في بيان المؤتمر الإقليمي لأنفا : اعتماد رؤية متجددة لولوج مصاف المدن الذكية بكامل مقوماتها المواطناتية والتدبيرية والاقتصادية والثقافية 

التنبيه إلى مخاطر التطاحنات بين مدبري الشأن، وهي تطاحنات مصلحية لا علاقة لها بالمواطنين

 

تثمين التنسيق بين حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية واعتباره مكسبا وطنيا وتقدميا على طريق استعادة الأحزاب الوطنية لأدوارها في ترسيخ الانتقال الديموقراطي

 

عقد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأنفا مؤتمره الإقليمي تحت شعار « تخليق تدبير الشأن العام المحلي في أفق مدينة المواطنة والمستقبل»، يوم السبت 20 يناير 2024.
وانعقد هذا المؤتمر في سياق الدينامية الحزبية الوطنية، المطبوعة بتجديد هياكل الحزب تماشيا مع مخرجات المؤتمر الوطني الأخير، وما تفرضه الاستحقاقات الوطنية المقبلة، وانسجاما مع تطلعات كل الاتحاديات والاتحاديين في تبويء الحزب المكانة التي يستحقها جماهيريا وسياسيا وانتخابيا.
كما انعقد في سياق وطني مخصوص، بحيث أبانت مخرجات العملية الانتخابية الأخيرة، عن الحاجة الوطنية المستعجلة لأحزاب لها امتدادات مجتمعية، ولنخب حزبية مستوعبة للمشروع المجتمعي القادر على إحداث الانتقال نحو الدولة الاجتماعية في أبعادها الوطنية والمجتمعية.
إن مناضلات ومناضلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على مستوى إقليم أنفا / الدار البيضاء، ومن خلال معاينتهم لما يعرفه تدبير الشأن العام في المؤسسات التمثيلية المحلية من اختلالات تدبيرية، ومن عجز عن الاستجابة لحاجيات المواطنات والمواطنين، ومن تطاحنات داخل الأغلبيات المسيرة للمجالس الترابية، يعتبرون أن كل هذه الأعطاب المستشرية تقتضي استعجالية تخليق الممارسة التمثيلية بالنظر للتحديات الوطنية والمحلية، خاصة بمدينة مثل الدار البيضاء التي خصها جلالة الملك فضلا عن عنايته المولوية بخطاب سام، نبه فيه لعديد الاختلالات، ورسم خارطة طريق واضحة للمهام المستعجلة.
لقد مرت عشرون سنة على وحدة المدينة، ولا تزال المقاطعات تشتغل كجزر منعزلة، وليس ثمة أي مشروع تنموي يعبر عن تكامل بين مقاطعات وعمالات الدار البيضاء لبناء وحدة تطول المجالات التعميرية والاقتصادية والثقافية والرياضية، والتنموية عموما، كما أننا لم نشهد خلال هذه المدة كلها، بولاياتها الخمس المتتالية أي تجديد حقيقي للنخب المسيرة، بحيث استمرت تقريبا نفس الوجوه هي التي تقود مجالس العمالات والمقاطعات وغيرها من الجماعات الترابية، رغم أن حصيلتها التدبيرية كانت كارثة، بدليل عدم رضا البيضاويات والبيضاويين عن واقع المدينة، الذي يعرف تراجعا على مستوى النقل الحضري والنظافة وتدبير النفايات والمساحات الخضراء والمرافق الترفيهية والرياضية والثقافية وغيرها.
إن مدينة بحجم وتاريخ الدار البيضاء، وما تتوفر عليه من نخب سياسية وثقافية واقتصادية ومقاولاتية وجامعية، وما تتوفر عليه من بنيات تحتية تعتبر قاطرة للاقتصاد الوطني، يستلزم توفر مدبري الشأن المحلي فيها على تصورات للتنمية المجالية المحلية قادرة على تأهيل المدينة نحو أفق أن تصبح مدينة للمواطنة الحقة، ومنفتحة على مستقبل المدن الذكية العالمية الرائدة، باعتبار أنها المدينة الأكثر قدرة على قيادة باقي المدن المغربية نحو نموذج تنموي وتدبيري وتأهيلي قادر على مواكبة السيناريوهات المحتملة التي تضعها الدراسات المستقبلية المهتمة بالمجال الحضري.
إن المؤتمر الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأنفا ، وبعد الاستماع والتداول في كلمة الأخ الكاتب الأول للحزب، وبعد عرض أوراق المؤتمر، ومناقشتها في أجواء مسؤولة وحماسية، وبعد استحضاره لمعطيات إحصائية ونوعية مرتبطة باحتياجات ساكنة مقاطعة أنفا، يعتبر أن السياق الوطني يقتضي ممارسة حزبية جديدة، تعتمد الإنصات والقرب، واقتراح آليات متجددة لاستيعاب الديناميات المجتمعية التي تعرف تحولات ثقافية وقيمية واجتماعية، على قاعدة تثمين المكتسبات على مستوى الحقوق والحريات، وتقليص حدة التباينات الطبقية والمجالية.
وقد أظهرت العديد من الوقائع، ومن بينها المحاكمات والمتابعات الجارية لمنتخبين كبار أنه لا يمكن فصل تحسين مؤشرات التنمية البشرية والاجتماعية، والنمو الاقتصادي، عن إعمال مبادئ التخليق والرقابة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وإن مسؤولية الأحزاب السياسية قائمة في إحداث توازن بين التراكمات الإيجابية على مستوى تدبير التحديات الخارجية، وبين المنحى التراجعي على مستوى أداء المؤسسات التمثيلية، وباقي مؤسسات الوساطة السياسية والنقابية والحقوقية والمدنية، مما يظهر الحاجة الملحة لأحزاب حقيقية، لها امتدادات مجتمعية، وبرامج نابعة من مرجعية حداثية تقدمية، قادرة على القيام بوظائف التكوين والتأطير والوساطة، وتعتبر مشتلا للنخب السياسية وإنتاج الأفكار والبرامج والمقترحات التي من شأنها أن تقدم بدائل واقعية وعقلانية.
ولقد استوعب مناضلو/ات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المستوى إقليم أنفا، كما إخوانهم وأخواتهم على المستوى الوطني، الدعوات الملكية الأخيرة لاستدماج قيم الجدية والوطنية وتغليب المصلحة العامة في كل تحرك فردي أو جماعي، ولذلك فإن الدينامية التنظيمية الحالية للحزب هي استجابة واعية وآنية للمهام المستعجلة وطنيا، لتمتين الجبهة الداخلية الوطنية في مواجهة تحديات ضاغطة مرتبطة بالركود الاقتصادي العالمي، ومشكلات المناخ، وسنوات الجفاف المتتالية، ومؤامرات الخصوم والأعداء.
وعلى المستوى المحلي، فإن المؤتمر الإقليمي بأنفا، وقف على مجموعة من الاختلالات التي تعيق انبثاق نموذج لمدينة المستقبل، تتوفر مدينة الدار البيضاء، وفي القلب منها مقاطعة أنفا على كل مقوماته البشرية والتاريخية واللامادية والبنيوية، غير أن طرائق تدبير الشأن العام المحلي المتوارثة، والمطبوعة باستدامة التسيير الارتجالي غير المحكوم بأي تصور مستقبلي، وغياب الحد الأدنى من الالتقائية بين المقاطعات، وداخل المقاطعة الواحدة، يعيق التأسيس لنموذج المدينة الذكية والمرجعية. إن الدار البيضاء لا يجب اختزالها في التجمعات الإسمنتية، وفي الأنشطة الصناعية، بل إن للمدينة مرجعيتها الثقافية والاجتماعية والمعمارية التي تمنحها خصوصيتها، والتي يجب تثمين عناصرها اللامادية، من أجل أن تكون مدينة المواطنة الحقة، التي تضمن لساكنتها شروط العيش الكريم في أبعاده المادية والثقافية والقيمية.
لقد تم في السنوات الأخيرة إهمال العديد من المعالم العمرانية ذات الحمولة التراثية والتاريخية، وتم إغلاق العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية ودور الشباب، وعدم صيانة المساحات الخضراء، مما جعل جودة الحياة تتراجع بالمدينة، لولا المشاريع التي كان للتعليمات الملكية دور في خروجها للوجود، بمجهودات لسلطة الوصاية أكثر منها لعمل المجالس التمثيلية.
إن المؤتمر الإقليمي بأنفا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبعد اختتام أشغاله، يؤكد ما يلي:
على المستوى الوطني:
1/ تثمينه للنجاحات المغربية المسجلة على مستوى حسم معركة الوحدة الترابية، والمتمثلة في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وفي توالي الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، وجدية المقترح المغربي للحكم الذاتي بالصحراء المغربية في إطار السيادة الوطنية الكاملة.
2/ اعتباره الخطب الملكية الأخيرة المؤكدة على محورية مدخل القيم خارطة طريق للمرحلة الجديدة التي تسعى فيها بلادنا للتأسيس للدولة الاجتماعية موازاة مع الوعي بأزمة النظام العالمي على المستوى الاقتصادي أساسا.
3/ اعتزازه بانتخاب المغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان بجنيف التابع للأمم المتحدة، بما يشبه الإجماع، وهو اعتراف دولي على التقدم الملحوظ في المغرب لجانب احترام الحقوق والحريات، وهو جواب على الضربات تحت الحزام التي كانت تتلقاها بلادنا بتوظيف سيئ للمنظمات غير الحكومية ومنابر إعلام ثبتت تبعيتها.
4/ الدعوة لتغليب الحس الوطني، والمصلحة العامة، في مواجهة أزمة الجفاف، وتراجع الموارد المائية، والأزمات المستوردة سواء الطاقية أو المرتبطة بالتضخم، عبر إقرار قوانين وسياسات تنتصر لتحسين دخل المواطنين/ات وتقليص الفوارق الطبقية والمجالية، بما يخفف من حدة الاحتقان الاجتماعي.
6/ تثمين التنسيق بين حزبنا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مع رفاقنا ورفيقاتنا في حزب التقدم والاشتراكية، واعتبار هذا التنسيق مكتسبا وطنيا وتقدميا على طريق استعادة الأحزاب الوطنية التقدمية لأدوارها في ترسيخ الانتقال الديموقراطي ومرافقته، من مدخل الفاعلية والتجاوب مع الأفق الوطني المفتوح على مستقبل المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية، في تجاوب خلاق مع الإرادة الملكية بتأهيل بلادنا بنفس متجدد لمواجهة كافة التحديات الداخلية والخارجية.
وعلى المستوى المحلي، فإن المؤتمر الإقليمي بأنفا للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يدعو لما يلي:
1/-اعتماد رؤية متجددة لمدينة الدار البيضاء عموما، ومقاطعة أنفا خصوصا تؤهلها لولوج مصاف المدن الذكية بكامل مقوماتها المواطنتية والتدبيرية والاقتصادية والثقافية.
2-التنبيه لمخاطر التطاحنات بين مدبري الشأن المحلي بالدار البيضاء، وداخل مقاطعة أنفا تحديدا، وهي تطاحنات مصلحية لا علاقة لها باحتياجات المواطنات والمواطنين.
3_اعتماد مخططات للتأهيل الحضري للمدينة، تأخذ بعين الاعتبار معطيات التوسع الحضري المتزايد، والمحافظة على الإرث المعماري الذي يمنح المدينة هوية معمارية خاصة، ويأخذ بعين الاعتبار التحديات الإيكولوجية المتزايدة.
4-تأهيل الفضاءات الثقافية والفنية والرياضية القائمة، والتي تعتبر جزءا من ذاكرة المدينة، مع إحداث بنيات أخرى جديدة، تستجيب للطلب المتزايد عليها، خصوصا على مستوى المعاهد الموسيقية وملاعب القرب ودور الشباب. بما في ذلك المركب الرياضي محمد الخامس، والبنايات التي كانت تحتضن دور السينما، والمعهد الموسيقي، وغيرها من الفضاءات التي كانت متنفسات تثقيفية وترفيهية ورياضية لساكنة المقاطعة خاصة ولكل البيضاويات والبيضاويين بصفة عامة…
5-الاستثمار الأمثل للبنيات التحتية المحدثة لفرص الشغل، والمدرة لعائدات ضريبية، من مثل الميناء والمناطق الصناعية، مع ربطها بمؤسسات التكوين المهني المحلية.
6_المحافظة على الإرث الباتريمواني للمدينة، وتثمينه وخصوصا على مستوى مقاطعة أنفا، من مثل المدينة العتيقة، ودور السينما، والمعمار الكولونيالي المتفرد بهندسة خاصة، ومنع التصرف فيه، وتحويله إلى فضاءات ثقافية وفنية واجتماعية ورياضية تستفيد منها الساكنة.
7-إحداث فضاءات خضراء جديدة، وتأهيل الحالية، مع تزويدها بما يمكن الأطفال والشباب من ممارسة أنشطة رياضية وترفيهية وفنية وثقافية تواكب احتياجاتهم واهتماماتهم.
8-قيام المؤسسات المنتخبة بأدوارها في دعم التعليم العمومي المدرسي، انسجاما مع أدوارها، وتمثيليتها داخل مجالس تدبير المؤسسات التعليمية، خصوصا على مستوى تأهيل المكتبات المدرسية، وإصلاح فضاءات التربية البدنية، وتشجير المدارس، والعناية بمحيطها الخارجي الذي يجب أن ينسجم مع أدوارها التربوية.
وإعادة فتح المؤسسات التعليمية المغلقة، أو وضعها تحت تصرف منظمات المجتمع المدني المعنية بقضايا الطفولة والتعليم والشباب ودعم التمدرس، والتنبيه لأي محاولة لتفويتها للقطاع الخاص وخصوصا للمنعشين العقاريين.
9_حل معضلة النقل الحضري سواء على مستوى توفير الحافلات وتجديدها، أو على مستوى إصلاح الشوارع والأزقة، مع استحضار إدماج الطاقات البديلة للتقليل من مخاطر التلوث بالمدينة، والذي بات يشكل عبئا متزايدا على صحة المواطنات والمواطنين، خصوصا صغار وكبار السن.
10-الصرامة في محاربة مظاهر التملص الضريبي، بحيث لا تتناسب المداخيل الضريبية مع الواجب استخلاصه، خصوصا في مقاطعة أنفا، والذي من شأن الاستخلاص الأمثل لهذه العائدات أن يسهم في رفع مثالي للمداخيل، مما سينعكس إيجابا على التأهيل الأمثل للمواطنين.
11-محاربة احتلال الملك العمومي، مع التفكير في تسويات توفق بين احترام جماليات الفضاء العمومي وتنمية الموارد الضريبية وخلق فرص الشغل.
إن المؤتمر الإقليمي لأنفا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعتبر أن مدينة الدار البيضاء قادرة على تجاوز أعطاب تنميتها المحلية، لما تتوفر عليه من بنيات ونخب، وفي الآن نفسه، فإنه يربط بين هذه التنمية وبين أفق الديموقراطية بشقيه التمثيلي والتشاركي، وبالتالي فهو لا يفصل مستقبل المدينة عن شروط مجالسها المحلية، التي يجب أن تستجيب لمتطلبات الديموقراطية والكفاءة والتوفر على تصور لمدينة المستقبل.


بتاريخ : 24/01/2024