في الدورة الثانية للمجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية : الكاتب الأول إدريس لشكر: دعوة المعارضة إلى القيام بملتمس رقابة على الحكومة بمجلس النواب وملتمس مساءلة بمجلس المستشارين

 

وسط اهتمام إعلامي، وترقب للرأي العام الوطني، وفي جو من الوعي والمسؤولية بدقة المرحلة، التأمت الدورة الثانية للمجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، برلمان الحزب، كأعلى هيئة تقريرية، يوم السبت 27 يناير 2024، بالمقر المركزي بالرباط، بإشراف من قيادة الحزب الكاتب الأول إدريس لشكر، ورئاسة الحبيب المالكي، وبحضور عضوات وأعضاء المكتب السياسي، وحضور مكثف للاتحاديات والاتحاديين، عضوات وأعضاء المجلس من كل أنحاء المملكة.
أشغال دورة برلمان الحزب تمحورت حول جدول أعمال يضم ثلاث نقط أساسية، تم تناولها خلال هذا الاجتماع بالدراسة والتحليل من قبل تدخلات عضوات وأعضاء المجلس، وهو التقرير السياسي (30 صفحة)، الذي تقدم به الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر، وميزانية الحزب التي قدمها محمد محب، وتقرير تنظيمي يهم بعض التعديلات للقانون الأساسي والقانون الداخلي للحزب، الذي قدمه مصطفى عجاب،عضو المكتب السياسي.
ما ميز أشغال المجلس الوطني هو التقرير السياسي الذي ألقاه إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، والذي يتضمن المحاور الأساسية التي كانت محط نقاش اجتماع المكتب السياسي. هذا التقرير السياسي الذي يصل إلى ثلاثين صفحة كشف عددا من المواقف السياسية والاجتماعية والتنظيمية تجاه عدد من القضايا الأساسية، من خلال تحليل سياسي للوضع الذي تعيشه البلاد في سياقات وطنية وإقليمية ودولية، وكذا الاقتراحات والمبادرات المطروحة والمتعين القيام بها من أجل مواجهة التحديات وتذليل الصعاب وكسب الرهانات، وليتخذ برلمان الحزب القرارات المناسبة ويحدد التوجهات الكبرى للمكتب السياسي ولجميع الاتحاديات والاتحاديين.
خلال الكلمة التي تقدم بها الكاتب الأول للحزب، استعرض أهم العناوين الكبرى لهذا التقرير، الذي توصل به عضوات وأعضاء المجلس الوطني مكتوبا، وفي مقدمة هذه العناوين القضية الوطنية، التي لا يمكن إلا أن تحضر بشكل مركزي في كل تحليل للأوضاع الوطنية، معبرا في نفس الوقت عن الارتياح التام لما يقوم به جلالة الملك بحكمة وتبصر في تدبير هذا الملف، وشبه الإجماع والثقة في مشروع مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، كأرضية للتفاوض لإنهاء النزاع المفتعل بالصحراء المغربية، وأن العالم كله أصبح واعيا بالمبادرات التنموية المتمثلة في المشروع التنموي بالأقاليم الجنوبية، منوها كذلك بالسياسة الخارجية التي يقودها جلالة الملك في إطار العلاقات الدولية، والتي أكسبت المملكة المغربية احتراما وتقديرا ما بين هذه الدول.
وأشاد الكاتب الأول بحكمة وتبصر جلالة الملك في التعامل مع عدد من الاستفزازات تجاه البلاد المرتبطة بأحداث مدينة السمارة، وقتل شبان مغاربة، مذكرا بأن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة جاء فيه أن المغرب قد تلقى أكثر من 500 ضربة من قبل « البوليساريو»، وقام المغرب في إطار القانون الدولي بالدفاع عن مصالحه الوطنية.
وسجل الكاتب الأول أن المبادرات الملكية لم تتأخر في الرد على مثل هذه الاستفزازات وكانت سريعة من خلال خطاب ذكرى المسيرة الخضراء عبر رد المغرب المسالم والمنفتح، حيث جاء بمشروع الواجهة الإفريقية والأطلسية.
كما وقف الكاتب الأول عند حدث الزلزال الذي شهده إقليم الحوز وبعض المدن المغربية، والتعبئة والتضامن السريع للشعب المغربي مع الأقاليم المنكوبة، والقرارات الملكية السريعة التي اتخذها من أجل إيواء المتضررين والتكفل بهم، ومخطط الإعمار للمناطق المتضررة والتعويضات المتعلقة بالساكنة وإعادة بناء المنازل التي سقطت في هذه الكارثة الطبيعية.
كما عرجت كلمة الكاتب الأول على مفهوم الدولة القوية الفاعلة التي ما فتئت المبادرات الملكية ترسخها على أرض الواقع لبناء المغرب القوي والحديث، الذي يواجه كل التحديات والصعوبات، التي يمكن أن تعترض مسيرته التنموية، كالدعوة لتعديل مدونة الأسرة بعد عشرين سنة من التنفيذ والتجربة الميدانية على أرض الواقع، الاجتماعات المخصصة للإشكاليات الكبرى كالماء والطاقة، لإيجاد الحلول الناجعة والفعالة لمواجهة التغيرات المناخية والجفاف الذي وصل سنته السادسة، وذلك باقتراح الحلول كتحلية مياه البحر وربط الأحواض المائية عبر الطرق السيارة للماء، ثم المكتسبات والتراكمات التي تحققت على أرض الواقع في مجال حقوق الإنسان في البلاد وتقارير هيئة الإنصاف والمصالحة شاهدة على ذلك، فضلا عن المجهودات الجبارة المبذولة في هذا المجال، والتي مكنت المغرب من انتخابه لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
وبخصوص العمل الحكومي، أكد الكاتب الأول للحزب أن الاتحاد الاشتراكي كان يعي ويدرك وجهر بذلك منذ الوهلة الأولى، على أن هذه الحكومة سوف لن تكون حكومة متجانسة، وتحالفها تحالف ثلاثي متغول، لم ينحصر فقط على المستوى المركزي بل تعدى ذلك ليصل إلى مستوى الأقاليم والجهات لتتأثر هي الأخرى بالتدبير السياسي غير الموفق، والذي أنتج عددا من الأزمات التدبيرية على مستوى مجالس جماعات المدن الكبرى ما انعكس سلبا على المشاريع التنموية بهذه المدن.
وسجل لشكر على أن هذا التغول السياسي أضر بالتوازن السياسي للمؤسسات، وأصبحت الحكومة هي الأخرى متغولة على المؤسسات ومتحكمة في بعض قراراتها، وساق مثالا بمدينة فاس وبنسليمان، مبرزا أنه حين يتعلق الأمر بمقاعد برلمانية تابعة للأغلبية يحرصون على توجيه المؤسسات للحفاظ عليها، وحين يتعلق الأمر بمقاعد تهم المعارضة يسعون من أجل إعادة الانتخابات بها، أضف إلى ذلك التحايل على القانون والمؤسسات من أجل الحفاظ على مقاعدهم النيابية.
وأمام هذا الوضع الشاذ المتمثل في ضرب التوازن السياسي للمؤسسات والتغول عليها من قبل الحكومة والتلاعب والتحايل عليها، أكد الكاتب الأول للحزب على ضرورة اتخاذ مبادرات سياسية قوية من أجل إيقاف هذا العبث السياسي الذي يضر بالبلاد ومستقبلها، لذلك يقول الأستاذ لشكر، دعونا إلى تكوين جبهة سياسية منفتحة على اليسار والأحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية والنقابات، وشرعنا في ترجمة ذلك من خلال العمل الوحدوي والتنسيقي مع حزب التقدم والاشتراكية والانفتاح على الأحزاب الأخرى المعنية بهذا التوجه السياسي.
وأشار الكاتب الأول للحزب، إلى أنه في الوقت الذي نعاين فيه أوراشا ملكية ومشاريع مهيكلة وحركة تنموية، نصطدم بواقع من الاحتقان الاجتماعي الذي لا يعبر بالمرة عن نوع من الارتياح عن التدبير الحكومي، وعن نوع من التجزيء في تدبير مشكل سياسي اقتصادي، وهي إشكالية التضخم التي تتطلب حلولا شمولية، ولا نكتفي بالحلول السهلة والترقيعية، وإن كانت هناك زيادة في الأجور يجب أن تعم جميع فئات الموظفين، وأن لاينحصر الحوار الاجتماعي فقط على قطاعي التعليم والصحة بل يجب تعميم الحوار الاجتماعي على القطاعين الخاص والعام.
ودعا الأستاذ لشكر إلى تكثيف التنسيق بين المبادرات الرقابية والتشريعية بمجلس النواب ومجلس المستشارين، مذكرا في هذا الإطار أن رئيس الحكومة مطالب بالحضور لجلسات المساءلة الشهرية كجلسات رقابية وليس كجلسات استعراضية يختار مواضيعها وتوقيت الحضور لها، بالرغم من أن هناك مواضيع مصيرية وذات أولوية للبلاد يتم التغاضي عنها.
كما قدم قيادي الاتحاد الاشتراكي نقدا لاذعا يتعلق بالجلسات الأسبوعية للبرلمان، التي كانت جلسات للمساءلة الرقابية للوزراء، بينما اليوم أصبحت صيغة الجلسات الأسبوعية بالأقطاب، لكن هذه الأقطاب لم نعد نجد لها حضورا بالجلسات البرلمانية بل نجد حضور وزير أو اثنين وغياب الآخرين، وأصبح حضور الوزراء مرهونا بـ»الكانة»، وبهذا تضيع المساءلة الأسبوعية والرقابة الحكومية بالجلسات الأسبوعية.
وذكر الأستاذ لشكر بتقليد سنته حكومة التناوب التوافقي بقيادة الوزير الأول الراحل عبد الرحمان اليوسفي، هو «اعتبار نصف الولاية مناسبة لتقديم رئيس الحكومة الحصيلة ومحاسبته عليها، لكن رئيس الحكومة لم يأت للبرلمان من أجل تقديم هذه الحصيلة بعد، وهذا فيه انسجام مع التغول الذي قلنا به.»
ودعا الكاتب الأول إلى مواجهة هذا التغول الثلاثي والمس بتوازن المؤسسات، لتفعيل الفصلين 105 و 106 من الدستور، المتمثل في جمع المعارضة خمس الأصوات بمجلس النواب من أجل إعلان ملتمس الرقابة عن هذه الحكومة كمبادرة سياسية تدق ناقوس الخطر سواء توفقت المعارضة في الإطاحة بالحكومة أم لم تتوفق، ما يهم في ذلك هو المبادرة السياسية، وجعل منها محطة سياسية إعلامية بامتياز للتنبيه والتحذير بخطورة ما يقع سياسيا، أما بالنسبة لمجلس المستشارين فيتعلق الأمر بمساءلة رئيس الحكومية.
وحذر الكاتب الأول من الاستغلال الانتخابي للدعم الاجتماعي المباشر من قبل الحكومة، وانتقد مرسوم الدعم الذي يعطي أحقية إشراف رئيس الحكومة على الوكالة، مطالبا في هذا الإطار بأن يكون الإشراف لهيئة مستقلة عن الحكومة.
وطالب قيادي الاتحاد بملاءمة قانون الأحزاب السياسية مع القانون التنظيمي للبرلمان خاصة في المدة التي يعاد فيها انتخاب البرلمان خمس سنوات، وضرورة أن تعقد الأحزاب السياسية مؤتمراتها في ظرف أربع سنوات.
وفي المجال التنظيمي أشار الكاتب الأول إلى الدينامية التي تعرفها الحركية الحزبية بعدد من الأقاليم والجهات والقطاعات الحزبية، وكذلك المجهود على مستوى الإعلام الحزبي ثم قطاع الصحافة، الذي تم فيه انتخاب الأخ عبد الكبير اخشيشن كاتبا عاما للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، ثم المؤتمرات الإقليمية للمحاماة والتعليم العالي ولقاء المهندسين، كما كشف الكاتب الأول أن هناك حركية أخرى للتحضير لانعقاد مؤتمرات قطاعية حزبية أخرى كالمؤتمر الوطني للمنتخبين الذي سيكون في أبريل ببوزنيقة، ومؤتمر قطاع التجار والمهنيين في فبراير ومؤتمر قطاعي لرجال ونساء التعليم، وننتظر كذلك عقد مؤتمرات أخرى كالفوسفاط، والجماعات المحلية وقطاع التعاضد، بالإضافة إلى أنه تم عقد عدد من المؤتمرات الإقليمية الحزبية بعدد من المدن، ونأمل في عقد مؤتمرات إقليمية أخرى عبر جدولة زمنية مناسبة.
ومن جهته قدم محمد محب، عضو المكتب السياسي، ميزانية الحزب برسم سنة 2024، موضحا في هذا الإطار أن مداخيل الحزب بالمقارنة مع السنة الماضية 2023 سترتفع من 16 في المائة إلى 24 في المائة، وذلك بمجهود ذاتي للانخراطات لكنه مجهود غير كاف، يقول محب، والدعم العمومي سيشكل من مجموع الميزانية 53 في المائة، بينما تكلف الدراسات والأبحاث والتكوينات 22 في المائة من النفقات، و32 في المائة بالنسبة لتكاليف الاجتماعات والمؤتمرات أما التجهيزات والإعلام والتواصل فتكلف 7 في المائة من النفقات.
وفي كلمة لمصطفى عجاب، عضو المكتب السياسي، حول بعض النقاشات التي عرفها المؤتمر الوطني الحادي عشر في ما يتعلق بالجانب التنظيمي، والتي من الضروري أن يحتويها القانون الأساسي والقانون الداخلي للحزب اختزل قضايا هذه النقاشات في ثلاث نقط أساسية وهي أهمية القطاعات الحزبية كخزان أساسي للتنظيمات الحزبية، واعتبر قطاع القانون كإطار في القاعدة العضوية، ثانيا مراكمة المسؤوليات؛ والتداول، والتنافي في المسؤوليات في القواعد التنظيمية، ومقتضيات أخرى تهم لجان الحكامة الحزبية، لجنة التحكيم والأخلاقيات ولجنة المراقبة المالية والإدارة والممتلكات.
وأشار عجاب إلى أن هذه القضايا مطروحة على لجنة داخل المكتب السياسي لتحضير وكيفية التعاطي معها، وستعرض خلاصاتها على المكتب السياسي في الوقت المناسب لتضمينها في نظام داخلي وأساسي جديد وستعرض على أنظار المجلس الوطني من أجل المصادقة.
وللإشارة صادق برلمان الحزب، بالإجماع، على كل من التقرير السياسي للكاتب الأول ومشروع الميزانية برسم سنة 2024، كما تمت المصادقة، بالإجماع، على انتخاب إدريس ابو الفضل، عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات مكان الراحل عبد الواحد الراضي، والشرقاوي عضو اللجنة الوطنية لمراقبة المالية والإدارة والممتلكات.


الكاتب : عبد الحق الريحاني  / تصوير: عبد النبي المساوي

  

بتاريخ : 29/01/2024