في توقيفه و التحدث إليه، إلا أنه لم يستجب لنداءاته بل وهش على الحصان لتنطلق العربة مسرعة أمام ذهول الجميع في اتجاه حقل آخر حيث كانت فتاة (حكيمة من مواليد 1989) ترعى الغنم.
ظلت أعين أفراد عائلة الفتى ترصده من بعيد دون أن يدركوا سر السرعة الجنونية التي انطلق بها نحو الفتاة حتى راعهم منظره و هو ينهال عليها ضربا بواسطة المعول حيث امتطوا سيارة شقيقه و انطلقوا مسرعين نحو مكان الحادث ليجدوا الضحية غارقة في بركة دماء بينما اختفى المتهم عن الأنظار، ليواصلوا سيرهم نحو مركز الدرك الملكي لإشعارهم بالواقعة.
خرج رجال الدرك الملكي في رحلة بحث عن الجاني ليتناهى إلى علمهم بأنه ارتكب جريمة ثانية في حق شاب آخر (محمد من مواليد 1987) كان منهمكا في رش فاكهة العنب بالأدوية الفلاحية اللازمة بعدما عالجه بضربة قاتلة من معوله، بل و ثالثة في حق امرأة (فاطمة من مواليد 1959) كانت على متن حمارها وسط حقل فلاحي.
استنفر سقوط الضحايا الثلاث مختلف السلطات الأمنية سيما و انه أثار موجة هلع في صفوف سكان المنطقة، فتشكلت عدة دوريات للإيقاع به قبل إزهاق مزيد من الأرواح، غير أن استغناءه عن العربة في مرحلة أولى و الحصان في مرحلة آنفة بتزامن مع حلول ظلمة الليل زاد من صعوبة إيقافه، خاصة و أن نمو قصبات الحبوب وسط الحقول ساهمت في اختفائه عن الأنظار.
حضرت عدة تعزيزات أمنية إلى المكان مسرح الجرائم الثلاث و شنت حملات تمشيطية واسعة النطاق لم تسفر عن شيء حتى حدود الساعة الثانية من صبيحة اليوم الموالي إذ بمحاذاة دوار أولاد ناصر التابع لجماعة بني هلال و بينما بعض رجال الدرك الملكي يمرون بالقرب من شجرة تين إذا بالمتهم يقفز من فوق أغصانها و يطلق ساقيه للريح ثانية، لتتم مطاردته وسط الحقول لمسافة تقدر بحوالي 200 متر حيث تم إيقافه و قد بدا مرتبكا و ملطخا بدماء ضحاياه.
اقتاده الدركيون نحو المركز تحت جنح الظلام و شرعوا في استنطاقه حول الأسباب الكامنة وراء ارتكابه لهذه المجزرة فأكد أن حبه الجنوني للضحية الأولى (حكيمة) هو الذي دفعه إلى قتلها بهذه الطريقة الوحشية بعدما أضحى ينتابه إحساس بأنها على علاقة غرامية مع شاب آخر من أبناء الدوار، بينما الضحيتين الآخرين اللذين صادفهما في طريقه دون أن تكون له سابقة معرفة بهما فقد عزا أسباب قتلهما إلى أنهما تراءيا له و كأنهما من ذوي عشيق حكيمة الذي يكن لهم عداوة كبرى.
استكمل الدركيون تحقيقاتهم حول هذه المجزرة بالاستماع إلى ذوي الهالكين و بعض الشهود و والد المتهم الذي أكد بأن ابنه يعاني من اضطرابات نفسية و سبق له أن عرضه على أحد أطباء مصحة خاصة بالجديدة، بل و أدلى لهم بوصفة طبية و بعض الأدوية التي دأب على تناولها للحد من هذه الاضطرابات، قبل أن تتم إحالة (س.ه) على العدالة حيث طالبت النيابة العامة بتعميق البحث معه من اجل جناية القتل العمد مع سبق الإصرار المنصوص عليها و على عقوبتها في الفصلين 392 و 393 من القانون الجنائي. إلا أنه بعد لإخضاعه للعلاج أحيل على غرفة الجنايات التي حكمت علية بالإعدام


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 14/08/2020