في الذكرى الأربعينية للراحل رجل الدولة سي عبد الواحد الراضي بالمكتبة الوطنية بالرباط

الكاتب الأول إدريس لشكر: سي عبد الواحد الراضي جزء ممن نسج الرسالة من جيل إلى جيل وممن سقى شجرة الوفاء الاتحادية لتبقى حية، معطاء، تلقي بظلالها…

الوطن ليس مجرد رقعة جغرافية أو تجمعا سكنيا، بل هوية وانتماء وتاريخ وحضارة وحلم لا يتوقف مهما كثرت الصعاب واشتدت الأزمات

رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي: برحيل سي عبد الواحد الراضي فقد المغرب ركيزة أساسية في العمل البرلماني المغربي

 

 

ابنة الراحل لمياء الراضي: كنت أبا للجميع وتقول «الحزب قبل العائلة والوطن قبل كل شيء»

 

 

 

وسط اهتمام إعلامي كبير من قبل مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية المعتمدة ببلادنا، وبحضور وازن للسلك الدبلوماسي بالرباط، وممثلي المنظمات العربية والدولية وقيادات الأحزاب الوطنية والديمقراطية، وكل الطيف السياسي والنقابي، فضلا عن الاتحاديات والاتحاديين وأفراد أسرة الفقيد سي عبد الواحد الراضي، انطلقت الذكرى الأربعينية للراحل سي عبد الواحد الراضي، مساء يوم الثلاثاء 9 ماي، بالقاعة الكبرى للمكتبة الوطنية بالرباط.
لقد حج عدد كبير من الفعاليات السياسية والحقوقية والمدنية والفكرية والمعرفية والأكاديمية سواء من العاصمة الرباط أو من مختلف المدن المغربية، من أجل حضور ذكرى أربعينية الراحل سي عبد الواحد الراضي، رجل السياسة النبيل، ورجل الدولة، ورجل التوافقات الكبرى، والرجل الذي وهب حياته لخدمة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بصفة خاصة والوطن ككل، بصفة عامة، من خلال عدد من المواقع والمناصب.
بهذه المناسبة ألقى إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كلمة استهلها بالقول: «نلتقي اليوم بمناسبة إحياء الذكرى الأربعينية لفقيدنا الأخ عبد الواحد الراضي، الذي شاءت الأقدار الإلهية أن يفارقنا بعد مسار حافل بالنضال والعطاء المتواصل، وبعد الرفقة الإنسانية والسياسية التي جمعته بأقربائه وأصدقائه وأخواته وإخوانه».
وأضاف الكاتب الأول، «نلتقي، وقد تقبلنا الفاجعة بقلوب مؤمنة، لنترحم على روحه الطاهرة، ونستحضر خصاله ومناقبه المتعددة كرجل دولة من العيار الكبير، وكمناضل وفي لمبادئه وقيمه الاشتراكية. وطني مكافح من أجل أن تبزغ شمس الاستقلال، مناضل تقدمي راهن على تطور المغرب، مؤمنا بأن رياح المستقبل ستحمل معها نسائم الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، مهما كان المسار شاقا وطويلا».
وأكد إدريس لشكر أن الراحل قائد سياسي مخلص للفكرة، والرفقة، والتربة، وفي لانتمائه الاتحادي منذ كان، كان شاهدا على مسار التحولات الكبرى التي عرفتها بلادنا، وفاعلا سياسيا ساهم مع رفاقه في جزء مهم من تاريخ المغرب المعاصر منذ مرحلة مناهضة الاستعمار الفرنسي ونيل الاستقلال.
وأردف لشكر قائلا، «الدم الذي سرى في عروق سي عبد الواحد منبعه الدماء التي كانت تنعش جيل «الحركة الوطنية»، جيل القوة الفاعلة التي ساهمت في وضع أسس المغرب المتنوع والمتعدد. من هذه الدماء تعلم أن الوطن ليس مجرد رقعة جغرافية أو تجمعا سكنيا، بل هوية وانتماء وتاريخ وحضارة وحلم لا يتوقف مهما كثرت الصعاب واشتدت الأزمات. تعلم وعلم أن الوطن قضية وجود».
وأبرز الكاتب الأول للحزب أن الفقيد، منذ البدايات، تعلقت حياته بتفاعلات المجتمع وأحداث التاريخ المجيد الذي صنع هذه الأمة، وشكل ملامح المغرب الحديث. «في كل المراحل، التاريخية والسياسية، كان سي عبد الواحد المناضل الوفي ورجل الدولة الصادق الذي كان له شرف العطاء والعمل تحت قيادة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، وجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، وجلالة الملك محمد السادس حفظه لله. ولنا أن نتصور تأثير الملوك الثلاثة في شخصية وطني مخلص تحمل مسؤولياته الرسمية المختلفة بكل ما يلزم من الرقي والتفاني في خدمة الصالح العام.»
واعتبر الكاتب الأول أن سي عبد الواحد الراضي، بمثابة ذاكرة وطنية ثرية اختزنت في عمقها دفء العلاقات الإنسانية وسمو الانتماء السياسي، وشائج ظلت حاضرة في وعيه مع قادة تقاسم معهم نفس المبادئ والقيم: عبد لله إبراهيم، المهدي بن بركة، عبد الرحيم بوعبيد، عبد الرحمان اليوسفي.»
وبخصوص قيم الوفاء والتحلي بالمسؤولية، أكد لشكر أن سي عبد الواحد الراضي جزء ممن نسج الرسالة من جيل إلى جيل .. ممن سقى شجرة الوفاء الاتحادية لتبقى حية، معطاء، تلقي بظلالها على أخوات وإخوة يشتركون في النضال من أجل الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية. تحمل مسؤوليته بنفس العزيمة والإصرار، في كل المواقع التنظيمية: مع القواعد، في الأجهزة القيادية، وكاتبا أول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفاعلا في المرحلة التي قدناها معا لتحقيق الانبعاث واستعادة المبادرة.
تابع الكاتب الأول القول حول هذه الشخصية السياسية النادرة، «نادرا ما كنا نشعر أن سي عبد الواحد قلق أوحزين أو يائس. كان المثال الحي على التفاؤل الحالم المتوازن، والعنوان البارز للسياسي النزيه المتفاني في عشق بلاده في خضم الشدائد: شدائد الوطن والشدائد على الوطن. مناضل أصيل عاش حياة مليئة وغنية بالتضحيات والصمود والآمال، حياة مفعمة بالأحداث الجسام في المنعطفات السياسية الكبرى التي لم تزعزع هدوءه وحكمته وميله نحو التوافقات ورعاية المشترك كيفما كانت الظروف.»
وعن حكمة الرجل وتبصره وثباته أوضح الكاتب الأول ، «في المحطات الصعبة التي عشناها معا، لم يندفع وراء العواطف والانفعالات وردود الأفعال المتسرعة، بل توسل دائما بالمنطق والعقل في التعاطي مع الوقائع والأحداث في انسجام تام مع ذاته وفكره السياسي. لا مجال معه للحماس العاطفي ولغة الشعارات، لأننا تعلمنا منه أن ضبط الوقت واستثمار التوقيت مسألة حاسمة في العمل السياسي وفي صناعة المستقبل.
بطباعه الهادئة وفكره المنفتح، كان منجذبا نحو المستقبل لأن الطاقة التي سكنته وحركته طاقة تواقة إلى الفعل والدينامية والطموح للدفع بالمجتمع نحو الحداثة والتحديث.»
وعن سي عبد الواحد الراضي البرلماني، والوطني، أكد لشكر أن سي عبد الواحد استطاع أن يؤسس لخطاب برلماني منسجم مهما كان الموقع الذي يحتله، في المعارضة أو في تدبير الشأن العام. خطاب برلماني مستميت في الدفاع عن مصلحة الوطن، وقضاياه الكبرى، وفي مقدمتها مغربية الصحراء. كان الفقيد في مختلف المحافل العالمية، وفي المؤسسات الدولية التي تقلد فيها المسؤولية، مواجها صلبا وعنيدا لمؤامرات ومناورات الخصوم. خصاله هي خصال رجال الدولة الكبار كما عبر عن ذلك جلالة الملك محمد السادس حفظه لله في تعزيته، وقد أثارني تعلقه الكبير والدائم ببلده في مقطع من مذكراته «المغرب الذي عشته». يقول: «الحقَّ أَن المغربَ كان، على الدَّوَام، نصْبَ عيْنَيَّ.أقصدُ تاريخَ المَغْرِب، استقرارَ المغرب،…»»
كما تناول الكلمة، بهذه المناسبة، راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، أكد فيها أن المغرب برحيل سي عبد الواحد الراضي فقد ركيزة أساسية في العمل البرلماني المغربي، مشيرا في نفس الوقت إلى أن روح الفقيد وعمله ونهجه السياسي والديمقراطي سيظل بيننا وفينا.
وشدد رئيس مجلس النواب على أن الراحل الراضي كان رجل المؤسسات ودافع عنها مهما كان الثمن، وكان مؤمنا بأن التغيير والتناوب متحول فيما المؤسسات ثابتة، لذلك كان مدافعا عن الشرعية مهما كانت السياقات، وكان من بين الشخصيات السياسية التي حظيت بثقة المغفور له محمد الخامس والمغفور له الحسن الثاني وجلالة الملك محمد السادس، وبادل هذه الثقة بالوفاء والدفاع عن الثوابت المغربية.
واستعرض رئيس مجلس النواب المسار البرلماني للراحل عبد الواحد الراضي انطلاقا من أنه عضو برلماني مرورا إلى رئيس لمجلس النواب لولايتين ونصف، وترأس عددا من المنظمات البرلمانية الدولية المتعددة الأطراف وصولا إلى رئيس الاتحاد البرلماني الدولي، ومدافعا شرسا عن القضايا الحيوية للبلاد، وفي مقدمتها القضية الوطنية، حيث كان ينزع عباءة الحزب ويرتدي لباس الوطن، وكذلك حزبه الاتحاد الاشتراكي سواء أكان في الأغلبية أو المعارضة، يقول الطالبي العلمي.
كما ألقت لمياء الراضي، بهذه المناسبة، كلمة باسم عائلة الفقيد، كلمة جد مؤثرة، أضفت على القاعة حزنا عميقا وأسى كبيرا، عبرت فيها ابنة الراحل، في البداية، عن امتنانها لكلمات ورسائل المواساة والتقدير التي تشيد بمسار والدها النضالي ومواقفه الوطنية، متوجهة بشكر خاص لجلالة الملك محمد السادس لما كان يوليه من عناية فائقة لوالدها في حياته أو خلال تشييع جنازته بحضور ولي العهد مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد.
وبكلمات تخللتها دموع الفراق الصعب وألمه، أبرزت لمياء الراضي مدى صعوبة لحظة تأبين والدها، وعبرت عن حيرتها في الحديث عن عبد الواحد الراضي الأب، أو الرجل الوطني الاتحادي الوفي، قائلة:» كنا طيلة حياتنا نتساءل، هل هو والدنا لوحدنا ؟ فطيلة حياتك أبي وفي ممارستك المتواصلة كنا نلمس وبيقين أنك كنت أبا لكثير ممن تربوا على يدك سواء في مجال التحصيل العلمي أو العمل الجمعوي أو النقابي والحزبي.. كنت حاضرا وراعيا لهم حتى في اختلافاتهم وما أعقدها أحيانا..».
كما ذكّرت ابنة الفقيد بحرص والدها على الوحدة قائلة:» كنت ترعى الوحدة وتعمل جاهدا على تحصينها من التفكك، وكنت مؤمنا دوما بأن قوة المغرب في تنوعه ووحدته، وتؤمن بأن العمل الحزبي والسياسي ينتج ويتطور ويتقدم بالوحدة وتماسك مكوناته»، معيدة السؤال من جديد :» فعلا هل كنت أبانا لوحدنا ؟ كنا أيضا نتساءل كيف كنت صلة بين طرفين يكادان يتناقضان، وكيف فزتَ بثقتيهما معا وبثقة كل زملائك»!
وعن صونه للأسرار تابعت قائلة: « لقد نجحت في الحفاظ على الأمانة وصونها وما أثقلها، ربما لأنك لم تترك منفذا مهما كان صغيرا ولا قيمة له أن يتسرب منه سر كيفما كان.. كنا نتعجب ولربما كان يتعجب معنا الكثيرون من المقربين كيف تحاصر أسرارك بصمتك الصوفي، ومن أين يأتيك كل هذا الهدوء مع مواصلة الكتمان، لقد قلت مرارا ستدفن معي الكثير من الأسرار وكنت معتزا بالمغرب الذي عشتَه..».
وفي الأخير قالت لمياء الراضي :» والدي ها أنت قد رحلت إلى دار البقاء يؤنسك إيمانك وقيمك ووفاؤك وأسرارك، تلك التي لم نعرف منها جميعا إلا سرا واحدا، سرٌ كنت تكرره دائما «الحزب قبل العائلة والوطن قبل كل شيء»، وختاما والدي وأبي العزيز، وما أشق الختام في مثل هذا الموقف، كنت طيلة حياتك الزاخرة، التي تكلم عنها بعض رفاقك ومحبيك، تشعرنا أنك بقربنا دوما ومعنا ترعانا، نم هادئا أبي، فروحك معنا وقيمك منارتنا ونستلهم منك الكثير…».
كما شهدت هذه الذكرى الأربعينية التي قدم فقراتها المهدي المزواري، عضو المكتب السياسي للحزب، قراءة مجموعة من رسائل التعزية من شخصيات سياسية مرموقة عربية وأوروبية ودولية، وفي ختام هذه الذكرى تم عرض شريط عن المسار السياسي والنضالي والبرلماني للراحل سي عبد الواحد الراضي.
وتجدر الإشارة إلى أنه تمت، في نفس اليوم، زيارة قبر الراحل سي عبد الواحد الراضي من قبل وفد عن الحزب ترأسه الكاتب الأول رفقة أفراد عائلة الفقيد، كما أن رحاب المكتبة الوطنية قبل بداية فقرات الذكرى الأربعينية عرفت تنظيم معرض للصور المتعلقة برجل الدولة والقيادي الاتحادي سي عبد الواحد الراضي، هذا المعرض الذي يبرز مسارالراحل بالصور منذ النشأة ومراحله السياسية والنضالية، كرجل للدولة، وكذا المحطات الانتخابية وفي البرلمان والأنشطة الحزبية والحكومية وكذا الأنشطة الدولية، إضافة إلى صور رفقة عائلته.
رحم لله الراحل سي عبد الواحد الراضي.


الكاتب : الرباط: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 11/05/2023