شهر واحد يفصلنا عن الدخول المدرسي المقبل في زمن كورونا

الوزارة تضع ثلاثة سيناريوهات والأسر تترقب في حيرة وقلق الإجراءات

 

لم يعد يفصلنا عن موعد الدخول المدرسي الفعلي في شكله المعتاد إلا شهرا واحدا، بعد موسم دراسي استثنائي وغير عادي ، بسبب جائحة كورونا التي عصفت بالسير العادي للحياة العادية، وجعلتنا نعيش على ايقاع اصاباتها.لم يعد احد يدرك حقيقة أي شئ، او يلتزم بأي اجراء، وحده الخط الوبائي كفيل بتغيير التدابير والاجراءات في اية لحظة وحين.
أمام هذا الوضع المفتوح على كل الاحتمالات، تترقب الاسر المغربية في حيرة وقلق الدخول المدرسي المقبل لأبنائها قبل شهر من الآن ، وبدأت التساؤلات تدب في كل الاوساط الاسرية، هل سيكون الدخول المدرسي في شتنبر ؟ هل ستكون الدراسة حضوريا او عن بعد؟ هل سيكون شهر شتنبر خاصا للدعم التربوي، كما اعلن عنه وزير التربية الوطنية سابقا؟ هل ستكون الامتحانات الجامعية المؤجلة وامتحان الاولى باكالوريا في شهر شتنبر حضوريا، اسئلة كثيرة اخرى يطرحها المواطنون والمواطنات المغاربة دون أي جواب مؤكد من الجهات المسؤولة, يعيش معها التلاميذ والطلبة بالخصوص هاجسا من الخوف والقلق عن مصير امتحانات مؤجلة ودروس لم يتم تداركها واستيعابها جيدا عن بعد؟
طلائع الجواب الاولى جاءت من عند رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، الذي اوضح أن طبيعة تدبير الدخول المدرسي المقبل تبقى غامضة في ظل استمرار عدم اتضاح الرؤية بشأن الوضعية الوبائية في العالم والمغرب. وأن وزارة التربية الوطنية وضعت ثلاثة سيناريوهات بخصوص الدخول المدرسي المقبل، وسيتم في الوقت المناسب إعلان السيناريو المناسب للوضعية الوبائية التي ستكون حينها.وسيجري إعلانها حسب تطور الحالة الوبائية في المغرب وبتنسيق مع وزارة الصحة.
وحسب بعض المصادر من داخل الوزارة، فإن السيناريو الأول يتعلق بالاستمرار في تعليق الدراسة الحضورية بنسبة مائة بالمائة في حالة تطور الوضعية الوبائية، وتمديد حالة الطوارئ الصحية في البلاد، أي سيتم الاعتماد بشكل كلي على التعليم عن بعد الذي راكمت فيه الوزارة والأطر التربوية تجارب مهمة في فترة الحجر الصحي، مع العمل على تطويره بشكل أفضل ووصوله إلى القرى.
أما السيناريو الثاني، فهو التناوب بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد في حالة تذبذب الحالة الوبائية. لكن طريقة تنزيل هذا السيناريو لم يتم الحسم فيها بعدُ، إذ تعكف أطر الوزارة على تحديد سيناريو التعليم بالتناوب بين خيارات عدة مطروحة من بينها تقسيم فترات الدراسية في اليوم أو التناوب بين التلاميذ أسبوعيا، أو بث دروس حضورية ومحاضرات من القسم ومدرجات الجامعات.
والسيناريو الثالث للدخول المدرسي فيرتبط برفع حالة الطوارئ الصحية وعودة الحياة الطبيعية، إذ سيكون دخولا مدرسيا عاديا، حيث سيعود التلاميذ إلى فصول الدراسة بعد انطلاق الدخول المدرسي في الثاني من شتنبر 2020 بالنسبة لقطاع التربية الوطنية، مع تخصيص شهر شتنبر المقبل للاستدراك والدعم التربوي.
السيناريوهات الثلاثة التي وضعتها الوزارة، او هي تحت الدرس، تجر معها سيلا من الاسئلة حول امكانية التطبيق والتفعيل في ظل وضع مرتبك ، وهل يمكن استساغتها إداريا وتربويا إذا ما استحضرنا عامل الزمن وأهميته في الإعداد لأجرأة هذا السيناريو أو ذاك.
الاستاذ الباحث عبد الرحمان زيطان في مقاله الاخير بعنوان «قبل شهر واحد..ثلاثة سيناريوهات تنتظر الدخول المدرسي المقبل» حاول الاجابة عن امكانية اجراة سيناريوهات الوزارة، من خلال طرحه بشكل معكوس لثلاثة سيناريوهات للتفكير.

السيناريو الأول:

في حال العودة إلى الوضع الاعتيادي وانطلاق الدخول المدرسي في موعده في صورته التقليدية، فإن السؤال المطروح هو: هل فعلا تم الإعداد الكامل لهذا الدخول الذي هو، بقوة الواقع، لن يكون عاديا؟ إن التحضير للدخول المدرسي العادي ينطلق مع عملية التسجيلات الجديدة، أي منذ شهر مايو. وأن الوزارة كانت قد أطلقت عملية التسجيلات الجديدة عن بعد وعهدت فيها إلى الأمهات والآباء بدور أساس، فهل تتوفر الأرقام الدالة على نجاح هذه العملية؟ وإذا سلمنا بأن الدخول المدرسي سيكون عاديا، فسيفرض السؤال نفسه بطريقة أخرى على الشكل التالي: سيكون الدخول المدرسي عاديا بالنسبة لمن؟ أللمتعلمات والمتعلمين الذين قضوا قرابة نصف سنة خارج الحياة المدرسية الاعتيادية وهم في حاجة إلى «إعادة إدماج» بعدما تركت «الاستمرارية البيداغوجية» بالضرورة، في أنفسهم، لا محالة، أثرا، وفي علاقتهم بالمدرسة تغيرا؟ أم سيكون دخولا مدرسيا عاديا بالنسبة للمدرسات والمدرسين الذين، حتى القدماء منهم وغير المستفيدات والمستفيدين من الحركات الانتقالية، سيجدون أنفسهم أمام وضعيات بيداغوجية نوعية تتطلب تخطيطا من نوع خاص، وتدبيرا من نوع خاص، وسيناريوهات بيداغوجية من نوع خاص، في غياب تام لأي تأهيل أو تكوين؟ أما بالنسبة للجدد منهم فالأمر حتما هو أصعب وخصوصا في أقاليم «العبور المهني» التي يغادرها أكثر من ثلث مجموع أطرها سنويا حيث ستنضاف إلى هذه الوضعيات المرتبطة بممارسة الوظيفة وضعيات تأمين الاستقرار لأداء هذه الوظيفة التي عادة ما تتطلب بالوسط القروي الكثير من الجهد والتدخلات لتأمين السكن وشروط الحد الأدنى للاستقرار.
أم سيكون دخولا مدرسيا عاديا بالنسبة لمديرات ومديري المؤسسات التعليمية الذين سيجدون أنفسهم أمام مهام ليست بالهينة تتعلق بضرورة إرساء دخول مدرسي استثنائي وفي ظروف استثنائية وفي مدة زمنية استثنائية (تسجيلات جديدة وإعادة التسجيل – بنية تربوية – تدبير الخصاص والفائض وفق هذه البنية التربوية – جداول حصص واستعمالات الزمن -…) قبل التفرغ لمواكبة إنجاز تقييم المستلزمات الدراسية بشكل مؤسساتي وبإرساء خطط للدعم البيداغوجي الاستدراكي وما يتطلب كل ذلك من تأطير وتعبئة وآليات للمواكبة والتتبع وما إلى ذلك؟ أم سيكون دخولا مدرسيا عاديا بالنسبة لهيئة التأطير والمراقبة التربوية التي ستجد نفسها بين مطرقة مستلزمات مصاحبة المدرسات والمدرسين في وضعياتهم المهنية الاستثنائية وبين سندان الإرساء الإداري للدخول المدرسي (توزيع مناطق التفتيش – مأسسة العلاقات مع الإدارة التربوية للمؤسسات التعليمية ومع هيئة التدريس بمنطقة التكليف – تقاسم مستجدات المنهاج الدراسي – الإعداد والمصادقة على جداول الحصص واستعمالات الزمن – …. )، وكذا مستلزمات مواكبة وتتبع عمليات إرساء الدخول المدرسي الذي تلعب فيها هيئة التأطير والمراقبة التربوية الدور الأساس.
علما أن كل هذه العمليات يجب أن تتم في مدة زمنية قياسية حتى يستفيد المتعلمات والمتعلمون فعليا من فترة الدعم البيداغوجي الاستدراكي التي سيخصص لها شهر شتنبر كما سبق للوزارة الوصية التصريح بذلك في عدة مناسبات. وأن كثيرا من هذه العمليات كان من المفروض إنجازها خلال شهري يونيو ويوليوز من خلال خطة استيباقية احترازية إداريا وتكوينيا وتأطيريا.

السيناريو الثاني:

في حالة اعتماد سناريو التناوب بين الدراسة الحضورية والتعلم عن بعد، فإن السؤال المطروح هو: هل تم اعداد تصور واضح حول كيفية أجرأة هذا السيناريو على مستوى طبيعة ما سمي بالاستمرارية البيداغوجية، وعلى مستوى تدبير الزمن المدرسي، وعلى مستوى المواد الدراسية ومكوناتها وحصصها، من قبيل: أي من المواد الدراسية سيكون حضوريا وأي منها سيكون عن بعد؟ أي من مكوناتها سيكون حضوريا وأي منها سيكون عن بعد؟ كيف سيتم توزيع الحصص الدراسية والأحياز الزمنية لهذه المواد والمكونات؟ كيف سيتم إنجاز التقييمات اللازمة للمكتسبات السابقة وبناء وتفعيل خطط للدعم البيداغوجي الاستدراكي المؤسساتي؟ وهل الاستمرارية البيداغوجية عن طريق التعليم عن بعد ستنجز، أيضا، كما في السابق، عن طريق ما سمي بالأقسام الافتراضية وتطبيقات الواتساب والسكايب ومواقع التواصل الاجتماعي، وعن طريق الدروس المصورة التي تم توطينها بمنصة تعليمية رسمية وتبثها القنوات التلفزية التابعة للشركة الوطنية؟ وماذا عن تكافؤ الفرص والعدالة البيداغوجية؟ وهل يمتلك المدرسات والمدرسون الرؤية الواضحة والإمكانيات اللازمة والوقت الكافي لإنجاز صيغ إجرائية لتفعيل التوجيهات الوزارية المتعلقة بهذا السيناريو، في حال اعتماده، بعد أن تسند إليهم الأقسام والمستويات الدراسية، وقبل الانطلاق في التفعيل والأجرأة؟
إن الأمر ليس بسيطا وجزئيا كما قد يعتقد البعض، ولكنه يحتاج إلى تصور ميكروسكوبي للمناهج الدراسية وهويتها ودعاماتها «الفلسفية» والمعرفية والبيداغوجية. أضف إلى ذلك سؤالا فرعيا آخر يتعلق بالتدبير الإداري على مستوى الخريطة المدرسية التي سيتم الاشتغال وفقها، وعلى مستوى جداول الحصص واستعمالات الزمن التي سيتم اعتمادها، وعلى مستوى الإمكانات البشرية والتقنية واللوجيستيكية والصحية التي سيتم رصدها لذلك.

السيناريو الثالث:

في حالة اعتماد السيناريو الآخر الأكثر غموضا وضبابية، سيناريو الاستمرار في تعليق الدراسة الحضورية واعتماد استمرارية التعلمات عن بعد، فإن السؤال المطروح هو: هل تم وضع تصور واضح ودقيق حول كيفية أجرأة هذا السيناريو على مستوى القسم الدراسي تقنيا وبيداغوجيا، وعلى مستوى الإدارة التربوية تقنيا ومعلوماتية وتدبيريا؟ وهل يمكن اعتماد هذا السيناريو قبل أن تخرج نتائج التقييم الذي أنجزته المفتشية العامة المكلفة بالشؤون التربوية « للتعلم عن بعد» خلال شهر مايو الماضي وتقاسمها مع مختلف المتدخلين واستثمارها من طرف صناع القرار التربوي في الإعداد للدخول المدرسي المقبل؟ وهل تم وضع تصور لتجاوز اختلالات المرحلة السابقة على مستوى الإنصاف البيداغوجي والمجالي والسوسيو ثقافي والسوسيو اقتصادي للأسر لما له من أثر على مستوى الانخراط وبناء التعلم والتحصيل الدراسي؟ وهل تم بناء تصور لتطوير التعليم عن بعد وتجاوز تعثراته والانتقال به من مجرد توفير نسخة رقمية صامتة أو ناطقة لوثائق بيداغوجية ورقية إلى أنشطة تعلمية تفاعلية عن بعد؟ إذا ما انطلقنا من فكرة مفادها أن التعلم ليس في حجم المعارف التي تنقل للمتعلم(ة) عن طريق وسيط بشري أو إلكتروني. وأن التعليم ليس مجرد تقريب المعرفة الجاهزة من المتعلم(ة) أو تقريب المتعلم(ة) من هذه المعرفة . وإنما هو إرساء وتنظيم وتدبير لعلاقات بيداغوجية هادفة ومنتجة، وتوفير لبيئة بيداغوجية آمنة تساعد المتعلمات والمتعلمين على تنمية رغبتهم وحاجاتهم إلى التعلم كما هو سلسلة أفعال توجيهية تستهدف تعبئة المتعلم(ة) داخليا وتحفيزه للانخراط في مواجهة الوضعيات البيداغوجية السياقية المنتجة للمعرفة، وفي بناء هذه المعرفة في سياق نمائي ملائم للحاجات والخصائص الفئوية والقدرات الفردية، وفي اشتغال مهارات التفاوض المستمر مع هذه المعرفة، وفي تحسين القدرة على المساهمة في المجهود الجماعي ضمن جماعة الصل الدراسي/ جماعة التعلم لإنتاج المعرفة وتقاسمها. وهو ما لا يمكن أن تحققه الدروس المصورة التي تبثها القنوات التلفزية وتم توطينها عبر منصة TelmidTice لأنها، بشكل أو بآخر، تتعامل مع متعلم(ة) متخيل(ة) موجود(ة) في مخيلة الأستاذ(ة) عارض(ة) الدرس عن طريق معرفة جاهزة «محكمة التنزيل». تستند إلى رؤية بيداغوجية سلوكية إجرائية تقوم على أساس «السؤال المقترح والجواب المطلوب»، وهو تنميط بيداغوجي كان للمدرسة المغربية أن قطعت معه، على الأقل نظريا، منذ قرابة عشرين سنة ماضية. إن هذه الدروس المصورة تكمن إيجابيها وفائدتها في كونها تشكل رصيدا تراكميا مهما اجتهدت الأطر التربوية في إنتاجه بإمكانياتها المحدودة والذاتية، تسهل عملية تخزين المعارف وتوفر إمكانية الرجوع إليها لأكثر من مرة حسب الحاجات، وتتضمن معارف مدرسية ذات ارتباط بمضامين مفردات المناهج الدراسية وقابلة للنقل والتداول إذا ما سلمنا بأن هذه الدروس المصورة مصادق عليها من طرف مديرية المناهج التي هي صاحبة الاختصاص، أولا وأخيرا، في المصادقة على الموارد البيداغوجية الرسمية ورقيا كانت أو رقمية.


الكاتب : فاطمة الطويل

  

بتاريخ : 06/08/2020