«تضليل» العدالة بشواهد طبية «تدليسية» والإضرار بمصالح الغير يتطلب تعزيز سبل رصدها ومواجهتها

ضمنها شهادة مزورة «صادرة» باسم مستشفى ابن رشد ضُمّت لملف عالجه أمن درب الكبير

تعتبر الشواهد الطبية الصادرة عن المصالح التي خوّل لها القانون تحريرها وتسليمها لأصحابها بعد فحص مدقق يتم القيام به من لدن المختصين، آلية لضمان الحقوق المختلفة وحفظها والمطالبة بها في عدد من الحالات، خاصة تلك التي يتم فيها اللجوء إلى القضاء بحثا عن الإنصاف أو التعويض في حال الضرر، الذي تتعدد مسبباته، في حوادث السير والشغل وفي الاعتداءات المختلفة التي يحضر فيها الضرب والجرح، سواء الخفيفين أو المسببين لعجز جزئي أو كلي، وغيرها من التفاصيل المرتبطة بهذا الموضوع.
هذه الوثيقة البالغة الأهمية، تعرف في عدد من الحالات استعمالات مختلفة عن سوء نية، من أجل الإضرار بالغير، أو للحصول على مكتسبات مادية بشكل غير شرعي، من خلال ادعاء وقائع غير صحيحة، ويتعاظم الوضع حين يتعلق الأمر بشهادات مزورة تمت صياغتها بشكل تدليسي، الأمر الذي ينبّه له المختصون في مجال الطب الشرعي تحديدا، في مناسبات عديدة، حتى يتم تحقيق العدالة المنشودة في مختلف القضايا المطروحة أمام القضاء.
وإذا كانت كل الجهات المتدخلة، على مستوى الصحة والعدالة، في مختلف المستويات والأسلاك، تولي أهمية لسلامة الشواهد الطبية وتحرص على التأكد من صدقيتها، فإنه في بعض الحالات يتم الإدلاء بشهادات «احتيالية» في مطبوعات «مفبركة» لا يتم الانتباه إليها بكل أسف، فيتم اعتمادها وهو ما يترتّب عنه أضرار مادية ومعنوية متعددة الأبعاد، وقد يصل الأمر إلى حدّ الزجّ بأبرياء في السجن، مما يستدعي من كل المؤسسات المعنية إعادة فتح هذا الورش والتأكيد على العمل بنموذج واحد، صادر عن جهة طبية مختصة، بشكل يتيح للمسؤولين في الأمن والدرك وفي القضاء، إمكانية فتح باب الشك المؤدي للحقيقة حين الاطلاع على شهادة قد تبدو عليها بعض التفاصيل التي توحي بأنه قد تكون شابتها شائبة.
شواهد مزورة يتواصل اعتمادها في ملفات مختلفة، ومن بينها شهادة تحدد مدة العجز في 23 يوما، أدلى بها أحد المشتكين، وتم تضمينها لشكاية في مواجهة رجل وابنه، ضمن ملف استمعت خلاله عناصر أمنية من دائرة درب الكبير بتراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان بالدارالبيضاء لأطرافه وللشهود المفترضين بناء على تعليمات النيابة العامة، بحضور هذه الوثيقة، وأصدرت بعد ذلك «المحكمة الزجرية بالدارالبيضاء» حكمها الابتدائي القاضي بمؤاخذة المشتكى بهما بما نسب إليهما.
هذا الحكم الذي قضى بمؤاخذة المشتكى بهما بالمنسوب إليهما، دفع الأب المتضرر إلى البحث في تفاصيل الشهادة الصادرة عن المستشفى الجامعي ابن رشد، على أساس أنها شهادة في الطب الشرعي، فتبين بعد طرقه لأبواب المسؤولين على أن محررها لا وجود له ضمن أطر هذا المركز الاستشفائي، وبأنه لا وجود لأي طبيب شرعي في المغرب يحمل إسم محرر الشهادة، علما بأن هذا الاسم يتواجد في اللائحة النهائية للناجحين في امتحان توظيف أطباء في الطب العام من الدرجة الأولى دورة 22 يناير 2023، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام، إن كان المعني بالأمر هو الذي حرر فعلا الشهادة، وفي أي سياقات وظروف؟ أو أنه تم استعمال ختم باسمه بشكل غير قانوني لتوقيع شواهد من هذا النوع؟
ولم يقف الأمر عند هذا الحد إذ وقف المتضرر في بحثه عن «الحقيقة» على أن المطبوع المستعمل في الشهادة التي اعتمدها من تقدم بالشكاية ضده وضد ابنه، ليس هو المخصص لتحرير الشواهد الطبية الشرعية بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد والتي تنجز حصريا بقسم الطب الشرعي، فضلا عن أن المعهد المذكور سبق وأن تقدم بشكاية للمصالح المختصة ضد مجهول، تتعلق بشهادة طبية مماثلة تم رصدها.
هذه الواقعة بتطوراتها، تعيد مرة أخرى طرح الإشكالات المرتبطة باستعمال الشواهد الطبية، خاصة منها المزورة، وتأثيرها على العدالة وعلى مصالح مواطنين، الذين قد يجدون أنفسهم في وضعيات جد صعبة، في حال عدم القيام بخبرات مضادة، وعدم انتباه المسؤولين الأمنيين والقضائيين لبعض التفاصيل، التي قد تفضح بعض هذه الشواهد، كتلك التي تتعلق بالجهة التي أصدرتها، أو عدم توجّه بعض المشتكى بهم للوقوف على مصدر وحقيقة الوثائق الرسمية التي يتم الاستدلال بها ضدهم، لحماية أنفسهم من كل ضرر قد يتعرضون لها بسبب هذا الأمر، كما أنها تؤشر على استمرار تداول هذا النوع من الشواهد بشكل أو بآخر، والذي تبذل المصالح الأمنية جهودها من أجل التصدي له، وإيقاف المعنيين بها، كما وقع في عدد من الحالات.


الكاتب :   وحيد مبارك

  

بتاريخ : 21/02/2024