شريط حنين الضوء للمخرج الشيلي باتريثيو غوثمان

المرجعية التاريخية مابين علمي الفلك والحفريات

اعتمد «شريط «حنين الضوء» (2010) للمخرج الشيلي «باتريثيو غوثمان» على دعامة علمية لاستعادة أحداث الماضي الذي عرفته دولة الشيلي مع أول رصاصة أطلقها العسكر سنة 1973، وتبعها استنبات مشانق ومعتقلات سرية وعلنية وصهاريج لتذويب جثث المرحلة الدموية التي كانت تنتعش بشكل مطلق من منابع متعددة للولايات المتحدة الأمريكية فكانت النتيجة أعداد من المتغيبين والمشردين و القتلى … (*) .
الفضاء الذي شهد المعتقلات السرية والمذابح.. الفضاء الذي تحول إلى محطة لمراقبة حياة الكواكب والنجوم «صحراء أتاكما» (**) التي تمتاز بصفاء الأجواء بعيدا عن كل ما يلوث الغلاف الجوي ويصيب عدسات المنظار بعتمة طائشة، انفتحت عليه اللقطة الأولى للفيلم، وبنفس المكان ينتهي الشريط الذي وظف فيه المخرج «علم الفلك « لاستعادة لحظات من تاريخ أفراد وجماعات من مجهولي المصير. فهذه الازدواجية مابين العلمي (الفلك / السماء) ورصد الواقع (التاريخ/ الأرض) حيث وقعت مذابح عرفتها دولة الشيلى خلال سنوات (1973-1990) . وهذه «الازدواجية الفيلمية» تعقد الشريط وتفرض نوعا من التلقي الفيلمي .

حنين الضوء ورهان المشاهدة العالمة .

فالمخرج « باتريثيو غوثمان «من مواليد مدينة سانتياكو سنة 1941 ، حاصل على شهادة الإخراج السينمائي من «معهد مدريد السينما « سنة 1969 ، ليتخصص في السينما الوثائقية كمنهج لإعادة بناء أحداث تاريخ بلاده «الشيلى»، ابتداء من شريطه القصير الأول «تحيا الحرية» سنة 1965 ، ليواكب أحداث بلده وكل ما تكتبه عدسات كاميراته انطلقت مع حكومة ألييندي (1908-1973) فهو يفضل أن ينقل الواقع بواسطة كاميراته ويتجاوز الأرشيف.
أما فيلم «حنين الضوء»، فهو من إنتاج فرنسي، وبناؤه الفيلمي يراهن بشكل مطلق على متلقي قادر على تقبل أسلوبه، فهو يقترح على «المستهلك» الفيلمي مادة صعبة الهضم: «مادة مشهدية « تختلف عن البناء الفيلمي الذي يعتمد على حدث محدد وصراع مباشر ومواقف وعقدة وحل ومشخصين وفضاءات داخلية وخارجية .. هذه العناصر الفيلمية هي بناء هذا الشريط ولكنها مفككة أي أنها غير مرتبة. و»المشاهد المفترض» مطلوب منه ضبطها وتجميعها ليفهم الخطاب الفيلمي الذي اقترحه المخرج على «مشاهد حاذق» ! ، متسلح بتحصينات فيلمية ومراجع معرفية تمكنه من التفاعل والاستمتاع «بالمشاهدة العالمة» ! .

فضاء الصحراء و محطة المنظار.

اين تكمن الحقيقة ؟ يقترح المخرج الفضاء/ السماء، هنا مستقر الأرواح الشريرة والأرواح الطيبة.. بعد انفصالها عن الجسد تتحلل في الفضاء؟ هنا يقوم «التلسكوب» بالبحث عن الروح، روح جزء من تاريخ الملايين من الشيليين المجهولي المصير وعلى أقدام التلسكوب مقابر مجهولة تطمر تحتها عظام مواطنين. فالمقابر المجهولة المكان هي جزء من تاريخ جماعي. تاريخ تخفي أسراره صحراء ، حيث أقيم معتقل سري بعيدا عن عيون الرقباء، حيث تختفي ملفات أشكال وأصناف الإبادة . وقبل الإبادة واستراحة الجلاد يناجي المعتقل الفضاء لينعش جسده وأحلامه بحثا عن أمل ما واستراحة مؤقت..
تكشتف عدسات كاميرات المخرج صحراء، يبحث فيها عالم الآثار عن بقايا شظايا عظمية لتجميعها لكتابة تاريخ منسي بفعل قهر(الأقوياء). والزمن؟ إنه تاريخ أفراد وعائلات مبحوث عنهم من طرف أهلهم منهم الأخ والأب ..» كحنين ضوء « من اجل مواراة جثامين ليس منها إلا بقايا عظمية، و»حنين ضوء « هو الأمل المقترح من طرف المخرج بتحويل اتجاه المنظار من السماء إلى الأرض.

إشارات

(* ) كشفت وثائق «وكالة الأمن القومي» الأمريكية، عن ضلوع المخابرات المركزية الأمريكية في التخطيط للانقلاب وتمويله، والذي استمر عقدين من الزمن نتج عنه عشرات الآلاف من القتلى والجرحى المعوقين والسجناء والمغيبين …
(**)صحراء أتاكما منطقة تقع بدولة الشيلى مساحتها 40 ألف كلم تتكون من أشكال جيولوجية طبيعية متفردة وصخورها تنكمش وتتمدد وهي مركز للطاقة البديلة وأبحاث وتجارب فضائية ..
(****) الشريط عرض يوم الخميس 06/01/2022 بجمعية النادي السينمائي بخريبكة .


الكاتب : ثلاث عبد العزيز صالح

  

بتاريخ : 22/01/2022